عرف الشعر العربي في الجزيرة العربية وما جاورها من بلاد عربية منذ القديم وكانت اللغة المعروفة انذاك اللغة العربية الفصحي وكان الناس في الجزيرة العربية يتكلمون اللغة العربية الفصحي وإن داخلها في بعض الحواضر كلمات او لهجات دخيلة ولكن ليس لها تأثير على لغة العرب بشكل عام .
وعرفت البادية في الجزيرة العربية على وجه الخصوص بقوة لغتها وفصاحتها وكان الناس المقتدرون من ابناء المدن يرسلون أبناءهم للصحراء مدة من الزمن في طفولتهم للصحراء لتعلم اشياء كثيرة تنفعهم في حياتهم وأهم تلك الأشياء هي اللغة العربية الفصيحة وكانت بادية نجد هي أهم مكان لتعلم اللغة العربية وأعظم من أرسل للبادية في التاريخ قاطبة هو رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله علية وسلم عند بني سعد ، وبعد ظهور الإسلام وانتشاره في الأصقاع والبلاد المجاورة للعرب بدأت تدخل على المجتمعات العربية لهجات ولغات مختلفة من ابناء الشعوب التي تدخل في الاسلام حديثا وبدأ الناس من هذه الشعوب يتوافدون على المدن والحواضر العربية لتعلم الدين أو التجارة أو العمل وغيره وأيضاً يقدمون لاغراض أخرى لانهم جزء من هذه الدولة الاسلامية الكبيرة.
بدأ تأثير ابناء هذه الشعوب والقوميات الاخرى يظهر جليا في الحواضر الاسلامية مثل دمشق وبغداد مما حدا بالغيورين على اللغة العربية من التذمر والاستياء والخوف على اللغة العربية الفصحي من الاندثار بسبب ذلك قال أحد شعراء القرن الثانى الهجري في ذلك .
أن أولاد السراري كترو يارب فينا ... ربي ادخلني بلاد لا اري فيها هجينا .
وهذا دليل على كثرة ابناء الشعوب الاخري في ذلك الوقت كما وصفهم هذا الشاعر بالهجينين ، ومنذ هذا الوقت على ما اعتقد بدأت اللهجة العامية تنتشر في أمكن مختلفة في بلاد العرب ومن ضمنها نجد وأن كانت نجد هي من اخر البلار التي دخلتها هذه اللهجة (أي العامية ) لان نجد حصن قوي ومنيع للغة العربية وأن شعراء المعلقات السبع المعروفة هم من ابناء نجد وهم أمرؤ القيس وزهير ابن ابي سلمي وعنتره ولبيد والاعشي وطرفه وعمرو بن كلثوم ......هؤلاء هم فطاحلة لغتنا العربية .
بدأت العامية تنتشر في اصقاع البلاد كلا بلهجته الخاصة مما حدا بعلماء اللغة في ذلك الوقت بوضع قواعد اللغة خوفا عليها من الاندثار أو التأثر ، وكذلك الشعر بدأ يظهر شعر بلغة عربية عن اللغة الفصحي شيئا فشيئا مما حدا بعلماء الشعر بوضع قواعد للشعر العربي الفصيح وكان هذا العمل يد الخليل ابن أحمد الفراهيدي المتوفي سنة 174 هجري إذا سيبويه وضع القواعد للغة في القرن الثاني الهجري وكذلك الخليل وضع القواعد للشعر العربي في القرن الثانى وأهم قواعد الشعر هي الاوزان ومقاييس لكي تحفظ هذا الشعر من العبث والخلط. ، وبسبب أن الخليل بن أحمد وضع الاوزان للشعر اطلق عليه البعض صفة الجنون في ذلك الوقت ةلهذا حكاية ، قيل ان ابنه دخل عليه يوما وهو غارق في تدوين أحد البحور وجمع تفاعليه وكان ذلك بصوت مرتفع فلما رأه ابنه في حاله لم يعهد منه وكأنه يهذي بكلام معتوه خرج الي الناس واشاع بان اباه قد جن ولما انتشر الخبر بين الناس وعلم ان ابنه هو من اشاع ذلك استدعاه وقال: لو كنت تعلم ما أقول عذرتني.. أوكنت تعلم ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني .. فعملت أنك جاهل فعذرتكا . وقد وضع الخليل 15 بحر للشعر وهي كما يلي :
الطويل _ المديد _ الوافر _ الكامل _ الهزج _ الرجز _ الرمل _ السريع _ الخفيف _ المتظب _ المنسرح _ المضارع _ المجتث _ المتقارب _ البسيط
وقد اظاف عليها الاخفش المتدارك وللمعلوميه فإن الخليل قد ولد ونشاء في مجتمع يغلب عليه ابناء النبط في نواحي العراقيين وربما تكون ذلك سبب لعصبيته وغيرته على اللغة العربية الفصحي والشعر العربي الفصيح مما دفعه الى وضع قواعد للشعر العربي وكان ذلك في القرن الثاني الهجري والذي استفحل فيه شأن الموالين وطغت فيه الحضارة العباسية وسرت الانغام الموسيقية من دخلاء الحضارات الاخرى من فرس وغيرهم وظهرت أوزان جديدة تتفق مع هذه الانغام وأيضاً ظهر في الاندلس في هذا الوقت أوزان جديدة غير معهودة في الشعر العربي منها بعض الأزجال والموشحات وغيرها .
وعند انتشار وازدهار هذه الفنون انكسر صمود الشعر العربي ولم تصمد مقاومته لدى العامة مع مرور الزمن فسقط في موطنه وعقر داره الجزيرة العربية ونجد خصوصاً وقامت بديلا عنه القصيدة العامية الموجودة اليوم ولكن بتدرج سريع .
نستنتج من ذلك أن ظهور وإنتشار اللهجة العامية ومعها القصيدة الموجودة اليوم بدأ في نهاية القرن القاني الهجري وتبلور في صيغته الحالية في القرن الخامس أو السادس الهجري تقريباً وأن كات تلك اللهجة تتطور من عصر إلى أخر .
النبط أو الاستنباط هو في اللغة الاستحصال والاستخراج
اما لماذا سمي الشعر النبطي بهذا الأسم فذلك إحتمالات عديدة منها هو غير مقبول في وجهة نظري ، فمن وجهات النظر وجهة النظر التي تقول أن سبب التسمية هو كون أول من قال الشعر النبطي هو من سكان وادي نبط أو انباط وهذا الوادي يقع نواحي المدينة المنورة وإليهم نسب هذا الشعر ولا أؤيد هذا لسبب لأن لا ذكر لهذا الوادي في التاريخ ولا الجغرافيا ولا ذكر لناس ينسبون الي هذا الوادي من قبل .
أما الاحتمالات المقبوله لذكر الاسم فمنها أن السبب لهذه التسمية آتيه من الارتباط وهم ناس كامو يسكنون شمال الجزيره العربية في سواد العراق وبوادي الشام وهم مستعربين مهاجرين من بالد فارس وغيرها امتهنو الزراعة واستنبطو الارض حرثوها وزرعوها وأخرجو منها المحاصيل ولذلك سمو الانباط أو انهم لم يتكلمو اللغة العربية الفصحي وإنما اسنبطو منها اللغة قريبة منها ولكن ليست فصحي وكل هذه الاسباب تدل على استنباطهم وهي أسباب منطقية ومعقولة .
وقد عرف الارتباط قبل الاسلام بجوالي الف سنة وكان لهم دولة في شمال الجزيرة العربية واطراف الشام ونواحي العراق وكان لهم دولة ولكن الرومان قضو على هذه الدولة قبل الميلاد بحوالي 200 سنة .
وقد علافت هذه اللهجة قبل السلام وفي صدره عند هؤلاء الاقوام في أطراف الجزيرة العربية وليس في وسطها مثل العراق والشام والبحرين وعمان ولكن هذه اللهجة كانت ضعيفة ولا تنافس اللغة العربية أو تجاريها باي حال من الأحوال بل انها لم يقل بها شعر محفوط ولم يتكلمها ابناء العرب الاقحاح .
روي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوصى بعض الجد والذاهبين للعراق وقال ( تعدننو ولا تستنبطو ) أي حافظو على عدنانيتكم ولا تتأثرو بالانباط الذين يسمنون البلاد المتجهة إليها هؤلاء الجنود خوفا منه رضي الله عنه أن يتأثرو بعادات أو لهجة أو سلوك الانباط وأن يدعو عادتهم ولغتهم العدنانية الاصيلة مما يدل على تواجدهم منذ ذلك الوقت .
وهناك ايضا من يقول ان هذا الاسم اتى في القرن الرابع أو الخامس الهجرى وذلك عندما هاجرت بعض القبائل من الجزيرة العربية لاسباب كثيرة منها ما هو سياسي أو بسبب الجفاف أو طلب الرزق أو غيره وسوف أذكر نبذه تاريخية عن نجد في هذه الحقبة لاحقا والتي كانت حقبه فاصله بين صمود اللغة الفصحي وانتشار لغة النبط وكانت اشهر هذه الهجرات هجرة بني هلال والتي استمرت فترات طويلة ربما تصل الي اكثر من 200 سنة وكان عددهم كبير جداً يصل الي مئات الالاف من البشر واثناء هذه الهجرات وتفرق القبائل العربية فى مختلف البلاد الاسلامية التى فتحت فى صدرالاسلام صارت هذه القبائل تتكلم بلهجتها الخاصة مستقلة عن اللغة الام وبذلك خرجو عن قواعد اللغة الام وسميت لذلك نبطا أي خروج عن الاصل وقد عرف هلال الشعر النبطي ولذلك ينسب اليهم أقدم بحر في الشعر النبطى وهو الهلالي .
من صفات اللهجة النبطية :
اللهجة النبطية لا هي بالفصحي ولا ببعيده عنها فهي مشتقة منها ولكن من غير علامات الاعراب فتجد نا يجب أن ينصب يجوم وما يجب أن يجزم يرفع ويضاف التنوين اذا كان في الشعر حسب حاجة القافية وتدعم بعض الكلمات وتنطلق بعض الحروف بنغمة جديدة كما اضافت كلمات جديدة من لغات أخرى .
هذه نبذه موجزه جداًعن أحوال نجد في القرون الخمسة الاولى نت الهجرة مما يخص موضوعنا وهو الكلام والشعر النبطى ونشأته .
يقول صاحب كتاب معجم البلدان (خرجت بنو خنيفة بن لجيم يتبعون الريف ويرتادون الماء والكلاء حتى قاربوا اليمامة وخرج عبيد ابن ثعلبه الحنفي منتجعا باهبه وماله ونزل موضعا يقال له قارات لجبل وهو من حجز على بعد يوم وليله فخرج راعي عبيد حتى اتى حجر فرأى قصور ونخيل وارض فعرف أن لها شأن فرجع الراعي الي عبيد فقال له أني رأيت اطاما طوالا واشجارا حسانا هذا حملها) وكان حمل هذا الشجار هو التمر فلما تذوقها عبيد اعجبته طعمتها فذهب الي هذا المكان وخط برمحه وهو على فرسه خط حجر به على تلاتين قصرا بحدايقها وسكن فيها هو واولاده وسميت بعد ذلك حجرا وهي الان مدينة الرياض .
ولا ننسى ذكر أول مملكة أقيمت في هذه المنطقة والتي اقامها ملوك كندة اللذين كان اخرهم الملك الضليل امرئ القيس بن حجر.
كما عاصر حنيفة أشهر بطون تميم في شمال اليمامة في سدير والوشم والزلفي وما حول هذه المناطق وكذلك العرمه والدهناء والصمان والحفر وما يليها من الشرق ومن الشمال الشرقي كلها تميم فهي قبيلة كبيرة وعمود من أعمدة العرب ، وجاور حنيفة من الجنوب قبائل عامرية منها جعدة وقشير وكعب وعقيل وباهبه القيسيه وكل هذه القبائل قبائل عدنانية .
ايضا شمال وشرق هذه المناطق المذكورة كانت بكر وتغلب واسد وغطفان وقبائل قيس كلها تستوطن في هذه المناطق التي تشكل جغرافيتها الان منطقة نجد وما يحاذيها من الشرق والشمال فكيف لاتكون نجد حصن وقلعة لأصالة ونقاء اللغة العربية وصفاء الدم والرق العربيين .
روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( أن القرآن انزل على سبعة احرف كلها كاف شاف ) وقد فسر العلماء سبعة أحرف اي سبع لهجات وهي اللهجة العربية المعروفة انذاك لهجة قريش وهذيل وتميم والازد وربيعه وهوزان وسعد بن بكر أى أن خمس من هذه القبائل التي نزل القرآن الكريم بلهجتها كانت تسكن نجد ا غير قريش التى تسكن الحجاز والازد النين يسكنون اليمن (جنوب الجزيرة) .
قال ابو نصر الفارابي المتوفي سنة 350 ه في أول كتابه الالفاظ والحروف (اللذين نقلت عنهم اللغة العربية وبهم اقتدي وعنهم أخذ اللسان العربي من قبائل العرب هم تميم وقيس واسد فإن هؤلاء هم اللذين أخذ عنهم أكثر ما أخذ في اللغة أو معظمه وعليهم أتكل في الغريب وفي الاعراب وفي التصريف ثم أخذ عن هذيل وعن بعض كنانه ولم يؤخذ عن حضري قط ولا عرب اطراف الجزيرة).
وقال ابو عمرو ابن العلاء ( افصح العرب علياء هوازن وسفلى تميم ) وهذا يبين مدى اهتمام الرعيل الاول من اللغويين والرواة الذين سجلو أخبار وأشعار العرب ووضعو منها قواعد اللغة العربية بقبائل هذه المنطقة وأخذ اللغة الصحيحة منها، فاللهجة النبطية كانت موجودة عند العجم ممن يأتون الى ديار العرب كما هو حال العجم اللذين يأتون اينا اليوم للعمل ممن يحادثونا على وزن ( انتا يجي انتا يروح انت فيه كويس ...) وهلم جرا ،ربما لو أستمر هؤلاء في القدوم إلينا لرأيت أجيالنا القادمة وهي تسمي لهجتنا الحالية لهجة فصحى منقرضة وهذا ماحدث سابقاً عندما دخل على بلادنا غير العرب وعندما حكمو البلاد ايضاً كما حدث ايام العباسيين عندما حكم العجم والترك باسم الخلافاء وكانو هم من دقوا مسامير النعش واعلنوا وفاة اللغة العربية الفصحى وادابها كلغة محادثة بيننا وكان أخر معاقلها منطقة نجد وهي الحصن الأبي لكل ما هو عربي أصيل . والمهم من كل ذلك ، يجب أن نفتخر بتراثنا ولهجتنا الحالية ونحافظ عليها فهي تراثنا الخاص المميز اقم طواريق الشعر هي الهلالية وهو على وزن بحر الكامل ، ثم تلا هذا الطاروق الصخري ( منذ ثلاثمائة سنة تقريباً ) وأن لم يكن في شهرة الطاروق الهلالي العريق وبعد ذلك ظهرت الفنون المختلفة التي رتبها ونظمها ووضع لها قواعد واضحة ومسماء بن لعبون والهزاني وغيرهم من اعلام الشعر النبطي .
الشعر النبطي
بحث في الشعر النبطي
لسائل أن يسأل هل الشعر النبطي حقيق بالدراسة والبحث ؟
والإجابة أنه أكثر من حقق بهذا المر بل في نظري أننا بحاجة إلي دراسة حتى الادب الأسطوري منه لا لنروج له – كما يظن البعض – وإنما لنقف على فكر إنسان ذلك العصر الذي عني به المستشرقون وأخذو بعض الكنوز المعرفية منه .
فهو موروث ثقافي لا ننظر له من منظور علمي ولكنه ولا شك لا يقل أهمية عن إبريق النحاس وجرة الفخار الأثرية التي أصبحت لا تقدر بتمن.
وقد عنيت شعوب الأرض بالأدب الشعبسي وتبدو ملامح الاعتراف به جلبه من استخدام كلمة أدب في وصفها له وهو أعتراف ضمني بالقيمة والدلالة وهو مصطلح له نظير محدد في الأداب الغربية فهناك ما يعرف بـ (فلكلور) (FOLKLORE )تعني التراث الشعبي عموماً وأخص منها (FLOKLORE ) تعني الغناء الشعبي فقد أجتمعت المعاجم العالمية على أن الأدب الشعبي جرء من ( الفلكلور ) الذي يشمل عادات الشعب وتراثه .
ومما يحفزنا لدراسه الشعر النبطي أمور منها :
1 - كونه شعر يكشف أغوار النفس البشرية ما يتعلج بها وما يحدثه للسامع فهو شعر يقول «آزاربوند»» ما أحدث فيك قشعريرة تحرك وجدانك فهو شعر «اذا الشعر لم يهززك عند سماعه فليس حريا ان تقول له شعر .
2 - جهل كثير من الناس لهذا النوع من الأدب حتى في أوساط الشعراء .
3 - معرفة أحوال اجتماعية وسياسية لأهل حقبة من الزمن لم يكن بها ما يحفظ أحداثها وتطوراتها سوى هذا الشعر فيعرف من خلاله حال الناس في كل عصر وما كان سائد فيه إذ هو لا يختلف عن الشعر الفصيح الذي قال عنه : أحمد حسن الزيات « كان الشعر في العهد الجاهلي لسان دفاع وحامي ذمار ومسجل محامد ، وفي الدولة العباسية نديم خليفة وسمير أمير وأليف كأس وصريع غانية «.
4 - حفظ بحور هذا الشعر وقوافيه لئلا يخرج إلينا كلاماًيسمى شعراً يظلم به وهو منه براء .
5 - الاستفادة من كثرة أوزانه التي لاحصر لها فقد وافقت أوزان النبطي جميع أوزان الفصيح وجاوزتها فهو لا يبعد عن شعر الزجل الذي قيل عنه «أ،من لا يعرف سوى الف وزن فليس بزجال « فقد يستفيد الدراس لاوزان الشعر النبطي ممن أوتي ملكة ولسانا فصيحا بأن ينظم على بعض هذه الأوزان شعراً فصيحا فيضيف بذلك ابحراً جديدة على أبحرة الستة عشر كما في بحر المسحوب .
الشعر النبطي ، الشعر الشعبي ، الشعر العامي
الشعر / يقال سمى بهذا الاسم نسبة للانباط – قوم كانوا في العراق يخرجون الماء من الارض – كانت لهم اهازيج يرددونها هي بداية النبطي ؟ وقيل سمي بهذا الاسم (النبطي) نسبة للانباط الذين انشأوا مملكة لهم جنوب الاردن تمتد الى شبه جزيرة سيناء وكانوا يتفاهمون باللغة العربية لكن لانه لم يكن لهم حروف يكتبون بها أذوا صورة الكتابة الآرامية من جيرانهم – في الشمال – فلما ظهر الشعر النبطي سمي بهذا الاسم لانه نظم باللغة المحكية التي تشتمل على خليط من الألفاظ أشبه بهؤلاء القوم الذين يتكلمون ويكتبون بالآرامية .
وقيل سمي نبطي نسبة الى أول من قاله هم عرب يسكنون واديا يقع بناحية المدينة المنورة اسمه (انباط) أو (نبط) ، وهناك احتمال أن يكون سمي نبطي من كلمة أنبط وهي السواد في الفرس البيضاء تقول اعرب انبط وهناك تل في شمال المملكة العربية السعودية يسمى (أنبط) لاشتمال سفوحه وقمته على ارض صخرية ونفود .
وقيل ولعله الصحيح ان النبط يسمى بهذا الاسم لانه استنبط بمعنى استحدث وبالقاموس «استنبط الشئ « أي استحدثه او استمده من مصدر موجود ومصدرها ( نبط ) التي تعني نبط الماء بمعنى الماء ولعله سمي بهذا الاسم لاستنباطه من الشعر الفصيح .
الشعر الشعبي / نسبة إلى الشعب وهو الشعر الشعبي الطبقة الاولى من الطبقات الست التي عليها العرب وهي الشعب ، القبيلة ، العمارة ، البطن ، الفخذ ، الفصيلة ، فالشعب : هو ما يجمع القبائل وسميت الشعوب شعبا لان القبائل تتشعب منها وفي عرفنا الحاضر السعودية شعب ومصر شعب والكويت شعب فيتضح مما سبق ان كلمة « شعر شعبي « لا تطابق « شعر نبطي « فالنبطي أعم من الشعبي اذ لكل شعب ما يختص به من الشعر الشعبي ويضع له تسمية خاصة « كالحميني باليمن والزجل في بلاد الشام والملحون في بلاد المغرب العربي « وان كان جميعه لا يخرج عن اطار الشعر النبطي المتداول على ألسنة العامة من الناس بموسيقى معينة .
الشعر العامي / لانه ينظم بلغة العامة – ويقصد به هنا ضد العربية – وهذه التسمية يحرص خصوم هذا الشعر على تسميته بها لوصم قائله بالأمية وقلة العلم ، بينما فيه من الشعراء من يكتظ علما وادبا وثقافة اكثر من بعض شعراء الفصحى وان كان أكثر من يستخدم هذه المصطلحات لا يفطن لمعانيها .
هذا النوع من الشعر عرف قبل حوالي (800) عام في اعقاب الوقت الذي اخذت فيه اللغة العربية تفقد قواعدها واخذ الضعف يعتريها من كل جانب نتيجة اختلاط العرب بالاقوام الاخرى فقد اثبته بن خلدون في مقدمته وهو المتوفي سنة 808هـ . وان كنا نجد جذور الشعر النبطي موجودة – قبل ذلك – منذ صدر الغسلام . ومن الشواهد على هذا . بيت للشاعر المشهور اعشى همدان .
من دعا لي غزيلي
اربح الله تجارته
ومن الشواهد
أحبه حب البخيل ماله
اذاقه فقرا ثم ناله
اذا اراد كرما بدا له
ومنها حداء امراة على ولدها
يا حبذا ريح الولد
ريح الخزامى في البلد
اهكذا كل ولد
ام لم يلد غيري احد
وهذا بيت لابن المجاور عاش بين عام 700 – 800 ه ويقول :
فمنهمن من تسوى ثمانين بكرة
ومنهن من تسوى عقال بعير
فكلمة تسوى عامية يقصد بها تساوي أو تتجاوز مقاماً
وصدق الرافعي اذ يقول «إن العامية عادت لغة في اللحن بعد أن كانت لحنا في اللغة» أ.هـ
بقي الشعر العربي على اصالته لم تؤثر به هذه الهنات التي جاء بها المولدون وأخذت تكثر في الشعر العربي السقطات عزز ذلك هجرة بني هلال –قبيلة عربية موله بالشعر –يناهز عددها الـ 50 ألف نسمة هاجرت من الجزيرة العربية للمغرب العربي في حوالي القرن الخامس الهجري تسببت هجرتهم هذه وبطء تنقلهم بتأثير لغتهم ببعض الأمصار التي مروا بها وأخذوا ينظمون هذا الشعر وساعد في انتشار هأخذ بعض القبائل التي مروا بها لهذا النوع للرد على شعراء بني هلال ومجاراتهم فانتشر فيما بينهم .
ومما يؤيد الرأى قرب شعر هذه القبيلة من الشعر العربي الفصيح من حيث البحر الهلالي الذي يشبه بحر الطويل ومن حيث القافية فلا بد في الشعر النبطي في بقية بحوره من قافية في صدر البيت وعجزه بينما الهلالي يكتفي بقافية العجز فلا يجوز فيه نظم القصيدة على قافيتين :
مثال البحر الهلالي حيث لا يجوز نظمه بقافيتين قصيدة للشاعر راشد الخلاوى من شعراء القرن الحادي عشر .
واصبر على خبث الليالي وطيبها
فلا عاد صبار واياديه خايبه
فما انقادت الآمال إلا لصابر
ويكفيك قول الله في حق صاحبه
وإن كان يشابهه بحر الصخري من حيث الاكتفاء بقافية واحدة ألا أنه يجوز أن ينظم الصخري على قافيتين :
مثال للبحر الصخري على قافية قصيدة سليمان بن شريم:
ترى جرح الهوى ماهو بياوى
ولا يبريه بالطلب المداوى
يكفيك الخبر مجنون ليلي
على ما جاه من كثر البلاوى
مثال للبحر الصخري على قافيتين قصيدة للشاعر محمد بن لعبون:
سقى غيث الحيا مزن تهاما
على قبر بتلعات الحجازي
يعط أبها البختري والخزاما
وترتع فيه طفلات الجوازى
وبلغ أوج انتشاره في اعقاب ما حل بالجزيرة العربية من العصبيات العرقية والمنافسات القبلية بعد أن تمزقت الدولة الاسلامية وانفرط عقد نظامها وتحولت إلي إمارات ومشيخات متفرقة هنا وهناك ، فأصبح لكا قبيلة شعراؤها ورواتها يتغنون بأمجاد فانتشر هذا الشعر في مختلف المدن والقري ونال اصحابه خطوة عند الامراء والرؤساء في ظروف أشبهت ظروف الشعر الجاهلي .
نعود للشعر والامثله عليه وما قيل عنه وكيف صوره ، يقول نزار قباني «الشعر برقيه عنيفة وحارقة يرسلها الشاعر إلى العالم «فالأرض ظمأى إلى الغناء ، والغناء هو انشاد الشعر في أجمل تجلياته وتنفسه وتعبيره ليخرج من القلب والروح الي قلب وروح الاخر المتلقي وعلى ايقاع الموسيقى والتأثير الصوتي الشجي اللذيذ المطرب الذي يثير ما في الصدر والروح من شجن ومكنو ناتتر اتيلية سحرية تحمل كل ما في النفس من تراتيم الأحاسيس والمشاعر وكواظم التعبير وذبذبات القلب .
ففي الشعر كانت ولادة الغناء والنشيد الاول في التسبيحات والادعية الموجهة في طقوس الانسان الاولى مع بدء الصياغة العفوية لتراتيله المقدسة.
لذا فالشعر بديهة الطبع الانساني والتعبير العفوي عما في داخله من احساسيس وهواجس ، واحلام وتمنيات وقلق وخوف وفرح وحزن وتطلعات واحلام وحتى شهوات ورغبات مكبوته . فمنذ هذا البدء أصبح للشعر مضمون انساني مرتبط بالسمو والارتقاء الى المقدس الاعلى من خلال توجهه نحو البوح السماوي .