الثقافة كمقابل لـ Culture هي ما يميز مجتمع ما عن غيره من عادات و أخلاق و معتقدات، و إن كان هذا يختلف عن التعريف الشائع لها بأنها الرقي العلمي و الفكري للإنسان، لكن قلة هم من يمثل لهم هذا التعريف مفهوم، فـ نجد بالوقت الذي يساعد الأنترنت على سهولة الوصول لمختلف المعلومات تنمو فقط الثقافة الأدبية، جاعلة بهذا مفهوم الثقافة يتمحور حول الأدب و الفن بلا وجود كثير من فكر حقيقي أصيل، تلك الثقافة القاصرة هي بالتأكيد أحد عوامل قلة البحث العلمي و الفلسفي بالمجتمعات العربية، فـ هي ثقافة رفاهية أكثر من كونها إدراك للذات و للآخرين و للوجود ككل. في الحقيقة شخصياً أعتبر مرونة المعتقدات أحد الخصال المكتسبة بشكل لاإرادي للمثقف، في حين أن العقل العربي جامد لإفتقاره للفكر حتى إن كان مثقف أدبياً، و مرونة المعتقدات هنا لا أعني به التخلي عنها و هو ما يخطيء به الكثير، بل مرونتها لـ تصبح بهذا قادرة على البقاء و التشكل تبعاً للتطورات الفكرية أو المجتمعية مع الحفاظ على جوهرها ثابتاً، فـ القول بأن الإنسان ناتج عن عملية تطور بيولوجي أو الإنفجار العظيم هو مصدر الكون ليس إنكاراً أو تخلي عن معتقد خلق الله للإنسان والكون، بل يبقى الله هو خالق ظروف هذا التطور البيولوجي و خالق الإنفجار العظيم، هذا هو التشكل مع الحفاظ على الجوهر الذي أعنيه، فـ جمود الأفكار لا يؤدي بالنهاية إلا للتخلي عنها لعدم قدرتها على موافقة الواقع.أقول أن مرونة المعتقدات ليس التخلي عنها، فـ إن كانت مرونة المعتقدات تدل على الثقافة فـ التخلي عنها لإدعاء الثقافة هو الجهل بعينه، فـ لم يكن الشذوذ يوماً يعني الثقافة ولا إتساع الإدراك، أخص هنا بالذكر تجربتين فشلتا في سعيهما للمرونة أو الثقافة الحقيقية، أولهم الليبرالية العربية، و لكي لا أعمم أشدد هنا على كلمة معظم، فـ معظم الفكر الليبرالي العربي لا ينصب على الفكر الليبرالية ذاته بقدر إنصبابه على إنكار المعتقدات الشعبية و الدينية، بأسلوب خالف تُعرف هو معظم هذا الفكر الليبرالي، و إن كانت الليبرالية فكر يلزم إحترامه فـ الليبرالية العربية كاد أن يكون شغلها الشاغل إنكار المعتقدات الدينية و الله خصوصاً. أما التجربة الثانية فـ هي تجربة مجلة جسد حديثة النشأة، “مجلة ثقافية فصلية متخصصة في آداب الجسد و علومه و فنونه” هو ما صاحب عنونها، لا أنكر أن للجسد فنون برع فيها عدة مجتمعات في التاريخ البشري لذا قبل الإطلاع عليها إستبشرت خيراً، لكن عددها الأول لا يبشر بأي خير، فـ بخلاف الحكايا الجنسية و محاولة تطبيعية للقذارة و أخرى للكانيبالية لا فن أو أدب أو ثقافة، بلا إشارة للأخطاء الفلسفة في المحاولة الأولى و الطبيعية في المحاولة الثانية أقول أن الثقافة لم تكن يوماً مرادفة للشذوذ، و إن كان الشذوذ أسرع الوسائل لجذب إهتمام ضخم لفترة زمنية قصيرة. ينقلنا هذا للنقطة الأخيرة و هي الفكر و المعايير الأخلاقية فـ نجد أن كثير من المثقفين لهم فكر هم أنفسهم غير مستعدين لتطبيقه، فـ نجد كثير من دعاة الحرية الغير مستعدين للتطبيق الحقيقي لتلك الحرية بفكرهم على أسرهم أو مجتمعهم نظراً لأن القناة بين الفكر و المعايير الأخلاقية قناة مغلقة دائماً فـ تبقى المعايير الأخلاقية مكتسبة من المجتمع و عاداته على عكس الفكر، فـ تلك الإزدواجية بين واقع المثقف العربي و فكره هي واحدة من العيوب المنتشرة بثقافتنا العربية بالإضافة لما سبق ذكره .