ان قصص الآباء الذين فقدوا ابناءهم فقد حياة او فقد موت كثيرة في ادبنا العربي وغيره وهي مليئة جدا بالمواعظ ةالعبر والمشاهد المؤلمة التي تنفطر لها القلوب وتنصدع لها الافئدة وتكتظ لها النفوس حرضا وحزنا حتى تبيّض لها العيون او تعمى او توشك على العمى.
حزن نبي الله يعقوب على تبنه النبي يوسف عليهما السلام
وفي قصة نبي الله يعقوب مع ابنه النبي يوسف عليهم السلام ابلغ العظة واشد الاستشهاد حزنا ويتكرس ذلك عند الجلة الشهيرة التي تصد قلب الحجر «وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم» وابيضت عيناه من الحزن قيل لم يبصر بهما ست سنين ، وأنه عمي قاله مقاتل وقيل قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية ، والله أعلم بحال يعقوب ; وإنما ابيضت عيناه من البكاء ، ولكن سبب البكاء الحزن ، فلهذا قال من الحزن . ومما يروى ويستأنس به قيل إن يعقوب كان يصلي ، ويوسف نائما معترضا بين يديه ، فغط في نومه ، فالتفت يعقوب إليه ، ثم غط ثانية فالتفت إليه ، ثم غط ثالثة فالتفت إليه سرورا به وبغطيطه ; فأوحى الله تعالى إلى ملائكته : « انظروا إلى صفيي وابن خليلي قائما في مناجاتي يلتفت إلى غيري ، وعزتي وجلالي لأنزعن الحدقتين اللتين التفت بهما ، ولأفرقن بينه وبين من التفت إليه ثمانين سنة ، ليعلم العاملون أن من قام بين يدي يجب عليه مراقبة نظري « .
ويروى أنه دخل على يعقوب جار له وقال : يا يعقوب مالي أراك قد تهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك قال : هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من هم يوسف فأوحى الله إليه : يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي فقال : يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي، فقال : قد غفرتها لك ، فكان بعد ذلك إذا سئل قال : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله .
وروي أنه قيل له : يا يعقوب ما الذي أذهب بصرك وقوس ظهرك قال : أذهب بصري بكائي على يوسف وقوس ظهري حزني على أخيه . فأوحى الله إليه : أتشكوني فوعزتي وجلالي لا أكشف ما بك حتى تدعوني .
فعند ذلك قالإنما أشكو بثي وحزني إلى الله ، فأوحى الله إليه : وعزتي وجلالي لو كانا ميتين لأخرجتهما لك ، وإنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه منها شيئا ، وإن أحب خلقي إلي الأنبياء ، ثم المساكين ، فاصنع طعاما وادع إليه المساكين .
فصنع طعاما ثم قال من كان صائما فليفطر الليلة عند آل يعقوب ، وروي : أن سبب ابتلاء يعقوب أنه ذبح عجلا بين يدي أمه وهي تخور . وقال وهب ، والسدي وغيرهما : أتى جبريل يوسف عليه السلام في السجن فقال : هل تعرفني أيها الصديق ، قال : أرى صورة طاهرة وريحا طيبة .
قال : إني رسول رب العالمين وأنا الروح الأمين .
قال : فما أدخلك مدخل المذنبين وأنت أطيب الطيبين ورأس المقربين [ وأمين رب العالمين ؟
قال : ألم تعلم يا يوسف أن الله تعالى يطهر البيوت بطهر النبيين ، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأرضين ، وأن الله تعالى قد طهر بك السجن وما حوله ، يا طهر الطاهرين وابن الصالحين المخلصين .
قال : وكيف لي باسم الصديقين ، وتعدني من المخلصين الطاهرين ، وقد أدخلت مدخل المذنبين وسميت باسم الفاسقين ، قال جبريل : لأنه لم يفتن قلبك ولم تطع سيدتك في معصية ربك لذلك سماك الله في الصديقين ، وعدك من المخلصين ، وألحقك بآبائك الصالحين .
قال يوسف : هل لك علم بيعقوب أيها الروح الأمين ؟
قال : نعم ، وهبه الله الصبر الجميل وابتلاه بالحزن عليك فهو كظيم .
قال : فكم قدر حزنه ؟
قال : حزن سبعين ثكلى .
قال : فما زاد له من الأجر يا جبريل ؟
قال : أجر مائة شهيد .
قال : أفتراني لاقيه ؟
قال : نعم ، فطابت نفس يوسف وقال : ما أبالي بما لقيت إن رأيته .
امية بن اسكر ماذا قال للفاروق وكيف أبكاه ابنه
وكيف جمعهما عمر بعد الفراق
ذكر أن أميه ابن اسكر الكنانى عنده ولد اسمه كلاب (كان شابا صالحا حريصا)
يوم من الأيام كان كلاب يمشى في طرقات المدينة فلقي طلحه ابن عبيد الله والزبير بن العوام فسألهما / عن اى الأعمال أفضل في الإسلام قالا: الجهاد في سبيل الله فذهب إلى عمر بن الخطاب
فقال: ارسلنى إلى الثغور ، والثغور هي مراكز تجعل حول بلاد الإسلام يرابط بها المجاهدون لأجل أن يردوا الأعداء لو هجموا على بلاد المسلمين ، فقال عمر بن الخطاب: أعندك والدان؟
قال: نعم
قال:اذهب واستأذنهما فذهب إلى أمه وأبيه فجعل يبكى ويقبل رأس أبيه فأذن له على مضض
واقبل إلى عمر بن الخطاب
فقال له: إن أبواه قد أذنا له .. فأرسله عمر إلى الثغور
فمرت الأيام واشتد شوق الوالد إلى ولده فقد كان يساعده في وضوئه يقرب إليه طعامه يمشى معه في حاجاته يؤانسه في مجلسه فصار البكاء رفيقه في ليله ونهاره ، فجلس أميه بن اسكر تحت شجرة فرأى حمامة تأتى إلى أفراخها وتطعمهم فجعل ينظر إليهم ثم قال:
لمن شيخان قد نشدا كلابا
كتاب الله لو عقلا الكتابا
تركت أباك مرعشة يداه
وأمك لاتسيغ لها شرابا
طويلا شوقه يبكيك فردا
على حزن ولا يرجوا الإياب
إذا هتفت حمامه بطن وج
على بيضاتها ذكرا كلابا
فانك ولتمس الأجر بعدى
كباغ الماء يتبع السرابا
ثم اشتد حزنه على ولده حتى أصابه ما أصاب يعقوب عليه السلام - ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم - فعمى فلما عمى اشتد عليه البلاء وصار يتذكر ولده ويراه بين يديه في كل حين فاخذ من شدة مافى قلبه يريد أن يدعوا على ولده لكن نفسه لم تطاوعه فاخذ يدعوا على عمر بن الخطاب ويقول في شعره
أعاذل قد عدلت بغير علم
وما تدرين عادل ما ألاقى
فلا والله مااضناك وجدي
ولا شفقي عليه ولا اشتياقي
فلو فلق الفؤاد شديد وجد
لهم سواد قلبي بانطلاق
ثم قال :
سأستعدى على الفاروق ربا
له دفع الحجيج إلى بساق
وادعوا الله مجتهدا عليه
ببطن الاخشبين إلى زقاق
إذا الفاروق لم يردد كلابا
على شيخين هامهما بواق
فاقبل يوم من الأيام احد من أصحابه فقال ياأبا كلاب تذهب معي في حاجة؟
قال: إلى أين ؟
قال:اذهب معي فأخذه بيده وهو الأعمى يسوقه حتى ذهب إلى المسجد واقبل إلى حلقه عمر بن الخطاب وأجلسه فيها والشيخ لايدرى انه في مجلس عمر بن الخطاب ثم قال له صاحبه يا أبا كلاب...
قال:نعـم
قال: أنشدنا من أشعارك ولشدة تعلقه بولده أول ماتبادر إلى ذهنه الأشعار التي في ولده فقال:
سأستعدى على الفاروق ربا
له دفع الحجيج إلى بساق
وادعوا الله مجتهدا عليه
ببطن الاخشبين إلى زقاق
إن الفاروق لم يردد كلابا
على شيخين هامهما بواق
فقال: عمر من هذا ؟
قال: هذا أمية
قال: ما خبره؟
قال: أرسلت ولده إلى الثغور
قال: الم يأذن؟
قال: أذن على مضض فقام عمر بن الخطاب إلى ديوانه فأرسل مباشرة إلى الثغور - أن ابعثوا إلى كلاب ابن أمية ابن اسكر الكنانى على دواب البريد - ودواب البريد أن الخيل التي تقطع مسافة أسبوع تقطعها هذه الدواب في يوم أو نصف يوم - حتى دخل كلاب على عمر بن الخطاب فقال: نعم يا أمير المؤمنين
قال: اجلس يا كلاب فجلس
قال عمر :مابلغك برك بابيك؟
قال: والله ما اعلم شئ يحبه أبى إلا فعلته قبل أن يطلبه منى ولا اعلم شئ يبغضه أبى إلا تركته قبل أن ينهاني عنه
قال: زدني
قال : ياأمير المؤمنين والله انى لا الوه جهد - أي لااقصر معه في بر أو إحسان -
قال : زدني
قال: انى إذا أردت أن احلب له من الناقة آتى بالليل إلى أغزر ناقة في الإبل ثم أنيخها وأعقلها حتى لا تتحرك طوال الليل ثم استيقظ قبيل الفجر واتى إليها فابعثها ثم امضي إلى البئر فاستخرج منه الماء البارد واتى الناقة واغسل ضرعها في الماء حتى يبرد اللبن ثم احلبه وأعطيه أبى ليشرب !
قال عمر : عجبا كل هذا لأجل شربة لبن
قال: وما سواه أعظم يا أمير المؤمنين
قال : افعل كما كنت تفعل
قال كلاب : اذهب إلى اهلى يا أمير المؤمنين
قال: بل افعل ما كنت تفعل بالناقة لابيك فمضى إلى الناقة فحلب اللبن ففعل معه كما يفعل مع أبيه فأعطاه إلى عمر بن الخطاب وقال عمر : خذوا كلاب فادخلوه في غرفه وأغلقوا عليه الباب ، فأرسل عمر إلى الشيخ فأقبل الشيخ يجر خطاه وقد عظم همه واشتد بكاؤه وطال شوقه حتى وقف أمام أمير المؤمنين
فقال عمر : مابقى من لذاتك في الدنيا ؟
قال: مابقى لي لذة !
قال فما تشتهى ؟
قال اشتهى المـوت !
قال أقسمت عليك أن تخبرني بأعظم لذة تتمناها في الدنيا ؟
قال لاتقسم
قال أقسمت عليك اخبرني ؟
قال أتمنى لو أن ولدى كلاب بين يدي أضمه ضمه واشمه شمه قبل أن أموت ..
قال سيسرك الله بولدك خذ هذا اللبن تتقوى به قال لاحاجة لي به ..
قال أقسمت عليك أن تشرب فاخذ اللبن فلما قربه أميه إلى فيه بكى وبكى !
فقال والله انى لأشم في هذا اللبن رائحة يدي ولدي كلاب فبكى عمر وجعل ينتفض من مكانه ، ثم قال افتحوا الباب لكلاب والأب لايدرى أهو سمع اسم كلاب أو لم يسمعه وبدا يتلفت يمينا ويسارا حتى اقبل الولد إلى أبيه فضمه أبوه إليه حتى كأنهما قد خلطا في جسد واحد لو أحضرت قوة الدنيا ما استطعت إلا أن يتقطعا وجعل الأب يضم ولده تارة ويشمه تارة ويقبله تارة ، وعمر يبكي وقال يا كلاب إن كنت تريد الجنة فتحت قدمي هذا وتحت قدمي العجوز.
البيت الذي شفع لقائله
يقال ان ابي الحسن لما توفي رآه أحد الناس في المنام فقال له ياأمام ماذا فعل بك الله سبحانه وتعالى قال ابي الحسن غفر لي بقولي في قصيدتي جاورت أعدآئي وجاور ربه شتآن بين جواره وجواري
فمن هو الحسن التهامي وماقصة هذا البيت ؟؟
هو التهامي « أبو الحسن علي بن محمد « (416) الشاعر المشهور,كان مشتهر الإحسان ذرب اللسان مخلي بينه وبين ضروب البيان يدل شعره على فوز القدح دلالة برد النسيم على الصبح وهو من الشعراء المحسنين المجيدين، أصحاب الغوص.
مولده ومنشؤه باليمن، وطرأ على الشام وسافر منها، إلى العراق والى الجبل، ولقي الصاحب بن عبَّاد، وقرأ عليه، وانتحل مذهب الاعتزال، وأقام ببغداد، وروى بها شعره، ثمَّ عاد إلى الشام، وتنقَّل في بلادها، وتقلَّد الخطابة بالرّملة، وتزوَّج بها. وكانت نفسه تحدّثه بمعالي الأمور، وكان يكتم نَسَبَه، فيقول تارةً إنَّه من الطالبيِّين، وتارةً من بني أميَّة، ولا يتظاهر بشيءٍ من الأَمرين. وكان متورِّعاً، صَلِفَ النفس، متقشِّفاً، يطلب الشيء من وجهه، ولا يريده إلاَّ من حِلِّه. نسخ شعر البحتري، فلما بلغ أبياتاً فيها هجوٌ امتنع من كتبها، وقال: لا أُسطِّر بخطِّي مثالبَ الناس. وكان قد وصل إلى الديار المصرية مستخفياً، ومعه كتبٌ كثيرة من حسَّان بن مفرّج بن دغفل البدوي، وهو متوجِّه إلى بني قُرَّة، فظفروا به، فقال: أنا من تميم؛ فلمَّا انكشف حاله عُلم أنه التهامي الشاعر، فاعتُقل بخزانة البنود بالقاهرة لأربع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربع مائة. ثمَّ إنَّه قُتل سرًّا في سجنه، تاسع جمادى الأولى من السنة المذكورة. وكان أصفر اللون. ورُئيَ بعد موته في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قيل له: بأيِّ الأَعمال؟ قال: بقولي في مرثية ولدٍ لي صغير، وهو: جاورتُ أعدائي وجاور ربَّهُ ... شتَّانَ بين جوارِهِ وجواري وهذه القصيدة قالها في رثاء ابنه وقد عُدت من عيون قصائد الرثاء والحكمه.
ولقد رثا التهامي ابنا له بمرثية هي من عيون القصائد العربية التي فازت بالسبق واحرزت قصبه ونالت استحسان الاكثرين ولا يقرأها مصدوع الفؤاد محزون القلب الا احسها مكتوبة لهدون العالمين فقد احسن فيها واجاد التهامي وصف الحزن حيث ارتفعت نبرة الأسى فيها الى ان البكاء هو الموسيقى الخلفية لكل من يقرأها ويعيش اجواءها حيث يقول :
حـكـمُ المنـيَّـةِ فـي الـبـريَّـةِ جار
مـــا هـــذه الـدُّنـيــا بـدار قــرارِ
بيـنـا يُــرى الإنـسـانُ فيـهـا مُخـبـراً
حـتَّـى يُــرى خـبـراً مــن الأَخـبــارِ
طُبِعَـتْ علـى كَــدَرٍ وأنــت تريـدهـا
صـفــواً مـــن الأقـــذاءِ والأكـــدارِ
ومـكـلِّـفُ الأيَّـــامِ ضــــدَّ طـبـاعـهـا
متطـلِّـبٌ فــي الـمــاءِ جَـــذوةَ نـــارِ
وإذا رجـــوتَ المسـتـحـيـلَ فـإنَّـمــا
تبـنـي الـرجـاءَ عـلـى شفـيـرٍ هـــارِ
فالـعـيـشُ نــــومٌ والـمـنـيَّـةُ يـقـظــةٌ
والــمــرءُ بيـنـهـمـا خــيــالٌ ســــارِ
وبعد أن وعظ نفسه بنفسه وشدد عليها بحقيقة الدنيا عاد منهارا يجتاحه الحزن كالمفؤود الفاقد الدواء حيث يقول في انفلات ابنه منه :
إنِّــي وُتِــرْتُ بـصـارمٍ ذي رَوْنَـــقٍ
أعـــددتُـــه لــطــلابــةِ الأوتـــــــارِ
واسـتُــلَّ مــــن لأقــرانِــهِ ولــداتِــهِ
كالمُـقـلَـةِ اسـتُـلَّـتْ مـــن الأشــفــارِ
يـا كوكبـاً مــا كــانَ أقـصـرَ عـمـرَهُ
وكــذا تـكــون كـواكــبُ الأسـحــارِ
ويعود يعزي نفسه ويصبرها ويحاول التخلص ولو اما الناس من وتيرة الحزن التي تتسارع وتأخذ منه كل مأخذ:
أشكـو بعـادك لـي وأنــت بمـوضـعٍ
لـولا الـرَّدى لسمعـتَ فيـه سِـراري
ما الشـرقُ نحـو الغـرب أبعـدَ شُقَّـةً
مــن بُـعـد تـلـك الخمـسـةِ الأشـبـارِ
هيهـاتَ قـد علِقتـكَ أسـبـابُ الــرَّدى
وأبـــادَ عـمــرَك قـاصــمُ الأعـمــارِ
ولقـد جـريـتَ كـمـا جـريـتُ لغـايـةٍ
فبلغتَـهـا وأبـــوكَ فـــي المِـضـمـارِ
ويخلص الى الابيات قبل الخاتمة التي قال فيها بيته الاخير والذي يقول عنه اصحابه ان بعضهم رآه في المنام وقال مافعل الله بك فقل غفر لي بالبيت الذي قلته جاورت اعدائي وجاو ربه حيث يقول التهامي:
وَلَـدُ المعـزَّى بعـضُـهُ فــإذا مـضـى
بـعـضُ الفـتـى فالـكـلُّ فــي الآثــارِ
أبـكـيـهِ ثـــمَّ أقـــولُ مـعـتــذراً لــــهُ
وُفِّــقْــتَ حــيــنَ تــركـــتَ ألأم دارِ
جــاورتُ أعـدائـي وجـــاورَ ربَّـــهُ
شـتَّــانَ بـيــن جـــوارهِ وجــــواري
ثم يختم قصيدة الرثاء التي ألهب بها قلوب الناس بأبيات هي من عيون الشعر فيقول :
ذهـبَ التكـرُّمُ والوفـاءُ مـن الــوَرَى
وتـصــرَّمــا إلاَّ مـــــن الأشــعـــارِ
وفشـتْ جنـايـات الثـقـات وغيـرهـمْ
حـتَّــى اتَّهـمـنـا رؤيـــةَ الأبــصــارِ
ولربَّـمـا اعتـضـد الحـلـيـمُ بـجـاهـلٍ
لا خـيـر فــي يُمـنـى بغـيـر يـســارِ
شـيــئــان يـنـقـشـعـان أوَّلَ وهــلـــةٍ
ظــلُّ الشـبـاب وصُحـبـةُ الأشــرارِ
لا حـبَّـذا الـشـيـبُ الـوفــيُّ وحـبَّــذا
شــرخُ الـشـبـابِ الـخـائـنِ الـغــدَّارِ
وَطَـري مـن الدُّنيـا الشبـاب ورَوقـهُ
فإذا انقضـى فقـد انقضـتْ أوطـاري
ابن الرومي وقصيدته التي فلقت قلبه على ولده
بكاؤكما يشفي و إن كان لا يجدي،
فجودا فقد أودى نظيركما عندي
بنيّ الذي أهدته كفايّ للثرى
فيا عزة المهدى،ويا حسرة المهدي
ألا قاتل الله المنايا و رميها
من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي
فلله كيف اختار واسـطة العقد
على حين شمت الخير من لمحاته
و آنست من أفعاله آية الرشــد
طواه الردى عني ، فأضحى مزاره
بعيداً على قرب،قريباً على بعد
لقد أنجزت فيه المنايا و عيدها
وأخلفت الآمال ما كان من وعد
لقد قل بين المهد و اللحد لبثه
فلم ينس عهد المهد ،إذ ضم في اللحد
ألح عليه النزف حتى أحاله
إلى صفرة الجاديّ عن حمرة الورد
و ظلّ على الأيدي تساقط نفسه
ويذوي كما يذوي القضيب من الرند
فيا لك من نفس تساقط أنفساً
تساقط در من نظام بلا عقــد
عجبت لقلبي كيف لم ينفطر له
ولو أنه أقسى من الحجر الصلـد
بودي أني كنت قد مت قبله
و أن المنايا،دونه ،صمدت صمدي
ولكن ربي شاء غير مشيئت
وللرب إمضاء المشيئة، لا العبد
عبدالناصر الأسلمي