أذكر في أحد الأيام كبار السن يمتدحون أفعال الشجعان في العراك و بنفس الوقت يلومون ما نقوم فيه في عراكنا الطفولي .. و يعتبون علينا و يعتبرون تصرفاتنا تلك انحرافاً خُلُقياً يشكل خطراً على نشأتنا حتى أنّ فعلنا قد يوجب العقوبة البدنيّة .. رغم أننا نسمع منهم التمجيد و الإبكار شعراً و نثراً لما كان في الزمن القديم من فعل هو بحقيقته بنفس مستوى الفعل الذي وبخنا عليه .. أتشعرون أننا كثيراً نقفزُ على الحقيقة ..؟! و أحيانا تكون هذه القفزات هائلة حتى أننا قد نلغي تسلسلية التقدّم الإنساني ؛ و لكم بانتقالنا من مجتمع رعوي إلى مجتمع مدني خير دليل على هذه التطاول على الحقيقة الطبيعية فكل مجتمع و كل أمّة محيطة بنا تدرجت بالشكل السليم بالانتقال من مجتمع رعوي إلى زراعي إلى صناعي وصولاً لمرحلة المجتمع المدني بشكلٍ يكفل لها الحفاظ على المستوى الذي وصلت له بينما نحن نعاني الخلل في هذا التدرج و هذا دفعنا لأن تكون نافذتنا الوحيدة للشعور بالأمان هي العودة دائماً إلى المجد العتيد القديم ..! و بالحديث عن القديم العتيد سأدفع نفسي للحديث بصراحة عن الخلل القيمي الذي نتبناه فكل ما أعرفه أن قيّم الإنسان الأخلاقية امتداد و تطوّر ، و الشعور الذي يعيشه الناس يكون على معايير تجد لها داعم في المعيار الأخلاقي لحاضر الوقت ..! فحاجة الإنسان الآنية في حاضره تدفعه لتشكيل قيمه القديمة بصورة تحفظ لها الموازنة مع مستجدات الزمن .. و هذا ما يكفل له الآمان النفسي من خلال بناء حقيقة خُلُقية آنية على حقيقة خلقية موروثة تشكل الحقيقتان امتداد متطور لا منقطع ..! و حتى نوضح هذه القضيّة نحتاج إلى التمثيل حتى تتضح المشكلة التي أفكر فيها .. فقيمة “ الفخر “ التي نمارسها كلنا تقريباً و هي قيمة نبيلة ..! أتدرون أنها في جزء كبير تقوم على معايير خُلُقيّة غير سوية و تصرفات بشرية تصنيفها “ سلبي “ في الشرائع السماويّة و الأعراف البشرية ..؟! فكيف يفخر أحدنا بامتداد تاريخي قائم على السلب و النهب ..؟! و أنا لا أعيّب أخلاقيات الزمن القديم فلكل زمن ظروفه الحياتية التي تشكل قيّمه و أخلاقه .. و تتبنى المشاعر التي تواكب تلك الأخلاقيات .. و لكنّي أستغرب الشعور الذي نتبناه الآن من خلال الفخر بقيم تنقطع عن واقعنا الذي نعيشه الآن ..! فلو قام أحدهم الآن بالغزو و قتل النفس و كسب الغنائم فهل سنعتبرها قيمة إيجابية و تنال رضا المحيط أم أنها ستعتبر قيمة سلبية و تجاوز خلقي يجب إسقاط العقوبة المناسبة على صاحبه ..؟! أتوقع أنكم جميعاً ستميلون للخيار الثاني و نصنف جميعاً هذه الأفعال بالانحرافات الخلقية الخطيرة و التي توجب العقوبة و السخط الاجتماعي ..! فنهج قصيدة الفخر - و أجبرني الاختصاص على تحديد عمومية الحديث – تؤسس لهذه المشكلة التي أتحدث لكم عنها فكيف بتمجيد أفعال لأناس ٍ أجبرتهم ظروف الوقت على تبنيها كقيمة إيجابية بينما زمن القصيدة شعورياً يخالف تلك الأخلاقيات و يعتبرها قيّم سلبية و انحرافات خطيرة ..؟! يجب أن يكون الأدب مواكب للواقع الذي نعيشه حتى نضمن الاستقرار النفسي من خلال بناء الحقيقة على الحقيقة التي تناسبها .. فليس من المعقول أن يُبْنى الفخر في هذا الزمن على تلك أفعال نتفّق جميعاً على سلبية تصنيفها فنحن مهما كنا سنشكل حلقة من سلسلة ربط لامتداد حياتي ..! فكل ما نعانيه في هذا الوقت من خلل كان بسبب الاختلال في بناء القيّمة .. فنحن كجيل لم نعش الموازنة التي تكفل لنا استقرار نفسي مع هذه الفوضى الشعورية المواكبة للقيم الأخلاقية ..!