
ارتباك إعلامي .. !!
ميخائيل شولوخوف ، صاحب « الدون الهادئ « وجائزة نوبل، في وقت متأخر من عمره :
« ليس بوسع الفنان أن يكون بارداً حينما يبدع ، ولن يكتب عملاً حقيقياً، ولن يجد أبداً السبيل إلى قلب القارئ بدم سمكة، وبقلب خامل مترهل.. إنني إلى جانب أن يغلي الدم الساخن لدى الكاتب عندما يكتب ، وأنا إلى جانب أن يشحب وجهه بالحقد الدفين على العدو حينما يكتب عنه ، وأن يضحك الكاتب ويبكي سوية مع البطل الذي يحبه، والعزيز على نفسه » .
تذكرت هذا الكلام وأنا أتابع الكثير من الكتابات المتنوعة ،والكثير من الأعمال الروائية العربية والكثير من الشعر العامي والفصيح فأجد نفسي في كل مرة أخرج بما يشبه الحسرة على إضاعة اغلب الوقت في قراءة ما لايستحق المرور عليه .
ليس في أعمارنا متسع من الوقت لنقرأ أو نشاهد كل شيء ، وشخصيا لست من النوع الذي تبهره العناوين أو حتى الضجة الإعلامية التي تثار حول عمل ما كما حدث - أتذكر - مع رواية عمارة يعقوبيان التعيسة والرخيصة أو بنات الرياض أو حتى الخيميائي للعالمي باولو التي اشعر أنها برغم عالميتها أقل رواياته.
بقاء في الذاكرة من رواياته العظيمة الأخرى .فأنا بصدق لا أريد أن أتلقى حكما نقديا يقاس من خلال الآخرين ليهاجم - مسبقا - ذائقتي ويحتل مرتبة تقدم مجانية لمجرد أن الآخرين أعجبوا بها كثيرا ، فأنا برغم آرائي المتواضعة اشعر أن كثيراً من الأعمال التي تقدم لنا الآن هي مسخ متكرر من تجارب أخرى كما يحدث للأسف في الرواية السعودية التي أربكتها .
بنات الرياض - مع استثناء بعض الأعمال الجميلة - لتكون أنموذجا أعلى ينسحب تحت ظلالها هذا التدفق الأهوج باتجاه الضوء والشهرة ، وان كانت رجاء الصانع الأكثر جرأة في تقديم عملها فإنها بالطبع ليست الأكثر قدرة على تقديم رواية تبقى طويلا في إدراج الذاكرة كما حدث معنا في بعض أعمال عبدالرحمن منيف الخالدة وروايات حنا مينة ونجيب محفوظ وجبرا إبراهيم جبرا من الجيل الذهبي ، والعديد من الأسماء الجميلة والمبدعة التي تلت ذلك الجيل .
ليس الحديث عن الرواية فقط بل يشمل كل الآداب والفنون الأخرى المعاصرة ، وكما كتبت قبل وقت هنا حول شاعر المليون هذا العمل الإعلامي «الناجح من جهة الانتشار والفاشل جدا من جهات كثيرة» وما تلاه من برامج مضحكة ومحزنة أساءت لنا وللشعر أكثر مما نستحق ، وأن أقول عن شاعر المليون انه نجح إعلاميا فهذا لا علاقة له برأيي أنا وغيري فهذا هو الواقع الذي لايقبل الجدل ، ولكن لايعني أننا لا نستطيع أن نقول انه ممتلئ بنقاط الضعف الكبيرة والواضحة وليس المقام هنا يسمح بالتحدث حولها .
أقول إن كل هذه التداعيات التي أربكت ليست الذائقة الثقافية والإعلامية لدى المبدع جعلته ينتج لنا ما أضعنا به الكثير من الوقت بحجة قراءة مالايستحق الوقوف عنده ولو قليلا ..
وكما قال بيلينسكي، الناقد الروسي الشهير: «إن الحدث يأتي من الفكرة كما النبتة من البذرة، والبذرة من التجربة، والتجربة من المعاناة» .
الشيء الذي لا أحسب أن أحدا - وان كان مر بها كما ينبغي له - فإنه لم يستثمرها كما ينبغي لنا !!
fhddohan@hotmail.com