محمد بن مسلم .. من شعراء النبط الذين عاشوا و توفوا في الإحساء قال عنه الرواة أنه توفي سنة 1280هـ لم يرو عنه الكثير لكن ما وصلنا من قليل شعره يدل على أنه شاعر متمكن يطّوع اللفظ ويسخره لخدمة الغرض الشعري .. وهو على ذلك رقيق الكلمة مرهف المشاعر عفيف الغزل.
أورد لكم القصيدة التالية وهي قصيدة قالها في محبوبته « لطّوف « أو تصغير إسم لطيفة للدلع ولا نعلم من هي لطيفة أو لطّوف أو كيف تولع بها وعشقها محمد بن مسلم الإحسائي لكن من كلمات القصيدة الدليل على أن محمّد قد تعشقها وتشرب عشقها جسده
كان محمد بن مسلم يتابع لطيفة وأخبارها ويسال أهله عن أخبارها فإذا علم أنها ستحضر عرسا ما كان من المتواجدين لعل وعسى أن يراها أو يسمع من أخبارها شيء وكان ذلك العرس في إحدى مدن الإحساء وسمع محمد بن مسلم بأن « لطّوف ستحضر العرس .. فتهندم ولبس أفضل ما عنده وراح قبيل صلاة العشاء ليبارك ويحضر للوليمة .. كانت المجتمعات آنذاك صغيرة ويعرف الناس بعضهم البعض ويشارك الجميع في الأفراح وفي الملمّات وكانوا يتفقدون بعضهم البعض إن غابوا .. حتى في صلاة الفجر فمن غاب .. يرسلون من يطرق بابه لعل به مرض منعه فيطمئنون عليه
قصة القصيدة تتلخص في التالي :
حضر محمد بن مسلم إلى مجلس الرجال حيث كان يولم للعريس .. وكان مجلس الرجال يفتح مثلا إلى جهة الشمال .. وفي جهة الشمال على بضعة أمتار كانت النساء تحيي العرس بالأهازيج والغناء والرقص وكانت النساء ( المقتدرات منهن وكذا كان حال لطيفة) إذا أردن الزينة للعرس غسلن الأجساد والشعر بالسدر وتضمخن بالزباد العماني ..والزباد العماني عبارة عن «خلطة « أو « معمول « مثلما يسمى حاليا في هيئة كريم فيه من العود المطحون والعنبر ودهن العود والورد .. يجمع ويباع في سن الفيل أو قرن الفيل ثم يختم ويباع ولا يحظى به إلا التجار والميسورين من الناس ..
عودة إلى « لطوف « .. يبدو أن لطوف كانت قد تضمخت بالزباد وكانت ذا شعر طويل ناعم «تموج به « وتلعب إذا رقصت ..أثناء العرس فاحت رائحة الزباد من موضع النساء إلى حيث الرجال جالسون وكان في مقدمتهم محمد بن مسلم فعبق الجو رائحة الزباد النفّاذة مما أدى إلى إصابة محمد بن مسلم بالعطاس .. فعطس خمس أو ست مرات وعندما خرج من العرس نظم الأبيات التالية :
ذا مسك .. أو عنبر .. تنشيت ريحه
أو ورد جـوري مـع الطـل مقطـوف
أو عشب روضٍ عـط رمثه و شيحة
أو قرن عـطّـار مع الريــح مكشوف
إن جـاد هجسي و العقل بالقريحة
إنه زبـاد فـــاح من عـرف « لطّــوف «
ماجت بقذلتها ... و هي مستريحة
ووافت بموجتها مع الريـح عـاصـوف
عطست خمس يوم جاني نفيحة
والسادسة لِحقت وأنا طحت محذوف
ناديت للريحة ... و نفسي جريحة
و الدمـع يجري وألقف الدمـع بكفوف
يـا ريـح شـيـح .. طيّب الله ريـحـه
الريـــح مـا يبرد حشـا قلب ملهــوف
قل له يخاف المعتلي في طريحه
و يروف بي يوم إبتلى مثل مــا روف
ما تهتني نفسٍ ..و نفسٍ مشيحة
كـان الشـقـا بين المحـبين منصـوف
شرواه ما يدعي .... محبة ذبيحه
و لا يبيع القـرمــز الزيـن .. بالصــوف
قل له يخليني على أمره منيحة
مــا كـل رجّــــال إلى فــات مخلـوف
قال الهـوى حقّك علي النصيحة
أخبره عن حــالتـــك مثل مـــا شوف
راح يتندح .... يم .... دار المليحـة
قـال له محبك طـاير القلب مشغوف
يصبح ويمسي في أمور مشيحة
كنه عن المشروب و الزاد مصروف