« 1 »
ان كتابة الشعر – اعدها – عملا اكتشافيا مذهلا ، منذ كان الشعر اختراعا بشريا يرتبط بحكايا الجن والسحر حين يستعصي على البعض تصديق ما فيه أو تصديق ان الشاعر قام بهذا العمل بمفرده !
اتذكر أن « عبارات الفشل والانكسار » جاءت كمفردات في أحد نصوصي مما ظن البعض الجميلين انها مدعاة انكساء أو تشاؤم أو يأس الخ ..
فاخذتني الى حاجة اعادة الصوت والمعنى فيما قاله بيكاسو بعد أن سأله الضباط الالمان عن جداريته لوحة «الغورنيكا» او « الجيرنيكا » التي كانت فعلا يشبه الصرخة المستمرة بالاستنكار والغضب ضد الدمار والقتل ، وضد النازية الالمانية - تحديدا - التي قصفت مدينته الوادعة ـ الغورينكا فقالوا له باعجاب شديد انت من صنع ذلك ويعنون الجدارية وبما تحويه من دمار فقال لهم :
بل أنتم !
الشعر كذلك ، والفن عموما .غير ان الفن - بحسب الحكيم توفيق - واسع ولكن عقول الناس هي الضيقة وهم الناس الذين يكتبون الشعر بلا ان يخطر على قلوبهم سوى ما يملأ قلوبهم !
غير بعيدين نحن – ابدا - عن اي عارض ٍيمطرنا : حـَزَنـاً ، غير اننا ننكسر « حبا » اكثر من الانكسار « ضعفا » .. ونكتب لأننا كثيرون في واحد ، وواحد كثير .
وهذا ما يجعل للشعر اسراره وأكثر منها قوله سبحانه : « وما علمناه الشعر » !
من القرآن الكريم ما جاء على لسان الناس باختلافهم انبياء او فجرة ، حتى حين نقرأ قوله تعالى - على سبيل المثال - على لسان اليهود لموسى : « اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون »
فنقرأ بترتيل وصفاء نفس لا بصوت مرتفع غاضب لأنه قول اليهود !
ونؤمن انه كلام الله .. بطريقة الله .. ولله المثل الأعلى
أنا أعرف ذلك :غير اني وددت ان يحظى قلبي بفرصة ليفك ازراه التي أغلقها على بعض من قناعاته التي تعنيه اذ كان يذهب حيث يسن رمح يقينه حين كانت الكثرة تردد : « انا ها هنا قاعدون » !!
« 2 »
قياسا بالفوضى المنتشرة الآن ، ها هي تقليدية الشعر السيئة لا الجيدة منها هي المتصدرة فتعود بهمومها ، في مفردتها الى حيث تعود الى الخلف سنوات عديدة ، فلم نسمع بالشاعر المفكر قدر ما سمعنا- اذ استثنينا القلة - بالشاعر الذي يفكر بالتسول ويفكر كيف يأكل ، وكيف يحقق غاياته الخاصة ، حيث عادت بالناس لا الى الشعر البناء الذي يتوافق وعصرنا الذي نعيشه ، بل العودة من جديد الترويج « للقصيدة المعلبة » فبالتالي الترويج للقبيلة وللقبلية ، والترويج لنموذج الشاعر المداح ليحتل الصدارة وأسباب كثيرة خلف ذلك ، وهاهي رغم تقدمها اعلاميا المتصدر المشهد متراجعة جدا بانجازاتها ، وسينفض المولد ، فتعود الحكاية القديمة وتبدأ العامية الجديدة ، في تصدرها الوجه الثقافي بنخب مبدعة ، بعد ان تخلت عنها بعض قياداتها ولاسباب متعددة في وقت حرج . ولا أظن الامر هذا جاء بالمصادفة ، وسينتهي قريبا بعد ان تنتهي المسرحية المعروضة !!
فالشاعر اصبح عنصرا مؤججاً للقبلية والعنصرية في مجتمعاتنا الخليجية وعنصراً مدفوعاً بالجهل ، من قبل القنوات الشعبية والقائمين عليها ، التي ترمي بالطعم لضعاف النفوس والعقول لتحقيق المكاسب سواء من خلال توجيه البعض المدفوع له ، او بما تشاهدونه مكتوبا من خلال المسجات المعروضة على الشاشة بما تحويه من رائحة منتنة مقابل الربح فقط !