من البديهي جدا في ظل التراكمات الاجتماعية و الظروف الاقتصادية و السياسية أن يلجأ كل واحد منّا الى تدوين أفكاره و تأريخ أحداث بيئته التي يعيش بها ،سواء كتب شعرا أو نثرا أ و قصة ....المهم أن يبدع في ترجمة ما ينتابه من ضيق أو هموم أو نزعته الثورية حيال ما يؤلمه....لكن ما نلاحظه و للأسف غياب النص المسرحي في ترسيخ مفاهيم الظرف و المكان على عكس ما قرأناه و عرفناه عن دوره قديما في الأدب العربي و التئامه بالحدث بجرأة و حنكة واضحة المعالم . عن طريق تجسيد فكرة الكاتب بتوظيف اشخاص او شخصيات وطرح هذه المشكلة باسلوب وقالب كوميدي او تراجيدي مثل اوديب الكاتب اليوناني الذي كتب مسرحية كان محورها قتل الابن لابيه ليتزوج امه،حيث أن المسرحية تجعلنا نشاهد اشخاص يتكلمون ويعبرون عن آرائهم باستخدام اللسان او حركة اليد والجسم بالاضافة الى مؤثرات صوتية تدفعنا للانفعال و التفاعل مع الحدث الذي يجسدونه سواء كان كوميدي او تراجيدي كما أنها تخلو من التلقين والوعظ الثقيل على القلب لكن هناك من كان يخشى خطورتها التي تكمن في جماهيرية المتلقين و انفعالهم معها .....
لذلك كان تأثير المسرحية على الانسان كبيرا في السابق لما تتركه من اثر في نفسية المتفرج لانها تلامس الواقع الذي نعيش فيه
و من أبرز الالشخصيات الأدبية التي ولجت هذا النمط الأدبي بتميز و إدراك :امير الشعراء احمد شوقي حين كتب مسرحية شعرية بعنوان “مجنون ليلى” اذ كانت اروع تحفة فنية من مسرح احمد شوقي الذي تحدث فيها عن قيس بن الملوح وحبه لليلى وكذلك ابن المقفع الذي كتب “كليلة ودمنه” على لسان الحيوانات بصيغة تحاكي التناقضات الاجتماعية و تصوّر أحداثا تشدّنا الى تفاصيل الزمان و المكان أكثر ...
لكن تزامنا مع كثرة المواقع الالكترونية و تسهيل وصول الناس الى مختلف الثقافات جعلهم يعزفون عن دور المسرح ليجعلون بذلك المسرحية في خانة التهميش و إحباط النص المسرحي في محاولة منه للنهوض و الارتقاء بالأدب في خدمة المجتمع صوتا و صورة ضمن تعدد المشاهد و الانفعالات ...ليصبح بذلك غياب المسرح عنّا هو انسلاخ منا عن أصل الأدب و تضييق منا لدور الكاتب المسرحي في أخذ حقه كمبدع يحتاج الى الاهتمام و التشجيع لربما يستطيع بلورة المشهد الثقافي العربي مرة أخرى بكل صدق و تمكن و احترافية دون أن نتساءل عن اين اختفى مسرح نبيل المشيني الذي كان يقدم مسرحيات رائعة وكذلك اين اختفى مسرح الدمى التي كانت تعرض للاطفال؟!! أو متى يحين الوقت
لنكسر روتين الحياة والاستمتاع بوجبة فنية راقية تعمل تحت نظر الجميع، بدلا من البحث عنها في الدول المجاورة أو في الإنترنت والقنوات الفضائية؟!!!
لأضع بين أيديكم جزءا من الفصل الشعري الأول في مسرحية مجنون ليلى التي طالما شدّتني تفاصيلها الشعرية و التصويرية المتقنة ....
الفصل الأول
( ساحة أمام خيام المهدي في حي بني عامر – مجلس من مجالس السمر في هذه الساحة – فتية وفتيات من الحي يسمرون في أوائل الليل؛ وفي أيدي الفتيات صوف ومغازل يلهون بها وهم يتحدثون – تخرج ليلى من خيام أبيها عند ارتفاع الستار ويدها في يد ابن ذريح).
ليلى:
دعي الغزْلَ سلمى وحَيِّي معي
منارَ الحجازِ فتى يَثْربِ
( تصافحه سلمى)
ويا هندُ هذا أديبُ الحجازِ
هلمّي بمقدمه رحبي
(تصافحه هند ويحتفى به السامرون)
سعد: أمن يثربٍ أنت آتٍ ؟
ابن ذريح: أجل
من البلد القُدُس الطيب
ليلى:
أيابنَ ذريح لقينا الغمام
وطافت بنا نفحاتُ النبي
بقلم: سناء الحافي