الجناس من اهم فروع علم البديع ، ومنه المجانسة والتجانس والجنس . والجناس هو تشابه الكلمتين في اللفظ واختلافهما في المعنى ، وينقسم الجناس الى نوعين هما: الجناس التام والجناس غير التام.
1 - الجناس التام:
هو ما اتفق فيه اللفظان في اربعة امور ، وهي هيئة الحروف من سكنات وحركات ، بالاضافة الى عدد الحروف ، علاوة على نوعها ، اما الامر الرابع فهو ترتيب الحروف ، وهذا النوع اكمل انواع الجناس واعلاها مكانه وهذا ينقسم الى عدة اقسام هي :
أ - الجناس المماثل
ما كان فيه اللفظان من نوع واحد من انواع الكلمة ، بمعنى ان يكون اللفظان اسمين او حرفين او فعلين
ومثال الجناس المماثل بين اسمين ، قول الأمير خالد الفيصل
زانت بحبك ياحياتي حياتي
من عقبكم صفوي تكدر عليه
حيث استخدم الشاعر هنا كلمة « حياتي « في سياقين اثنين : الاول كان يقصد بالكلمة معنى حبيبتي او محبوبتي او غاليتي , بينما السياق الثاني جاء بمعنى الحياة المعروفة المتمثلة بايام العمر.
اما جناس المماثلة بين الفعلين كقول سعد الحريص
مال صوتي إذا راودني لجام
مال هذا الفضاء إلا جموحي
فالشاعر هنا في هذا البيت تلاعب في كلمة « مال « وهي فعل ماض , إذ جاء الفعل الاول بمعنى : ذبل او اختفى ، بينما جاء معنى الفعل الثاني :اهتز او انحرف . وعلى هذا الاساس يتضح لنا الخلاف في المعنى بين الكلمتين رغم مجيئهما على نفس صورة الرسم الاملائي , إذ لاخلاف في كتابتهما ، لكن المعنى يختلف بين الاثنين.
اما في جناس المماثلة الحاصل بين الحرفين فهو يظهر عند محمد عيضة في نصه الشعري الذي يحمل اسم لافتات احتجاج
بدا نداك يتعلق في سطوح الزجاج
فخطوط الاسفلت يدخل في شقوق البيوت
لقد تعامل الشاعر فنيًّا مع هذا الحرف ، حيث جاء الحرف « في « في معان مختلفة ، حيث اختلف معناه في كل شطر من هذا البيت ، فقد جاء معنى « في « في الشطر الاول « في سطوح الزجاج « كدليل على الالتصاق ، أي التصاق الندى في الزجاج ، بينما جاء المعنى الاخر الواقع في الشطر الثاني من نفس البيت « في شقوق البيوت» بمعنى التسلل.
ان هذا التعامل الحاصل من قبل الشعراء , إنما يدلّ على مدى عمق هذه اللهجة المرتبطة بأصلها العربي المتين الذي نزل فيه القرأن الكريم معجزة إلهية للعرب وللناس كافة.
ب - الجناس المستوفي :
وهو ما كان لفظاه من نوعين مختلفين من انواع الكلمة ، كأن يكون الاول اسما والاخر فعلا ، او ان يكون احدهما حرفا والاخر اسما او فعلا ومن امثلة الجناس المستوفي بين الاسم والحرف قول حمد خليفة بو شهاب :
افتنتني وأصبح بك القلب محتار
يا من إذا ناديتني قلت : عونك
أخشى على قلبي من الحب ينهار
وتخيب في صبٍّ يحبك ظنونك
فالشاعر استخدم كلمة «من « في كلا البيتين بمعنيين مختلفين ،إذ ان الكلمة الاولى جاءت بمعنى الذي ، وهو حرف يعمل عمل الاسم الموصول ، بينما الكلمة الثانية فقد كان حرف جر .
ومن امثلة الجناس المستوفي ما بين الاسم والفعل كقول نواف المزيريب :
يا حضرة الصبح وقتك ما يناسبني
بدلتك بجوهرة مانت على روحي
سكنتها حب لحظة شفتها تبني
قلعة مشاعر وقلت لغربتي روحي
فالمتأمل في هذا الكلام يجد ان عبارة « روحي « الواقعة في اخر البيت الاول تختلف عن اختها الواقعة في اخر البيت الثاني لان الكلمة الاولى اسم دال على الروح التي معناها روح الانسان،بينما الكلمة الثانية فعل امر من الفعل « راح – يروح « وهنا يتضح كيف تعامل الشاعر مع هذا الكلام ، حيث إنها جاءت نفس الكتابة ونفس النطق غير ان المعنى يختلف بين الاثنين .
وهناك أمثلة شعرية بلغ فيها أصحابها الغاية القصوى من التفنن بضروب الكلام , حيث تقول الشاعرة المحرومة :
زفيت لك خافوق قلبي وروحي
مير البلا من ذا الوهم جيت غدار
نصيحتي يا نفس قفّي وروحي
لا تفضحين السد وتباح الأسرار
فقد كررت الشاعرة الكلمة نفسها , كما فعل المزيريب من قبل , لكنها تجاوزته في مجال الصنعة الشعرية , حيث أضافت واو العطف لكلا الكلمتين , في الوقت الذي احتفظت فيه الكلمتان بمعناهما الخاص بهما , إذ كانت الأولى بمعنى الروح , بينما الثانية بمعنى الانصراف
ومن أمثلة الجناس المستوفي ما بين الحرف والفعل , قول الأمير خالد الفيصل
هذي سواة اللي عن النوم قزّاه
طيف الحبيب اللي على خاطره عن
حيث إن « عن « الأولى تعتبر حرف جر , بينما « عن « الثانية فهي فعل ماضٍ , ومضارعه « يَعِنّ « كما هو معروف .
ج- جناس التركيب
هذا الجناس هو عبارة عما كان احد ركنيه كلمة واحدة والاخرى مركبة من كلمتين ومنه:
المتشابه : وهو ما تشابه ركناه ، أي الكلمة المفردة والاخرى المركبة لفظا وخطا ومن امثلة هذا النوع قول فهد الغبين:
مساء الاه في صدري تجرك بد كل الخيل
حرامية ورب القدس يا احلى حرامية
فالشاعر استخدم كامتين مختلفتين في المعنى متشابهتين في النطق والكتابة فالكلمة الاولى «حرامية» أي بمعنى حوالي مائة ، أي «حرا مائة» بينما الكلمة الثانية بمعنى اللصوص , وهذا العمل تأويل قمنا به هنا , قد لا يعنيه الشاعر الغبين , لكنه تأويل مشروع ومستساغ
المفروق: وهو ما تشابه ركناه ، أي الكلمة المفردة والكلمة المركبة لفظا لا خطا ومن امثلة هذا النوع قول الحميدي الثقفي :
صاح بي صاحبي والليل عطر الكتابة
كيف نبني وطن للمتعبين اغتراب
فالمتأمل في هذا البيت يجد تشابه النطق بين الكلمة الاولى و الكلمة الثانية في اول هذا البيت , في الوقت الذي يجد فيه الخلاف الواضح في طريقة الرسم الاملائي لكل كلمة.
2- الجناس غير التام:
هو ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الامور الاربعة التي ذكرناها في الجناس التام ، وهي انواع الحروف ، واعدادها ، وهيئتها من حيث السكنات والحركات ، وترتيبها وهذا النوع من الجناس متشعّب ، وليس غايتنا من هذا العمل استقصاء كل ما جاء في هذا الشأن ، بل غايتنا الوقوف عند ما نراه يتلاءم مع الجماال الفني الادبي المرتبط بموضوع الصورة الشعرية , لهذا سنقف على عدد من الجناسات غير التامة حتى لا يتحول الموضوع الى بحث بلاغي صرف ، والمعروف ان البلاغة جامدة وتميل الى التقريرية العلمية الصارمة ، وهذا الامر لا يتناسب مع الصورة الشعرية , ويقلل من حضورها الذي نعمل على ابرازه هنا .
من أنواع الجناس غير التام
أ - الجناس المضارع
هو ذلك الجناس الذي وقع فيه خلاف في نوع الحروف وليس بين الحرفين تنافر في المخرج وشاهد هذا النوع قول سطام الشامان :
غرق والا ارق والا دموع الديم
عسى بعض الليالي بالخبر تأتي
فكلمة « غرق « وكلمة» ارق « وقع بينهما خلاف في الحرف الاول ، غير ان كلا الحرفين متقاربان في المخرج الصوتي .
ب - الجناس اللاحق
هو الجناس الذي وقع فيه خلاف في نوع الحروف إذ كان الحرفان فيه متابعدين في المخرج ، وشاهد هذا النوع من الجناس قول بندر الشدادي :
ما ني منعّس هالسهر في وصالك
والبال غصنٍ قيّلت فيه ورقا
أغلبك لو ما اغلبك ما قلتها لك
وأضمّك بصدري وأحولك وأرقا
فمن يقرأ البيت السابق يجد ان البيت الاول ينتهي بكلمة» ورقا « وهي الحمامة الورقاء ، بينما البيت الثاني ختم بالفعل « ارقى» حيث حصل تنافر في الحرفين الاولين اذ كان في الكلمة الاولى حرف الواو في « ورقا» وهو حرف شفهي بينما كانت الهمزة في الكلمة الثانية ، وهي حرف حنجري او كما كان يقول العلماء السابقين حرف حلقي من جهة الصدر إلا أن وجود واو العطف التي قبلها خفّف من حضورها صوتيًّا .
ج- الجناس الناقص:
هذا الجناس حصل فيه اختلاف في عدد الحروف ، وذلك لنقصان أحرف احد اللفظين عن الاخر ، والجناس الناقص يأتي على نوعين :
النوع الاول: الجناس المُطرّف
وهو الذي تكون فيه الزيادة بحرف واحد وشاهد هذا النوع قول خلفان بن يدعوه المهيري :
حتى قضى الخلاق فينا بما قضى
قضاه سبحانه بامره تام
فهذا البيت الشعري جاءت فيه كلمتان ، الاول « قضى» والثانية «قضاه» ولو تأملنا الكلمتين لرأينا ان الاولى فعل ماض وهي «قضى» بينما الكلمة الثانية اسم وهي «قضاه» أي ( قضاءه سبحانه وتعالى) وهذا النوع من الجناس يسمّى بالجناس المطرّف ، وهو الواقع في اخر الكلمة عكس الجناس الحاصل في الامثلة السابقة الذي يأتي في اول الكلام او في وسطه .
النوع الثاني: الجناس المُذيّل
ما كانت فيه الزيادة واقعة في احد اللفظين بأكثر من حرف ، وشاهد هذا النوع قول محمد المطروشي
اللي غوى المجني غواكم
لي بدّل الحِسْنا حرامِ
حيث حصلت هنا زيادة في حروف الكلمة الثانية التي جاءت في اخر البيت الذي امامنا ، إذ كانت الكلمة الاولى تتكون من ثلاثة حروف ، وهي الكلمة « غوى « بينما كانت الكلمة الثانية « غواكم « ، وهذا النوع من الجناس يُسمّى بالجناس المذيّل ، ويشترط في هذا النوع ان تكون الزيادة في اخر الكلمة .
د - الجناس المطلق :
هو توافق اللفظين في الحروف والترتيب دون أن يجمعهما اشتقاق وشاهد هذا النوع من الجناس قول الخالق في محكم التنزيل « قالت اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لرب العالمين» وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « اسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وعصيه عصت الله ورسوله» اذ ان الكلمات : « أسلمت – سليمان «، وكذلك « أسلم – سلمها ، وكذلك غفار – غفر ، وكذلك عصيه – عصت « ليست مشتقة من بعضها البعض حيث إن سليمان اسم أعجمي لا فعل له في العربية ، بينما غفار وأسلم وعصيه أسماء لقبائل عربية ، ولم تكن مشتقة هذه الاسماء من الافعال المصاحبه لها في الحيث النبوي الشريف.
هـ - جناس الاشتقاق
هذا الجناس متصل بالجناس المطلق ، الا أنه قد حصل بين اللقظين المتجانسين اشتقاق في الفعل ، اذ أن الاسم مرتبط بالفعل من حيث الاشتقاق ، وشاهد هذا النوع قول خليفة بوشهاب :
يا قايد الزين من حبّك تولّع بك
وانا المولّع بحبك يا ضيا عيني
فقد حصل اشتقاق بين الفعل « تولع» والاسم « المولع» اذ ان الاسم مشتق من الفعل في هذا البيت بالاضافة الى أن هذا البيت يشتمل ايضا على جناس اخر بين « حَبّك» و»حُبّك» لأن الكلمة الاولى فعل بينما الكلمة الثانية اسم اشتق من الفعل المذكور .
لقد حرص الشعراء على الاتيان بالبديع في قصائدهم الشعرية من اجل تزيين هذه النصوص ، لِمَا له من اثر في الجمال ويُعدّ الجناس من اهم هذه الانواع البديعية حيث تأنس النفس البشرية لوقع جرس الجناس واثره الايقاعي في الاسماع وعلى القلوب « لان النفس تستحسن المكرر مع اختلاف معناه ، ويأخذها نوع من الاستغراب « علمًا بان هذا الباب ، وهو باب الجناس واسع لمن اراد الاطلاع عليه في كتب البلاغة ، وقد فضلت الوقوف على أبرز ما فيه ،
محمد مهاوش الظفيري