تمتدّ أغصان شجرة الشعر لتظلّل الرجل – الشاعر – والمرأة – الشاعرة – على حدّ سواء .. فما أكثر الشاعرات اللواتي نافسن الشعراء في قرض الشعر ونسجن القصائد بخيوط دلال الأنثى وعذوبة المرأة ووهج الأمومة ووفاء الأخت الباكية على أخيها المحبة له .. وما الخنساء ببعيدة عنا في ذاكرة الشعر .. !
ولا ننسى كذلك شاعرات الأندلس اللواتي رسمن ملامح القصيدة العربية على جدران قرطبة وغرناطة ولا زال عبقها يعطرّ بلاد إسبانيا إلى يومنا هذا .. لقد قرضن الشعر وزركشن ذاكرة الأندلس بخيوطه الذهبية مغمسة في بحر عسجدي مازالت أمواجه تحمل لنا للآلئ أعماقه الرائعة وتحطّ بها على شطآن الذوائق لنرتشف كؤوس الشعر طازجة من أنامل المرأة الشاعرة عبر الزمن
وما بين الخنساء وولاّدة بنت المستكفي تظلّ المسافات والأزمنة حبلى بتغاريد وأهازيج وهمسات الشعر النسوي الذي استطاعت المرأة من خلاله التعبير عن مكنونات نفسها ، وعشقها ، وشوقها ، ومعاناتها وآلامها وطموحاتها ..!
وها هي القوافي المسافرة عبر أزمنة الشعر تحطّ رحالها في واحة الأحساء وما أدراك ما الأحساء .. بلاد الشعر والعلم .. فكما تميّز شعراؤها تميزت أيضا الشاعرات على أرضها الطيبة ..
من الشاعرات الصاعد نجمهن في سماء الأحساء نجد الشاعرة المبدعة سوزان محمد .. وسوزان عرفت حروفها الوارفة وقوافيها الباذخة عن قرب حين كنت أقرأ قصائدها الرائعة
من قصائدها قصيدة “ بكاء في موسم الضحك “ .. فهاهو الشعر عالمها ومتنفّس همومها وفيه تجد السلوى والبغية والدواء .. هو وحده الذي تجد فيه ظالتها
وَ أضَيِّفُ الشِّعــــرَ الأَنيسَ لِوَحشتــــــــــي
فَكَأَنَّهُ مُتَنفَّسي ودَوائــــــــــــــــــــــــــــــــي
ونجدها كذلك تبث آهاتها وزفراتها ترسلها على أكف الريح لتبحر بها أشرعة الشوق لمدن حبيبها فتقول في قصيدتها “ إليك حبيبي “
مِنْ قَاصِيَاتِ سُيُولِ الحُبِّ أَنْحَـــــــــــــــــدِرُ
والشَّوقُ يَجْرفُ إحْسَاسِي فَأنْهَمِــــــــــــــــرُ
ويُوشكُ المدُّ بالأشجان يَغْمُرُنِــــــــــــــــــي
والجزرُ يَسْرقُ أَفرَاحي فأنْحَسِــــــــــــــــرُ
أدنو وما أَبـِــــهَ الوجـــــــــدانُ إن عَصَفَتْ
وأَغْرقَ الرُّوحَ عِشْقٌ موجُهُ خَطِـــــــــــــرُ
على شَواطىء أحلامي رَسَتْ سفُـــــــــــني
ومــــا بهـــــــــــــــا عن حبيبٍ غائبٍ خبرُ
ثم تواصل الشاعرة المبدعة سوزان محمد تطريز القوافي على أجنحة الذائقة – للمتلقي – لنحلق معها في عوالم شعرية مدهشة ورائعة
فتهمس بهذه القوافي الحبلى بالأنين في قصيدتها “ البعاد “
قَدْ حَانَ حَانْ
رَحَلْتَ وَالجرُوحُ تلتهب
بِكَومَةِ الآلام فِي الفُؤادْ
أُواصِلُ البُكَاءْ
وَ الهَمُّ يَنْسَكِبُ
في لحظة البُعَادِ يَنْسَكبْ
والبُعْدُ يُنبت الحَنينَ والعَتَبْ
و يَبْعَثَ الحرقة فِينَا وارتعاشة الوصَب
وهاهي تدور في فلك الشعر لا تحيد عن مجراته ونجومه ولياليه حين يسافر بها السيد الشعر في عوالم العشق حيث تقول في قصيدة “ يسافر الشعر بي شوقا “
قد جئتُ أســــــــــــــــــألُ ... هل في عشقهـم أثقُ ؟
وهل سأُطفـــــــــــــــــــــــــئُ نارَ الوجد إن حرقوا ؟
ما كنتُ أُدركُ معنى الحبِّ مُرتشفــــــــــــــــــــــــــــا
مرارةً ضجَّ في أحضانِهــــــــــــــــــــــــــــــــا الأرق
أو كنتُ أُطلقُ جُندَ الرُّوحِ ظامِئَــــــــــــــــــــــــــــــةً
إلى وِصالكَ كالأمهــــــــــــــــــــــــــــــــــــارِ تستبقُ
ولا الليالي تَهجَّتنـــــــــــــــــــــــــــــــــــي ولا قرأَتْ
قلبا به حمم الأشجانِ تنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدفِقُ
هل كنتُ أُعنــــــــــــــــــــــــى بضوءَ البـدرِ إن أفلتْ
أنوارَهُ ، واشتكـــــــــــــــــــــــــــــى من هجْرهِ الأفقُ
فجر عبدالله