آنَ أن تقف، ولو قليلاً.. عليكَ أن تقف .
انظُر، اطلِق بصرك، أو دَعْ لقلبك حرية الكلام.. لاتحبس اعترافاته رغبةً في إخفاء ما فيه .
هل أنت مستعد ؟
إذاً تقدّم تجاه المرآة، واقبَلها بما تجيءُ به .
في هذه الوقفة: لا مجال للتبرير، ولا الأعذار المكررة، اسكُب الحقيقة ولا عليك.. وإن كانت حارقة!
....
في وقتٍ مضى ليس لعودته سبيل، تماماً يُماثل هذا الوقت تحديداً من سيل الإحتمالات القارس، والتي تقطع وتين الحبّ وكل المعاني الجميلة، وتفرُض البؤس وعذاب الضمير .
بكامل حقيقتك، وأناقة الصدق وتجلِّيه قُل أمام الذي تراه في المرآة:
كم من الفراغات لم تُملئ في ثغور أحباءك أو أهلك.. زعماً بأنهم المخطئين ، وادّعاءً أنهم كانوا بعيدين جداً عنك، وعن صوابك.. لذا قدّرتَ أنهم لا يستحقون منك ملءَ فراغاتهم جزاءً، واستحقاق عطاءكَ ثناءً ؟!
وكرّر المحاولة حتى تفرُغ تماماً من كل شائبةٍ قضَت عليك، وأيّدتكَ في كل موقف خلّف جفافاً عاطفيّاً وإنسانيّاً راودتَ فيه نفسك عن طبيعتها المحضَة، وأحطتها بسياج قسوةٍ منيع، وعنَتٍ لا رادّ لظهوره! ونتَج عنها أناسي موجوعون من قِبَلك.
كُن هذه المرة: أنتَ.. أنت، دون أي تعديلٍ أو تحويرٍ حدَثيّ وعُذر يُقلّب لك الأمور على غير ما هيتها، ويضع أمام كلٍّ منها سبباً وجيهاً في نظرك يُناسِبُ السوء الذي كانَ عليه!
وحتى تُصادِق على أمانتك وصدقك في هذا الشأن، أخبِر صاحبك الذي ترى: هل تراجعتَ يوماً عن فعلٍ "خيّر" تجد أنه شيءٌ كثير على من تقدّمه لأجله؟! أو ألم تمنع نفسك حينها لحاجةٍ فيها، لتردّدٍ يكتسيك ويقول لك أنّ ما تبذله لا داعيَ له، وكذلك مُكلف وغير مستحقّ؟!
على أقلّ تقدير أخبره: هل أضمرتَ شعوراً طيّباً كان على وشك الظهور وخبّأته؟!
وعلى أكبر تكريم صارِحه: في لجّة غياب أحدهم هل اخترقت بَحره بسفن سؤالك، ومددتَ يدك خشية غرقه وبنيّة إنقاذه؟
أم فضّلت الركون إلى هدوء الوحدة، ولقيتَ فيها سلواناً من عناء البحث والسؤال عنه، لا يهمّك ما يحدث في الطرف الآخر من الحياة وعلى ضفّة الأقارب والأصدقاء!
وإن افترضنا أن الحياة باعدتهُم وأفَلت شمس تقاربهم، هل بلغهم قمرُ التداني من بَعد.. ولو كان في ليالٍ متفرّقة؟
أوَما تساءلتَ لمَ هم غائبون، وعنكَ محجوبون؟ وبحثتَ عن أسبابهم، شاركتهم أفراحهم وأتراحهم؟ أم غاليتَ في غيبتك، ولم تعبأ بكل ما هو قائم.. غايتك في هذا اللجوء إلى الراحة، من أن تَطالك يدُ الإنهاك فتتعَب!
- كفى......
لا، انتظر.. ما زالت التساؤلات تنهمر، ويزداد الوضع أسفاً عليك بعد إجاباتٍ تصرّح بها عينك، ويُشير إليها ميل رأسك وإيماءات جسدك!
فقد بقيَ من الكلام ما يخجلُ منه الكلام، بقيَ أن تتذكّر: كل نوبات الضيق والإنزعاج الواضحة التي مرّت بهم من لدُنك، وممن هم في علياءِ قلبك كما أعلنتَ لهم.. ما تفسيرها ؟!
وحتى لو حملتَ في داخلك مبرراً كافياً، فكّر معي لوهلة: هم يحتاجون "عمراً كاملاً" ليستردّوا عافيتهم أو تعود لهم، وربما يتجاوزونك بعد مَهلِهم إياك، ومغفرتهم لتلاشيك من صفحتهم التي ما ملأها شخصٌ بقدَرك!
كل هذا يبدو هيّناً لو نظرنا إليك في لبّ الأحداث، وتصاعد الأزمات.. وأنتَ تعيش بإهمالٍ مقزز، لايستجلب عطفك عليهم نائحة، ولا دامعة، ولا مريضٍ يرجو منك كلمة طيّبة!!
يا الله :
مرّ الوقت خاطفاً دقائقه وأراكَ واقفاً ذاوياً بعد كمّ الأسئلة التي نهشَت في لحمِ ثباتك، وبصّرتك بما لم تُبصر وشعرت لأول مرة بما يفترض أن تشعر به! ومع ذلك فإن الوقت يشكرك على هذه الوقفة التاريخية بعدما لفظتَ بصمتٍ اعترافات مؤلمة، وحاججكَ ببيانٍ قاطع ما واريتهُ صدرك حدّ انقباضةِ قلبك ليخرج في النهاية ويعترضه سؤال بسيط: هل قلبك كبقيّة القلوب؟!! أم تحوّل لمضغةٍ تضخّ الدم لا أكثر.. كدليلٍ على حياتك؟ وحفظاً على إنسانيتك لا تجِبْ.. ليبقى الجواب عندك .
نفلة محمد
" عبرات الرحيل "