كتب :أ. د. بركات عوض الهديبان لو أن هيئة أو منظمة دولية أعدت سجلا بأنواع الجرائم، التي ارتكبتها البشرية، منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل، وحتى الآن، لوجد لكل تلك الجرائم نظيرا لها في ما اقترفه الاحتلال الصهيوني، بقيادة رئيس حكومته نتنياهو، في قطاع غزة ولبنان، منذ السابع من أكتوبر العام 2023. فلم يَدَعْ الكيان المجرم جريمة على وجه الأرض، إلا وارتكبها في غزة بوجه خاص، من قتل للسكان المدنيين، الذين لم يرفعوا يوما سلاحا في وجه أحد، واغتيال للصحفيين والإعلاميين، والأطقم الطبية ورجال الإنقاذ والإسعاف، وعمال الإغاثة.. فضلا بالطبع عن تدمير البيوت على قاطنيها، واستهداف المدارس والجامعات والمستشفيات والملاجئ وغيرها. ومع ذلك فلا يزال هذا المجرم طليقا، على الرغم من إدانة المحكمة الجنائية الدولية له، باعتباره «مجرم حرب» ومرتكب «جرائم ضد الإنسانية». لكن لم تستطع المحكمة الدولية ولا مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وضع حد لهذا الكيان العنصري، الذي أراق بحورا من الدماء في الحرب الأخيرة، وقتل من الفلسطينيين واللبنانيين، ما يناهز خمسين ألف إنسان، إضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين.. ببساطة لأن القوى الكبرى في هذا العالم، تخلت عن مسؤولياتها القانونية والإنسانية، وضربت بكل القوانين والأعراف الدولية، والقيم الإنسانية، عرض الحائط، بل وانحاز بعضها جهارا نهارا إلى إسرائيل، بزعم تمكينها من «الدفاع عن نفسها»، وهي فِرْيَةٌ عظيمة، أطلقتها تل أبيب، ووجدت من يصدقها ويروج لها، ويحاول إقناع المجتمع الدولي بها، غير مبالٍ بما يكشف عنه الواقع الأليم، من زيف تلك المقولة، وكذبها الواضح والجلي. وهكذا راح الشهداء الفلسطينيون يتساقطون بالمئات يوميا، وأكثرهم من النساء والأطفال، من دون أن يحرك ذلك ضمائر العالم، ويدفعه للتدخل من أجل وقف هذه المجزرة المروعة، التي امتدت فصولها على مدار عام كامل، وبدأت عامها الثاني، من غير أن يلوح في الأفق أي أمل للخلاص، وإنقاذ نحو مليونين من البشر، سدت في وجوههم كل الأبواب، ولم يتركوا شبرا في قطاع غزة، إلا وارتحلوا إليه نازحين طلبا للنجاة، ولكن ما إن تطأ أقدامهم المكان الجديد، حتى يباغتهم العدو بمنشورات تطالبهم بالارتحال منه مجددا، والبحث عن مكان آخر، يعلمون يقينا أنه لن يكون بمنأى عن أيدي مجرمي الحرب الصهاينة، الذين قرروا أن يحولوا حياة هؤلاء الأبرياء إلى جحيم لا يطاق. وقد رأى العالم كله، آخر تلك الجرائم التي اقترفها الاحتلال، فجر الثلاثاء في مخيم جباليا، والتي دمر خلالها مربعا سكنيا كاملا، وسواه بالأرض، فيما عجز رجال الإنقاذ عن فعل شيء لجرحى المجزرة، لأن منظومة الدفاع المدني معطلة بشكل كامل، في شمال القطاع بسبب القصف الإسرائيلي المستمر، إضافة إلى اعتقال عشرات الأفراد من كوادر الدفاع المدني والصحة. ويبقى السؤال معلقا وبلا إجابة: إلى متى يستمر هذا الوضع المفارق لأي قانون دولي أو عرف أخلاقي؟ ومتى تتحرك الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، من أجل حشد الجهود الدولية، لوقف هذا الإجرام غير المسبوق، وملاحقة مجرمي الحرب قانونيا، وفي الصدارة منهم ذلك المجرم الأكبر نتنياهو، الذي لم يشبع بعد من دماء الأبرياء، ولا يريد أن يشبع أو يرتدع، لأنه لم يجد من أي جهة في العالم، من يوقفه عند حده، ويضع نهاية لعدوانه وإجرامه، ويسدل الستار على حرب غير عادلة، وغير مبررة، ويعيد السلام، إلى أرض السلام ومهد الأنبياء والمرسلين؟!