د. بركات عوض الهديبان في مدرسة الدبلوماسية الكويتية العريقة، التي أرسى قواعدها الأمير الراحل المغفور له الشيخ صباح الأحمد، نشأ وتربى تلاميذ كثيرون، وتدربوا على يد هذا الرجل العظيم، أمير الإنسانية وعميد الدبلوماسية في العالم - رحمه الله رحمة واسعة - حتى صاروا بعد ذلك نجوما تتلألأ في سماء الكويت وسماء الدبلوماسية الكويتية، ومن بين هذه الكوكبة الوطنية التي لا تنقطع ولا تتوقف، الشيخ الدكتور أحمد ناصر المحمد وزير الخارجية وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء، الذي يتابع الكويتيون مساره الحكومي والقيادي بتقدير وإعجاب شديدين، والذي يأتي من بيئة غرست فيه قيم ومبادئ الوطنية ومعاني الانتماء للكويت، سواء تمثلت هذه البيئة في أسرته، أو في محيط عمله بوزارة الخارجية، قبل أن يتولى مقاليدها. هذا التقدير وذلك الإعجاب بالشيخ أحمد الناصر، لم يتوقفا عند حدود الكويت، وإنما تخطيا تلك الحدود ليصبح اسمه مقرونا على الدوام بالتقدير والاحترام، في كل العواصم الخليجية والعربية، بل وأيضا الأوروبية والأمريكية، وغيرها من عواصم العالم، خصوصا أن هذا الوزير الشاب الذي يقود الدبلوماسية الكويتية الآن، بتوجيهات سامية من صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ مشعل الأحمد، قد أسهم بدور كبير وبارز في الإنجازات العظيمة التي حققتها الكويت، خلال السنوات القليلة الماضية، على صعيد السياسة الخارجية، وفي الصدارة منها بالتأكيد، المصالحة الخليجية التي قادتها الكويت، ونجحت بفضل الله في تحقيقها، ليرتفع الخلاف، ويعود الوئام والصفاء مجددا بين الأشقاء. ويعمل الوزير النشط الدكتور أحمد الناصر حاليا، على ملف لا يقل أهمية عن ملف المصالحة الخليجية، وهو الملف اللبناني، ويسعى باعتباره ممثلا لدول مجلس التعاون الخليجي من ناحية، وأيضا كرئيس لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، إلى إجراء تنسيق خليجي وعربي ودولي، لإنجاز إجراءات إعادة بناء الثقة مع لبنان. ومن يراقب أداء الشيخ الناصر خلال الأسابيع الأخيرة، يتعجب من حجم النشاط الذي بذله، والجولات الخارجية التي قام بها، وكذلك المباحثات والاجتماعات التي قادها داخل البلاد، ولا يملك إلا أن يدعو الله له بالتوفيق والحفظ والنجاح والسداد . ففضلا عن زيارته إلى لبنان، فإنه قام أيضا بزيارة إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، واجتمع مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، كما زار العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث ترأس أعمال الاجتماع الوزاري الخامس للحوار الاستراتيجي بين دولة الكويت والولايات المتحدة، مع وزير الخارجية الامريكية انتوني بلينكن. وفي الداخل كان الشيخ أحمد الناصر يترأس الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب، الذي استضافته دولة الكويت في الثلاثين من يناير الماضي، تكريسا للمصالح والمنافع المشتركة، وحفاظاً على الأمن القومي العربي، ودعماً لمسيرة العمل العربي المشترك. وقبل ذلك وبعده فإن أحدا لا يمكن أن ينسى قيادة الوزير الناصر للجهود العظيمة التي قامت بها وزارة الخارجية، والسفارات والمكاتب التابعة لها في الخارج، لإعادة المواطنين الذين كانوا موجودين خارج الكويت، أيام اشتداد أزمة “كورونا”، حماية لهم وتأمينا لحياتهم وصحتهم، في ما عرف بأنه أكبر حركة إجلاء تتم في تاريخ البلاد. هذه الجهود المخلصة التي يقوم الدكتور أحمد الناصر بها إقليمياً ودولياً، استحقت بجدارة إشادة كل المراقبين والمحللين السياسيين الكويتيين والخليجيين والعرب. وقد كنا نتوقع أن يتلقى الناصر إشادة يستحقها بامتياز، من جانب نواب الأمة أيضا، وأن يكونوا عونا له في تحقيق أهداف الدبلوماسية الكويتية، التي باتت هذه الأيام، ملء السمع والبصر، عربيا ودوليا. لكن ما حدث أننا فوجئنا بتقديم استجواب “بلا ملامح”، إلى الوزير الشاب يتكون من محاور تفتقر إلى وقائع محددة وواضحة، يمكن له الرد عليها. وهو ما دفع الكثيرين إلى التساؤل : هل هذه هي المكافأة التي ينتظرها أحد أبناء الكويت الجادين والمخلصين، والساعين دائما لخيرها ونفع شعبها ؟!. لا ننكربالطبع حق ممثلي الأمم في مراقبة أداء الوزراء، واستخدام أدواتهم الدستورية في مساءلتهم، لكن ذلك ينبغي أن يتم بمنطق وعقلانية، وقدرة على اختيار التوقيت الصحيح لإعمال تلك الأدوات، مع ضرورة التفرقة أيضا بين من يستحق المحاسبة لتجاوزاته، ومن هو نظيف اليد، طاهر السيرة. وما نراه ونعتقده أن ذلك لم يحدث وأن التوقيت الذي قدم فيه الاستجواب إلى وزير الخارجية، قد جانبه التوفيق تماما، لأننا جميعا – خصوصا ممثلي السلطة التشريعية - مطالبون بمساندة هذا الوزير، وتقديم كل أشكال الدعم له، لإنجاز المهام والواجبات الوطنية والخليجية والعربية المطوبة منه، والمنوطة به، لا أن نضع في طريقه العقبات والعراقيل. نوقن بالتأكيد أنه سيجتاز استجوابه هذا بسهولة ويسر، لكننا نتحدث عن دلالات تقديمه من الأساس، وقد كنا نتمنى أن يكون نوابنا واعين بأهمية وقيمة الدور الرائع، الذي يؤديه وزير شاب نحو وطنه وأمته، في مرحلة من أدق مراحل الوطن والأمة. ونوقن كذلك بأن الشعب الكويتي هو الذي سيتولى محاسبة هؤلاء النواب، الذين خلطو الحابل بالنابل، وأساؤوا إلى الديمقراطية بأكثر مما أحسنوا إليها، ولم يستهدفوا باستجواباتهم إلا الوزراء الجادين المخلصين، والملتزمين بالدستور والقانون نصا وروحا. ولن يضير وزيرا كأحمد الناصر أن يقدم إليه استجواب، يعرف المواطنون جميعا، أنه ليس إلا نوعا من التعنت والتعسف في استخدام الأدوات الدستورية، وأن هذا الوزير سيظل يحظى بثقة البرلمان، تماما كما يحظى بثقة القيادة السياسية والشعب الكويتي كله، وسيمضي في طريقه مقتديا بكل الكبار الذين رفعوا راية هذا الوطن العظيم، ومستهديا بقول الله تعالى : “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.