د. بركات عوض الهديبان كان المرتقب والمأمول أن تنقلنا سلسلة المبادرات الطيبة والكريمة، التي تبنتها القيادة السياسية، خلال الفترة الأخيرة، بداية بالتوجيه الذي أصدره صاحب السمو أمير البلاد، بإجراء حوار وطني، بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والذي توج بصدور العفو السامي، وكان أحد أهم إفرازاته الخيرة والرائعة، عودة النواب السابقين والناشطين السياسيين، من «مهجرهم» في تركيا.. نقول كان المرتقب والمأمول أن تنقلنا هذه المبادرات القيادية، نقلة كبيرة ومهمة، لجهة تطوير لغة الخطاب السياسي، وتدشين مرحلة جديدة من الضروري أن يكون من أهم سماتها، حدوث قطيعة صريحة وحاسمة مع تلك اللغة الخشنة والمتصلبة، التي سادت حياتنا السياسية سنوات طويلة، وأدت إلى ما يعرفه الجميع، ولسنا بحاجة إلى تكراره، من إضاعة للوقت والجهد في أزمات متكررة، وقضايا هامشية، وصراعات لا جدوى من ورائها، ولا محصلة لها سوى المزيد من التعطيل ووضع العراقيل أمام خططنا ومشروعاتنا التنموية. لكن هل هذا ما حدث بالفعل ؟ الجواب بالتأكيد : لا ، مع الأسف الشديد . بل على العكس، فما شهدناه خلال الأيام الماضية، وتحديدا عقب عودة النواب السابقين من تركيا، لا يبشر بخير أبدا، ولا يوحي مطلقا بأن نوابنا وسياسيينا قد استفادوا مما حدث، أو أخذوا الدرس والعبرة من مجمل ما جرى. وكأننا لم نغادر المربع الأول الذي قاد إلى تلك الأزمات، ولم تجرِ مياه كثيرة في النهر، كانت كفيلة بتغيير الدفة، وإعادة توجيه المسار. وإذا أردنا أن نكون صرحاء وواضحين، فإننا نذكر الجميع بأن هناك من حاول «التذاكي»، وشق الصف الوطني، والتشويش على الإنجاز الكبير الذي تحقق. وبلغ الأمر بالبعض أن يتجاوز كل الحدود، عبر محاولة الاكتفاء – على سبيل المثال - بتوجيه الشكر إلى صاحب السمو أمير البلاد، وتجاهل توجيه الشكر إلى سمو ولي عهده الأمين، في حيلة رديئة ومكشوفة، ولا تنطلي على أحد. ومن المعيب حقا أن تصدر عن ممثلي الأمة – حاليين أو سابقين – فالكل يعرف يقينا أن العفو السامي صادر عن صاحب السمو، وبمباركة وتأييد كاملين من سمو ولي عهده الأمين. فعلام هذا «التذاكي» المعيب وغير اللائق ؟. ومما شهدناه أيضا : الإساءات المتكررة إلى رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ومن دون أي مناسبة أو سبب لذلك، رغم كل ما بذله من جهد للوصول إلى النتيجة التي تحققت، بصدور العفو وعودة النواب والناشطين. ورغم حرص الرئيس الغانم الدائم على لمّ الشمل، والحفاظ على النسيج الوطني، وتسامحه الشديد مع كل من بادر بالإساءة إليه، وارتقائه فوق الدنايا والصغائر. كما بات ملحوظا كذلك الافتقار إلى طرح أي أفكار مبتكرة وجديدة، والاكتفاء باجترار الأفكار والموضوعات القديمة ذاتها، وكأن شيئا لم يحدث طوال الفترة الماضية. هذه الأجواء ليست هي ما كنا نأمله ونرجوه بأي وجه، فقد توقعنا أن يرتقي الجميع إلى مستوى العفو السامي، وأن تسود روح التسامح التي جاء بها العفو، وتجد ترجمة عملية لها في أفعال السياسيين الكويتيين وأقوالهم، وأن تحدث إزاحة كاملة لفترة عصيبة ومجدبة، خسرنا بسببها الكثير، وتحل محلها فترة قائمة على التفاهم والحوار والتعاون ، منطلقين من مبادئنا وقيمنا الإسلامية العظيمة، والتي يمثلها النهج القرآني الحكيم، في قول الله تعالى : «وقولوا للناس حسنا» ، وقوله سبحانه أيضا : «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» ، ومن قول نبينا، صلى الله عليه وسلم : «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه»، وكذلك من هذا التسامي الرائع والمتجسد في نهج التسامح الذي أبدته القيادة السياسية، واستقبله المواطنون بكل ما يليق به من احترام وإجلال وتكريم. يبقى أننا لم نفقد الأمل بعد، في أن تستعيد الممارسة السياسية والنيابية رشدها، وأن يكون العقل مقدما على ما عداه من نوازع، لتستقيم حياتنا على الجادة، وليتواصل الأمل في المزيد من الخير والبركة والنماء، للكويت وأهلها الطيبين.