د. بركات عوض الهديبان من أعظم النعم التي امتنها الله على عباده المؤمنين ، نعمة الأمن ، ولذلك يقول سبحانه وتعالى مذكرا أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم ، بهذا الفضل العظيم : «فليعبدوا رب هذا البيت . الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» . والأمن أيضا هو دعوة أبي الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام « ربّ اجعل هذا البلد آمناً» . فالأمن في القديم والحديث هو المطلب الأول والأهم ، لأنه من دونه لا يمكن أن يتحقق استقرار، أو يزدهر اقتصاد ، أو تتطور تنمية ، بل إن ضعف الأمن أو زواله، يؤدي في أحيان كثيرة إلى ضعف الدول وتدهورها ، وزوالها في نهاية المطاف . ونحن في الكويت ننعم بحمد الله وفضله ، بنعمة الأمن على كل المستويات ، وقد أكد الدستور الكويتي على كون الدولة مسؤولة عن حفظ الأمن لمواطنيها ، فنص في مادته الثامنة على أن «تصون الدولة دعامات المجتمع ، وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين» . وطوال تاريخها ظلت الكويت حصن أمن وأمان لمواطنيها ، وللمقيمين على أرضها وزائريها ، تصون الأرواح والأعراض والممتلكات ، وتحفظ حريات الناس ، وتُجَرّم كل قول أو فعل يؤدي إلى انتهاكها ، أو حتى المساس بها . ومع التأكيد المطلق والجازم على أن حرية الناس كفلها الشرع والدستور ، بضوابطها المعلومة والمنصوص عليها ، والرفض التام لأي مساس بها أو التنصت والتجسس على خصوصية الناس ، فإنّ جهاز أمن الدولة في أي بلد أصله ومبرر وجوده، هو صيانة وحماية الوطن حكومة وشعبا ، وليس حكومة فقط ، فهذا فهم قاصر إن وُجد ، ولا بد أن يُصحح باتجاه المسار الوطني والدستوري الصحيح . لقد عمل في جهاز أمن الدولة كثيرٌ من الأجداد والآباء ، على اختلاف مشاربهم ، ولا يكاد يعرفهم إلا القليل ، لحساسية المكان وأهميته ، وقاموا بدورهم الوطني بلا ضجة ولا انحراف، ولم يُعهد في عهدهم ما يُثار في هذه الأيام ، لأنهم على بساطتهم كانوا واعين تماما بالدور الوطني الذين يقومون به ، وهو حماية الوطن بأكمله .. حماية المواطن والدولة معاً. ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن أي تسريبات من أي جهة ، وخاصة جهاز أمن الدولة ، تدل على خلل خطير ، بل الأمر أبعد من ذلك . ولا شك أن أي تسريب تثبت صحته ، وفيه مساس بحرية وخصوصية المواطنين ، فهو كارثة ، و لا بد أن يحاسب ويعاقب المسؤول عنه ومن معه ممن تجرؤوا على هذا الفعل، الذي يتضمن اعتداء صريحا وصارخا على الدستور ، بل وعلى أمن الوطن نفسه ، وهو ما لا يرتضيه أحد . ومن الضروري في دولة كالكويت توصف بحق ، بأنها «دولة قانون» ، أن يتم النأي بهذا الجهاز عن التجاذبات السياسية الضيقة ، وأن يكون هناك تجرد كامل لمعالجة أي خلل أو قصور ، وأن يعلم القائمون على هذا الجهاز والجميع ، أنهم ما وجدوا إلا لحماية الوطن . وفي حال تكريس هذه الثقافة وترسيخها ، فلن نجد بإذن الله أي مخالفة للدستور ، وسيجد الجميع بين أيديهم جهاز أمن الوطن بأكمله ، بجناحيه الشعب والحكومة. وفي النهاية فإن هدفنا ليس الحديث عن أشخاص بعينهم ، سواء ممن وقع منهم فعل مُؤثّم ، أو ممن طالهم الضرر والأذى جراء هذا الفعل .. وإنما هدفنا أهم من ذلك وأكبر ، هدفنا وغايتنا الكويت التي عرفت يوما معنى ضياع الأمن ، وتبدد الاستقرار، واستوعب أهلها الدرس جيدا ، وأدركوا أن نعمة الأمن أعظم من نعمة النفط والمال والثروات ، وأنه النعمة الأجلّ والأكبر ، والحارسة على كل النعم الأخرى . ومن هنا كان حرص الكويت الدائم – قيادة وشعبا – على أن يظل أمن البلاد بمنأى عن أي استقطاب سياسي ، أو أي تجاذبات قد تنشأ بين السلطتين ، وأن مظلة هذا الأمن تسع الكل وتشمل الجميع . نسال الله تعالى أن يديم على الكويت – قيادة وشعبا – أمنه وأمانه ورحمته ، وأن يوفق أبناءها إلى كل خير ، ويصرف عنهم كل إثم وشر ، «فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين».