د. بركات عوض الهديبان لعل أعظم تقدير لمسيرة سمو الشيخ جابر المبارك ، تمثل في تلك الكلمات الرائعة التي توجه بها صاحب السمو الأمير إلى المبارك ، وعلقها وساماً على صدره ، عقب اعتذاره عن تكليفه برئاسة الحكومة الجديدة ، حيث أكد سمو الأمير أن ما قام به الشيخ جابر المبارك تجاه وطنه ، "سيظل مسطرا في سجل وذاكرة الوطن وشاهدا على ذلك ، فلقد وفيتم وكفيتم" . وكذلك ما قاله سمو ولي العهد للمبارك أيضا : "نقدر تحملكم الأمانة الكبيرة وما حققتموه من إنجازات طيبة ، حازت ثقة أميرنا المفدى واستحسان الجميع" . لقد نطق صاحب السمو الأمير وسمو ولي العهد ، بلسان كل الكويتيين ، الذين عز عليهم أن يغادر سدة المسؤولية والقيادة ، رجل لم يعهدوا منه إلا الخير والحرص على مصلحة الوطن ، والسعي الدائم لخير الكويت وازدهارها . ولا يكاد يختلف اثنان على أن السنوات التي تولى فيها المبارك رئاسة الحكومة ، قد حفلت بالكثير من الإنجازات الكبيرة ، والمشاريع العملاقة في كل المجالات ، الصحية والتعليمية والإسكانية ، وفي مجالات الطرق وإقامة المصانع ومصافي النفط وغيرها . وفي اعتقادنا أن التاريخ سينصف سموه إنصافا كبيرا ومستحقا ، وسيشهد له أنه قدم الكثير ، وقاد حكوماته المتعاقبة إلى تحقيق نهضة عظيمة تليق بالكويت. سيقول التاريخ – حين تهدأ الخواطر وتسكن النفوس – إن الشيخ جابر المبارك كان الأمين بحق ، والمؤتمن بصدق ، على ترجمة سياسات ورؤى صاحب السمو الأمير . وأنه خلال "سنوات الجمر واللهيب" التي شهدتها منطقتنا العربية ، استطاع أن يضع الدبلوماسية الحكيمة والإنسانية لسمو الأمير القائد موضع التنفيذ ، حتى نجت الكويت – بفضل الله تعالى ثم بحكمة قيادتها السياسية – من أي تداعيات للأحداث الخطيرة من حولنا ، فلم تتعطل فيها نهضة ، ولم تتوقف لديها تنمية ، بل على العكس فإنه بشهادة المؤسسات الدولية الكبرى المعنية مثل البنك الدولي وغيره ، فإن المعدلات التنموية في مختلف الميادين قد ازدادت وتصاعدت .. ولعل آخر تلك المؤشرات هو تحسين وضع دولة الكويت في مؤشر "تحسين بيئة الأعمال 2020" ، وانعكاساته الإيجابية المباشرة وغير المباشرة على جعل مناخ الاستثمار في الكويت أكثر جاذبية ، ويصب في تحقيق رؤية الدولة "2035 كويت جديدة" . هذا فضلا عن التأكيدات المتوالية من أرفع المؤسسات العالمية بشأن قوة الاقتصاد الكويتي ، ومتانة الجهاز المصرفي ، وتدني نسب البطالة بدرجة تجعل الكويت في طليعة الدول الناجحة في هذا المجال . وإذا كان سمو الشيخ جابر المبارك قد اتخذ "خطوة جديرة بالثناء ، وسابقة محمودة بأن يعتذر مسؤول في منصب مهم وحساس مثل رئاسة الوزراء ، عن التكليف ، لإبراء ساحته أمام القضاء الشامخ العادل" ، كما عبر عن ذلك رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ، فإن الكويت ستفتقد واحدا من أنبل رجالها ، وأخلص مسؤوليها ، في وقت كانت بأمس الحاجة إليه . لكن المؤكد أنه سيظل – كما قال بنفسه – "جنديا يخدم وطنه وقائده من أي موقع كان" ، فهو كما وصفه صاحب السمو الأمير "أكبر من المنصب ، وأكبرمن كل شيء" . سمو الشيخ جابر المبارك .. تركت موقعك في رئاسة الوزراء ، لكن موقعك باق وسيظل باقيا ، في قلب الكويت وقلوب الكويتيين . وكما ذكرنا فإن التاريخ سينصفك ولن يغمطك حقك ، والله من فوق الكل مطلع وشاهد أنك عملت من أجل هذا الوطن ، وأخلصت له غاية الإخلاص ، مبتغيا رضا ربك ، ومعتزا بثقة أميرك وشعبك . وعند الله الجزاء الأوفي للعاملين المخلصين من أمثالك ، وصدق الله إذ يقول "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا" .