د. بركات عوض الهديبان على الرغم من كل المحن والأزمات والتجارب الصعبة التي مرت بها الكويت ، طوال تاريخها ، فقد ظلت قوية متماسكة ، محافظة على «بنيانها المرصوص» ، ونسيجها المجتمعي الذي استعصى على كل محاولات الاختراق والفتنة . وفي ظل محيط إقليمي يموج بالعواصف والأنواء التي هزت دولا ، ودمرت مجتمعات ، ومزقت وحدتها ، وأحالت عمرانها خرابا ، فقد استطاعت الكويت أن تنجو من تأثير كل تلك العوامل .. ولم يأت ذلك من فراغ ، وإنما لأنها تمسكت بالمبادئ والقيم التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف ، حيث أمرنا الله سبحانه بالاعتصام بدينه ووحدة الصف وعدم الفرقة ، كما في قوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» ، وحذرنا سبحانه من التنازع والخلاف « ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» . كما كان التزام الكويت بمبادئ الدستور والقانون ، واحترام الحريات وحقوق الإنسان ، عاصما لها أيضا من الوقوع ، في ما وقعت فيه دول أخرى من الفتن والشقاق .. ومن ثم كان حرص قيادتها السياسية الدائم على التأكيد على هذه الأصول والأعراف ، وكذلك على إعلاء قيمة الوحدة الوطنية فوق كل اعتبار . ولذلك لم يكف صاحب السمو الأمير عن التنبيه إلى ضرورة التمسك بهذه القيم ، وفي أكثر من مناسبة أكد سموه أنه «من منطلق الحرص على حماية وحدتنا الوطنية ، فلن نسمح أبدا بإثارة الفتنة والبغضاء ، أو العزف على أوتار الطائفية البغيضة ، أو استغلال النزعات القبلية والفئوية والعرقية والطبقية» . ورسخ سموه لتطبيق المبدأ القرآني العظيم ، أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى» ، وكذلك المبدأ الذي نص عليه دستورنا في إحدى مواده بأن «العقوبة شخصية» ، إذ يقول سموه في أحد خطابات النطق السامي أمام مجلس الأمة : «إذا حدث أن اخطأ فرد في حق الوطن أو المجتمع ، أو خان الأمانة ، وفرط بشرف الانتماء الوطني ، فلا يجوز أبدا التعميم على طائفته أو قبيلته ، بغير سند أو دليل» . وهذا ما ينبغي أن يكون نهجا واضحا لنا في كل ما نواجهه من قضايا وأحداث ، وألا يحاول أحد أن يزج بفئة كاملة ، في إطار معين ، لمجرد أن شخصا من هذه الفئة ارتكب جريمة بعينها . إن الانتماء الوطني شرف لكل كويتي ، وقد أثبتت الأحداث ووقائع التاريخ المختلفة ، أن انتماء جميع أبناء الكويت لوطنهم ، أمر ثابت لا يتزعزع ، وأنه ليس قابلا للتفاوض أو المساومة . صحيح أن نفرا من أبنائه قد تزل بهم أقدامهم ، أو ينحرفون عن جادة الطريق ، لكن هذا البلد الطيب ، ينفي خَبَثه ، ويطهر جسده تلقائيا ، ويوقع العقوبة على من يستحقها فقط ، دون تجاوز إلى غيره من الأبرياء ، أو توسع في العقاب ، كما تفعل الدول المستبدة والقمعية ، التي لا تحترم حقوق الإنسان وحرياته . إننا مع كل ما تتخذه الحكومة من إجراءات وتدابير ، لحماية أمن واستقرار البلاد ، والتصدي لأي محاولات لاختراق صفها الوطني أو زعزعة استقرارها .. ومن فضل الله علينا أن حبانا سبحانه قيادة تؤمن بمقولة الخليفة العظيم عمر بن عبد العزيز لأحد ولاته «حصنها بالعدل» .. ونوقن بأن هذا العدل هو أكبر حصن للكويت ، وأقوى سور لحمايتها من كل عوامل الفتن ، ودواعي الشرور .