د. بركات عوض الهديبان عندما اختار الشعب الكويتي الديمقراطية أسلوباً للحكم ، ونهجاً للعمل السياسي ، فإنه كان يفعل ذلك واعياً بأن مجتمعه له خصوصيته الأخلاقية والقيمية ، وأن هذه الخصوصية لا تسمح لأيٍ كان أن يتجاوز الحدود والأعراف والمبادئ ، باسم الحرية أو الديمقراطية .. وظل الكويتيون محافظين على هذا الإرث القيمي الرفيع ، ومتمسكين بما أرساه الآباء المؤسسون ، الذين وضعوا الدستور ، واختطوا لنا النهج الذي ننعم به الآن ، ونباهي به الآخرين في المنطقة والعالم . ولكن في السنوات الأخيرة بدأنا نلمح خروجا عن هذا النهج ، وشططا في الممارسة النيابية ، يجنح بها إلى منطقة لا نقبل بها ، ولا نرتضيها لأنفسنا ومجتمعنا . ولأننا أصحاب دين يعلي من شأن القيم والأخلاق ، ولأن من تعاليمه لنا «لا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان» ، وما رسخه في نفوسنا أيضا نبينا – صلى الله عليه وسلم – بقوله «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» .. لهذا كله كانت صدمتنا كبيرة بما جرى في جلسة مجلس الأمة أمس ، من محاولة للإطاحة بكل هذا الإرث العظيم ، سواء كان إرثا دينيا أو ديمقراطيا ، عبر التجريح والإساءة إلى كرامات الناس وأعراضهم، وهو ما لم يعتده أو يألفه مجتمعنا الذي يصون الحرمات ، ويحميها من المساس أو الانتهاك . ولهذا السبب نفسه كان تقدير المواطنين كبيرا ، لما قام به رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ، عندما رفع جلسة الأمس ، ورفض أن تتحول قاعة عبد الله السالم إلى ساحة للسباب والشتائم ، أو أن تتخذ سلاحاً للغمز واللمز في الآخرين ، فهذا هو دوره وواجبه ومسؤوليته أمام الله ، ثم أمام شعبه ومجتمعه ، ونشهد أنه لم يتخلّ يوما عن هذا الدور وتلك المسؤولية ، وأنه كان دوما عند حسن الظن به . لقد شهد المجلس في اليوم السابق لذلك ، ممارسة ديمقراطية راقية ، من خلال مناقشة استجواب برلماني ، كان كل أطرافه من الرقي والاحترام ، بحيث لم يتطرق أحد إلى شيء يمس بأخلاق الآخرين أو أعراضهم وكراماتهم .. وقد اعتاد الشعب الكويتي على تلك الممارسات الديمقراطية القوية ، ولم يعد يجد فيها أي غضاضة ، لكنه لم يعتد ولن يعتاد على تجاوز القيم والتعدي على الأخلاقيات ، وتلك هي الرسالة التي ينبغي أن تكون قد وصلت للجميع ، حتى لا يتكرر المشهد المسيء الذي حدث أمس ، وحتى تظل الديمقراطية الكويتية نموذجا راقيا ومحترما ، وجديرا بأن يقتدي به الآخرون ، ويسيروا على نهجه .