د. بركات عوض الهديبان في هذه الأيام المباركة من كل عام ، يستذكر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ، المعاني والمبادئ والقيم التي أرساها هذا الدين العظيم ، وحياً يتلى إلى قيام الساعة ، أو سنة قولية وعملية لنبيهم المصطفى ، صلى الله عليه وسلم . إن مشهد ملايين الحجيج وهو يجتمعون اليوم على صعيد عرفات ، لهو أعظم المشاهد التي يسجلها تاريخ البشر ، الدالة على من ناحية على الامتثال لأوامر الله، تاسياً بأبي الأنبياء إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام ، والدالة من ناحية أخرى على الأخوة الإنسانية، والمساواة بين كل الخلق ، فهم كما قال نبينا الكريم في خطبة الوداع «كلكم لآدم ، وآدم من تراب .. لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى» . ومن هنا فإن الحجيج وهم وقوف بعرفة اليوم ، يستشعرون في هذا الموقف العظيم معنى العبودية الخالصة لله سبحانه ، وأن كل ما يؤدونه من شعائر ومناسك ، يفضي إلى هدف واحد أسمى وأجل ، وهو التقوى والخوف من الله ، والاستعداد ليوم يلقونه فيه سبحانه ، وتوفى كل نفس ما عملت ، راجين أن ينالوا عفو الله ومغفرته ، وأن يُلقوا في الآخرة «تحيةً وسلاماً». وتظل حاضرة وحية وفاعلة في هذا اليوم ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، تلك المعاني السامية التي حرص نبي الهدى ، عليه أفضل الصلوات والتسليمات، أن يرسخها في عقول المسلمين ، في حجة الوداع، خاصة ما تذكرنا به أحداث الأمة الواقعة الآن ، والتي كأنما كان النبي يشير إليها بقوله «أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا .. ألا هل بلغت اللهم فاشهد» .. وكذلك تحذيره الشديد «أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه .. ألا هل بلغت اللهم فاشهد . فلا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده ، كتاب الله وسنة نبيه». تُرى لو أننا تمسكنا بهذا النهج النبوي السديد ، هل كانت أمتنا تعاني ما تعانيه الآن من اقتتال وحروب أهليه ، وسقوط مئات الآلاف من أبنائها قتلى ، وتشريد الملايين منهم في الداخل والخارج ، وذلك «الوهن» الذي أصاب المسلمين وجعلهم – بالتعبير النبوي أيضا – «غثاء كغثاء السيل» ؟. إن أقصى ما نتمناه وندعو الله به في هذه الأيام المباركة، أن يجمع الله شمل الأمة الإسلامية ، ويوحد صفوفهم ، ويؤلف بين قلوبهم ، ويهديهم إلى سبيل الرشاد .. إنه على ما يشاء قدير ، وبالإجابة جدير . وكل عام وأنتم بخير .