د. بركات عوض الهديبان لم تكن أزمة سحب سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين من دولة قطر، هي الأزمة الأولى التي يواجهها مجلس التعاون الخليجي، وإن كانت الأكبر والأخطر في مسيرته التي تمتد أكثر من ثلاثة عقود، منذ تأسيسه في العام 1981، فقد سبق أن ظهرت معوقات عديدة أمامه، أقربها إلى الأذهان الخلاف حول مشروع التحول نحو حالة الاتحاد، والذي عارضته بشكل صريح سلطنة عمان، واستند مسؤولوها في ذلك إلى أنهم راغبون في أن تبقى علاقاتهم قوية مع كل دول المنطقة، بما فيها إيران، ولا يريدون للسلطنة أن تكون في حالة استقطاب ضد أحد، فضلا بالطبع عن الخلاف المعروف بشأن العملة النقدية الموحدة، والذي عارضته أيضا دولتان من دول المجلس، كذلك التباين الذي لا يزال قائما حول الاتفاقية الأمنية الخليجية، والتي أقرتها خمس دول، فيما ووجهت بمعارضة قوية من معظم القوى السياسية في الكويت، واضطر مجلس الأمة إلى تأجيل التصويت عليها، حتى تتاح الفرصة لمناقشتها بشكل أكثر استفاضة واتخاذ موقف نهائي منها . كل هذه القضايا الخلافية لم تفتّ في عضد المجلس، ولم تنل من بنيانه الذي أثبت متانته، وسجل حضورا فاعلا ومشهودا، إقليميا ودوليا، أمام أخطر الأزمات والتحديات التي واجهت دوله، والتي كان يمكن أن تعصف بها، لو واجهتها منفردة، وكلنا يذكر جيدا كيف كان الموقف الصلب والعنيد لمجلس التعاون خلال محنة الغزو العراقي للكويت، وهو الموقف الذي تجاوب معه المجتمع الدولي كله، وترجمه في أكبر حشد عسكري عالمي عرفه التاريخ الحديث، تأييدا لحق الكويت، وانتصارا لقضاياها العادلة .. كما كانت وحدة دول المجلس أيضا سدا منيعا جعل منها واحة الاستقرار الوحيدة تقريبا في المنطقة العربية، في أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربي، وما ترتب عليها من تداعيات خطيرة، أدت إلى اهتزاز أمن واستقرار دول كثيرة من حولنا . وبالتأكيد فإن أحدا لا يتوقع أن تمضي مسيرة منظومة إقليمية مهمة، كمجلس التعاون الخليجي، من دون أزمات، لكن المهم ألا ندع هذه الأزمات تبدد جهود ثلاثة وثلاثين عاما من الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا المجلس .. ونحن موقنون بأن ذلك لن يحدث، وواثقون في حكمة قادتنا، وقدرتهم على تجاوز هذه المحنة الأخيرة، واستعادة روح التضامن والتكاتف إلى الجسد الخليجي مرة أخرى .. يعزز من هذا التفاؤل أن الدول الثلاث «السعودية والإمارات والبحرين» حرصت على أن تؤكد في بيانها أن أملها لم ينقطع في أن تعود المياه إلى مجاريها، عبر التزام قطر بما تم الاتفاق عليه معها في بعض الأمور، وأنها حريصة تماما على أمن واستقرار قطر حكومة وشعبا، وبالقدر نفسه فقد كان رد الفعل القطري متوازنا إلى حد كبير، رافضا عدم التصعيد عبر وسائل الإعلام، والتأكيد على أن الدوحة لن تسحب سفراءها من عواصم شقيقاتها الخليجيات، بما يعطي مساحة لتجاوز الخلاف، وطي صفحته بأسرع وقت ممكن . وإذا كانت أعين الكويتيين والخليجيين جميعا تتطلع إلى الدور الذي يمكن أن يقوم به صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، لرأب الصدع، وجمع الأشقاء مجددا على طاولة واحدة، بهدف تصفية الأجواء وإنهاء الأزمة الأخيرة، فإن سموه جدير بهذه الثقة الغالية، وهي ثقة مجربة، من قائد أمين على مصالح وقضايا أمته، ومستحق بامتياز لأن تقلده الأمة لقب «حكيم العرب» .