كتب د. بركات عوض الهديبان نضع أيدينا على قلوبنا ونحن نتابع هذه التطورات الخطيرة التي تشهدها مصر، خوفا على البلد الشقيق من أي تداعيات قد تهدد أمنه واستقراره، وتدخله في دوامة العنف والإرهاب التي ما دخلها بلد إلا وعمته الفوضى، وانتشر فيه الخراب والدمار. نعرف أن الوضع شديد التعقيد، وبالغ الدقة والحساسية، لكن معدن الأمم العظيمة والشعوب الحية يظهر في وقت المحن والشدائد، حيث تتجلى القدرة الحقيقية على تجاوز تلك الظروف، من دون خسائر، أو بأقل الخسائر الممكنة.. ولا نزال نثق في أن مصر واحدة من هذه الشعوب القوية والقادرة على تخطي الصعاب، كما وصفها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، في البرقية التي وجهها إلى الرئيس المصري الجديد. ولا يحتاج المصريون إلى «وصفة» للإنقاذ، ولتفادي الأسوأ، فلديهم من الخبرات والكفاءات ما يغنيهم عن ذلك، لكن حق الشقيق على شقيقه أن يسدي له النصيحة، وأن يذكره «لعل الذكرى تنفع المؤمنين».. ومن هذا المنطلق فإننا نناشد الأشقاء في مصر أن يلموا شملهم من جديد، وأن يعوا جيدا أن وحدتهم «فريضة واجبة وحتمية»، فريضة بالمعنى الديني وبالمعنى السياسي، وبكل المعاني الأخرى، وأنه بغير هذه الوحدة لن يستطيعوا إنجاز أي شيء، أو تحقيق أي تقدم. ولا شك أن هذه المهمة تقع بالدرجة الأولى على السلطة الحاكمة الجديدة، ومعها الأحزاب والقوى السياسية التي تشكل معا «جبهة الإنقاذ»، لكن دور التيار الإسلامي، وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، لا يقل خطورة وأهمية، وينبغي ألا تسقط «الجماعة» في فخ العنف، بذريعة أن هناك «انقلابا» – بحسب تعبيرها وقع على الشرعية – فإذا كانت تراه انقلابا، فإن هناك الملايين من المصريين رأوا فيه «ثورة ثانية»، أو تصحيحا لمسار ثورة 25 يناير. ولأن الإخوان المسلمين هم في الأصل جماعة دعوية، قبل أن يكونوا جماعة سياسية، فإن الجميع يتطلع إليهم في هذا الظرف الدقيق، لكي يثبتوا لشعبهم وللعالم كله، أنهم أصحاب رسالة، وليسوا طلاب سلطة، وأن أمن بلدهم واستقراره مقدم على أي مطامح أو تطلعات حزبية وفئوية، وأنهم قادرون على كبح جماح أتباعهم، ومنعهم من الانجرار إلى العنف، حتى لا تغرق مصر العزيزة في بحر من الدماء، كما حدث في دول أخرى، ويفترض أنهم الأدرى بمدى حرمة الدماء، ومدى حرص الإسلام على حياة الإنسان وكرامته وعرضه، ويحفظون جيدا قوله تعالى «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل نفس مؤمنة». أخيرا فإن استمرار النزاع حول «الشرعية» مع من ومن حق من، لن يفضي إلى شيء، فإذا كان الرئيس السابق محمد مرسي يحتج بأن معه شرعية الانتخابات، فإن ذلك صحيحا، ولكن مافرضه الشارع أمر آخر.. ولا حل الآن إلا بإجراء مصالحة وطنية، عبر عملية سياسية ديمقراطية، تستوعب الجميع، ولا تقصي أحدا، وتقدم مصلحة مصر، على كل ما عداها من مصالح وأهواء.