كتب د. بركات عوض الهديبان في الوقت الذي تتوالى فيه الشهادات من دول ومنظمات عالمية شهيرة، والتي تؤكد جميعها أن الكويت تتبوأ المرتبة الأولى في المنطقة العربية، على صعيد الديمقراطية والحريات عموما، وبالأخص منها حرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام، يفاجأ الشارع الكويتي بقانون يأتي معاكسا لاتجاه الريح محليا ودوليا، ومشحونا بمواد تناقض كل هذه الحريات، وتمثل «ردة» حضارية لا تليق بهذا البلد. صحيح أن الفترة الماضية شهدت تجاوزات كثيرة، وبشكل خاص في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن معالجة هذه التجاوزات لا تكون من خلال قانون يعيدنا إلى الوراء، ويظهر الكويت أمام العالم كله وكأنها دولة قامعة للحريات، ورافضة للتطور والحداثة، وساعية إلى فرض قيود وأغلال على الكتاب والصحافيين والمدونين والنشطاء السياسيين. والمفارقة أن كل ذلك ليس صحيحا بالمرة، وأن الحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن بلادنا تنعم بمساحة كبيرة من الحرية والديمقراطية، وتباهي بأنها لا تعرف ظاهرة «سجناء الرأي» المتفشية في الكثير من دول العالم الثالث، فلماذا إذن تسعى الحكومة، عبر تشريع مشوه ومبتور، إلى محو هذه الصورة الرائعة، وتثبيت أخرى مكانها مليئة بالبثور والتشوهات؟! لسنا ضد أن توضع للإعلام ولوسائل الاتصال الجماهيري عموما ضوابط تنظم عملها، وتحول بينها وبين الانزلاق إلى الفوضى المدمرة، وتحصنها من أن تتحول إلى «عبث» و«نزق»، كما هو مشهود الآن، خصوصا في دول الربيع العربي، لكن هناك فرقا كبيرا بين «الضوابط» والأغلال.. الأولى تحدد الأطر والأنساق القانونية الصحيحة لممارسة العمل الإعلامي، وتحول بينه وبين الإضرار بالمجتمع، أو المساس بثوابته الدينية والقيمية، أو هز أمنه واستقراره، أما الثانية فإنها «تكبل» العمل الإعلامي وتشل حركته، وتحبط العاملين فيه، وتهددهم دوما بالسجن والغرامات الباهظة، وتبدد كل المكتسبات الدستورية والديمقراطية التي تحققت للوطن والمواطنين، على مدى عقود طويلة، وتجعل من هذه المهنة النبيلة «شبحا» يخيف كل من يمتهنها أو يفكر في العمل بها. قانون الإعلام الموحد لم يفعل أكثر من أنه وحد كل قوى المجتمع ضده، ولذلك فإنه ليس عيبا أن تقوم الحكومة بمراجعته من جديد، وأن تتعلم من هذه التجربة درسا مهما جدا، وهو ضرورة مراجعة أصحاب الشأن، قبل الإقدام على إصدار أي مشروع بقانون، حتى «يفتوها» فيما يجوز وما لا يجوز، ويشيروا عليها بما يرونه صوابا.. بالتأكيد فإنه لا سلطة لأحد من الإعلاميين في أن يفرض على الحكومة صيغة معينة للقانون، ولكن بإمكانهم على الأقل أن يبصروها بمواضع الزلل، كي تجتنبها، عملا بالمثل السائر «أهل مكة أدرى بشعابها»!