قبل ساعات قليلة من صدور حكم المحكمة الدستورية أمس برفض الطعن المقدم لها من الحكومة في قانون الدوائر الخمس، كان بعض النواب يقفون في ساحة الإرادة، ويصفون هذه المحكمة رفيعة الشأن والمقام بأنها «مسيسة»، مكررين مقولات سبق أن رددوها من قبل، والمؤسف أن بينهم رجال قانون، بل إن أحدهم وهو الذي يدرس القانون لطلبة الجامعة قال يوماً: «إن الحكم الذي ستصدره المحكمة الدستورية منعدم، ولا قيمة له، وهو والعدم سواء»!. وكان واضحاً للجميع بالطبع أنهم بنوا مواقفهم «الاستباقية» هذه، استناداً إلى توقعهم بأن المحكمة الدستورية ستقضي بقبول الطعن الحكومي، ومن ثم تصبح الدوائر الخمس غير دستورية، وهم ذهبوا في سوء الظن بقضائنا العادل والنزيه أبعد مدى ممكن، متوهمين أنه ما دامت الحكومة ترى أن قانون الدوائر غير دستوري، فإن المحكمة الدستورية لا يمكن أن ترى رأياً آخر، ونسوا - أو تناسوا - أن المحكمة ذاتها هي التي قضت قبل ثلاثة أشهر فقط من حكمها التاريخي أمس، ببطلان المرسوم الأميري الخاص بالدعوة إلى انتخابات مجلس 2012، وأن القيادة السياسية التي تعبر دوماً عن تقديرها البالغ للقضاء، أكدت في كلتا المناسبتين احترامها التام لأحكام المحكمة الدستورية، وتكليف الحكومة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بوضع هذه الأحكام موضع التطبيق. وعلى الرغم من الأخطاء الكارثية التي وقعت فيها أغلبية المجلس المبطل، فإننا لا نريد لهذا الحكم التاريخي الجديد، أن يتحول إلى مناسبة لـ«التلاوم»، أو تبادل الاتهامات وتشكيك كل طرف في الآخر، بل نراه على العكس فرصة لبدء مرحلة جديدة أساسها الثقة والتعاون بين كل الأطراف من أجل مصلحة الكويت، فقد أبطلت المحكمة الدستورية حجج المنادين باستمرار التصعيد، وأكدت للجميع أن الكويت كانت وستظل بلداً ديمقراطياً يقوم نظامه على أساس دستوري وقانوني، وأنه يطبق بشكل راقٍ ومحترم المبدأ الذي نص عليه الدستور، وهو الفصل بين السلطات، وعدم زحف أي سلطة على صلاحيات واختصاصات السلطة الأخرى. لم يكن لدينا يوماً أي شك في نزاهة قضائنا وعدالته واستقلاليته، لكن حكم الأمس يمنحنا الكثير من اليقين والاطمئنان إلى هذا الصرح العظيم، ويقطع دابر الشكوك والأقاويل التي حاولت تشويه سمعة القضاء أو النيل منه وإثارة الغبار في وجهه، هذا الحكم يقول للكافة داخل البلاد وخارجها أن في الكويت قضاء نزيهاً مستقلاً يشرف بلادنا، ويجعلنا فخورين به بحق، وفي الكويت أيضاً سلطة تحترم القضاء، كما تحترم - قولاً وعملاً - مبدأ الفصل بين السلطات. لقد أثبتت الكويت بهذا الحكم التاريخي أن ديمقراطيتها ليست مجرد مظهر، كما يروج البعض، وإنما هي جوهر فاعل وحيوي جدير بكل احترام وتقدير.. وهو حكم يفتح باب الأمل أمام عودة الهدوء والاستقرار السياسي إلى البلاد، لنعيد من جديد نهضتنا الاقتصادية وازدهارنا الثقافي والاجتماعي، ونضع الكويت مرة أخرى في الصدارة التي تستحقها، والتي غيّبها طويلاً أمران خطيران، هما: الجدل.. وقلة العمل! د. بركات عوض الهديبان