
أكد السفير البوسني لدى البلاد نصرت تشانتشار أن الكويت والدول الخليجية والعربية كانت من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال البوسنة، ولسوء الحظ، فقد اندلعت الحرب مباشرة بعد الاستقلال ، مشيرا إلى أن الكويت وشقيقاتها العربية قدمت المساعدة الشاملة مادياً وسياسياً للدفاع عن البوسنة، وهذا أمر مستمر حتى يومنا هذا.
وأضاف تشانتشار في لقاء ببرنامج "الأثير" الذي يذاع على قناة الصباح الفضائية أن هناك قاعدة واسعة جداً للتعاون في مجال الطاقة. فلقد أصبحت الطاقة حاجة أساسية للتطور الحضاري، وبسبب الوضع الجغرافي للبوسنة، فإن قيمتها تزداد في هذا المجال لأن السوق الأوروبية تستهلك كل إنتاج القارة من الطاقة، وخصوصاً الطاقة الخضراء، لذا فهناك قاعدة كبيرة للتعاون لكن لسوء الحظ، فإن أشقاءنا العرب لم يقوموا باستثمارات كافية في هذا المجال. أول دولة استثمرت في مجال الطاقة المتجددة في البوسنة هي النمسا ثم النرويج، ونرجو أن يهتم إخوتنا الكويتيون والخليجيون بالاستثمار في هذا المجال.
وأكد أن البوسنة دولة منفتحة تريد بناء علاقات جيدة مع جميع الأشقاء والأصدقاء الذين يبدون رغبة في السلم، مبينا أن علاقات بلاده مع العالم العربي عميقة وواسعة منذ ما قبل الاستقلال، وفي بعض الأحيان والمجالات، كانت أوسع وأعمق مما هي عليه في وقتنا هذا.
وأردف: لدينا علاقات اقتصادية وسياسية مع العالم العربي، وأذكر هنا أن أبراج الكويت بنتها أيدٍ عاملة بوسنية كما أن شركة زينيسا البوسنية أسهمت في بناء هذه الأبراج التي افتتحت عام 79 كما أن اتفاقية التوأمة بين مدينتي الكويت وسراييفو تمت في ذلك الوقت.
وذكر أن الكويت قدمت المساعدة أثناء الحرب وكذلك في إعادة الإعمار بعد الحرب، وكانت من أوائل الدول التي دخلت برأس مال حكومي لإعادة إعمار البوسنة، وشاركت عبر هيئة الاستثمار في أكبر مصنع للحديد الصلب في البوسنة، وفي مشروع ترميم المركز الإداري الأكبر في سراييفو لأنه أُحرق تماماً. هذه كانت مساهمة رأس المالي الحكومي، وبعد ذلك، جاءت المبادرات من المواطنين الكويتيين والقطاع الخاص واستمرت حتى يومنا هذا.
وإلى تفاصيل اللقاء...
• سعادة السفير، أهلا بك وشكراً لك لقبول دعوتنا.
- شكراً لكم.
هذه الحلقة قد تحمل من المعاني الكثير بالنسبة للبوسنة لأنها تتزامن مع الذكرى الثانية والثلاثين لاستقلالها. لنبدأ حوارنا بالدور الذي لعبته الكويت والدول العربية في استقلال البوسنة وانتشالها من الأزمة الخانقة التي كانت تعيشها.
نحن نحتفل في الأول مارس بعيد استقلال البوسنة والهرسك الذي حصل في عام 92 بعد الاستفتاء الذي أجرته المجموعة الأوروبية آنذاك، وبلغت نسبة المشاركة فيه 64 % من المواطنين البوسنيين، و99.7 % منهم صوتوا لصالح الاستقلال. وبعد هذا الاستفتاء، اعترف المجموعة الأوروبية بالبوسنة في 6 إبريل عام 92، وكذلك في 22 مايو من نفس العام.
• ما الدور الذي لعبته الكويت والدول العربية في احتضان البوسنة كدولة ناشئة؟
- الكويت والدول الخليجية والعربية كانت من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال البوسنة، ولسوء الحظ، فقد اندلعت الحرب مباشرة بعد الاستقلال. وقدمت الكويت وشقيقاتها العربية المساعدة الشاملة مادياً وسياسياً للدفاع عن البوسنة، وهذا أمر مستمر حتى يومنا هذا.
• التعاون بين الكويت والبوسنة يأخذ أشكالاً متعددة، وفي خضم أزمة الطاقة العالمية، فإن الطاقة المتجددة هي من المواضيع الحيوية بالنسبة للبوسنة. ما مدى التعاون بينكم وبين الكويت في هذا الإطار؟
-هناك قاعدة واسعة جداً للتعاون في هذا المجال. لقد أصبحت الطاقة حاجة أساسية للتطور الحضاري، وبسبب الوضع الجغرافي للبوسنة، فإن قيمتها تزداد في هذا المجال لأن السوق الأوروبية تستهلك كل إنتاج القارة من الطاقة، وخصوصاً الطاقة الخضراء، لذا فهناك قاعدة كبيرة للتعاون لكن لسوء الحظ، فإن أشقاءنا العرب لم يقوموا باستثمارات كافية في هذا المجال. أول دولة استثمرت في مجال الطاقة المتجددة في البوسنة هي النمسا ثم النرويج، ونرجو أن يهتم إخوتنا الكويتيون والخليجيون بالاستثمار في هذا المجال.
• البوسنة دولة ذات ثقل، فما الدور التي تلعبه سياسياً في منطقة الخليج، وما الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها في هذه المنطقة؟
- البوسنة دولة منفتحة تريد بناء علاقات جيدة مع جميع الأشقاء والأصدقاء اليذن يبدون رغبة في السلم. علاقاتنا مع العالم العربي عميقة وواسعة منذ ما قبل الاستقلال، وفي بعض الأحيان والمجالات، كانت أوسع وأعمق مما هي عليه في وقتنا هذا. في حقبة يوغسلافيا الاشتراكية وتيتو وحركة عدم الانحياز، كانت البوسنة واحدة من ست جمهوريات. لدينا علاقات اقتصادية وسياسية مع العالم العربي، وأذكر هنا أن أبراج الكويت بنتها أيدٍ عاملة بوسنية كما أن شركة زينيسا البوسنية أسهمت في بناء هذه الأبراج التي افتتحت عام 79 كما أن اتفاقية التوأمة بين مدينتي الكويت وسراييفو تمت في ذلك الوقت.
• لماذا اختارت الكويت سراييفو في اتفاقية التوأمة هذه رغم وجود مدن ودول كبيرة ومعروفة جداً في يوغوسلافيا؟
- الجواب هو التقارب الروحي والثقافي والديني بين البلدين. ومنذ ذلك الوقت ونحن أشقاء في الجانب السياسي.
• بالحديث عن هذه التوأمة والأخوة بين الكويت والبوسنة، بماذا تخبرني عن دور الكويت في الحفاظ على استقرار البوسنة وسط التوترات والتغيرات السياسية التي تشدها منطقة البلقان؟
-قدمت الكويت المساعدة أثناء الحرب وكذلك في إعادة الإعمار بعد الحرب، وكانت من أوائل الدول التي دخلت برأس مال حكومي لإعادة إعمار البوسنة، وشاركت عبر هيئة الاستثمار في أكبر مصنع للحديد الصلب في البوسنة، وفي مشروع ترميم المركز الإداري الأكبر في سراييفو لأنه أُحرق تماماً. هذه كانت مساهمة رأس المالي الحكومي، وبعد ذلك، جاءت المبادرات من المواطنين الكويتيين والقطاع الخاص واستمرت حتى يومنا هذا.
• شهدت البوسنة ما شهدت من ويلات الحروب والانقسامات والخلافات الطائفية. وأنتم تسعون إلى الدخول في الاتحاد الأوروبي، ما الخطوات التي تقوم بها البوسنة لتخفيف حدة هذه التوترات من أجل تلبية متطلبات الاتحاد الأوروبي وضمان انضمامكم؟
- قطعت البوسنة في السنوات الخمس الأخيرة خطوات كبيرة نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ونتوقع أن يتم ذلك في صيف أو خريف هذا العام. الاتحاد الأوروبي بدأ يستشعر أهمية قضية البوسنة والسلام الأوروبي لأن أوروبا عانت كثيراً أثناء العدوان على البوسنة وفي حروب البلقان، والآن هناك أصوات أقوى تنادي بانضمام بقية دول البلقان، فبعد العدوان الروسي على أوكرانيا، أصبحت هذه المنطقة كاملة ذات أهمية كبرى لأن الدوائر السياسية اليمينية التي تحظى بتأييد روسيا أصبحت أخطر وبدأت المشاريع السياسية التوسعية القديمة تعود من جديد. لذا، يرى الاتحاد الأوروبي أنه لا بد من انضمام تلك الدول لضمان الاستقرار والتقدم في القارة الأوروبية.
• هذا يقودني إلى الحديث عن المأساة الكبرى في تاريخ البوسنة، وهي مأساة سيربرنيتسا. ما هي الخطوات التي تقوم بها البوسنة لكي تضمن تحقيق العدالة لضحايا المجزرة ومحاسبة المسؤولين عنها وضمان ألا تتكرر مرة أخرى؟
- في العام الماضي، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً خاصاً بهذه القضية. جرح سيربرنيتسا ليس جرحاً بوسنياً فقط بل هو جرح على الجسم الأوروبي بأكمله، فمجازر سيربرنيتسا والإبادة الجماعية هي أكبر جريمة بعد الحرب العالمية الثانية. أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بإحياء ذكرى 11 يوليو لتنعش الذاكرة الأوروبية والدولية حيال المجازر التي ارتكبت في سيربرنيتسا. المجتمع البوسني يقدم مساهمة رمزية لبناء السلام خصوصاً في الأوقات التي تتكرر فيها الجرائم. أمام أعين العالم، يقتل آلاف الأبرياء والأطفال والنساء والعجزة. وذكرى الإبادة الجماعية في سربرنيتسا يمكن أن تساعدنا في تشكيل موقفنا ومقاومة تغيير هذا التاريخ. إذا استسلمنا لمحاولات تغيير التاريخ، فستكون حياتنا جحيماً.
• الحديث عن مجزرة سربرنيتسا يقود إلى الحديث عن مجزرة غزة. هل تعتقد أن العالم أصبح أصم وأعمى عندما تحصل مجازر كهذه؟
- 50 ألف شهيد في غزة وعشرات الآلاف من المفقودين والجرحى والبنى التحتية التي تهدمت. جريمة إبادة مكتملة الأركان تحت أنظار العالم ولم يتحرك المجتمع الدولي.
نحن البوسنيين نفهم هذه القضية بشكل أعمق من الآخرين لأننا عشنا ما يجري في غزة. للأسف، يبدو أن العالم وقياداته فقدوا الإحساس بهذه القضية، فالجميع مشغول بنفسه وأولوياته التي أمست غريبة مقارنة بالأوقات الماضية. المجازر والإبادة في غزة تحصل أمام أعين العالم، ومهما كانت نهايتها، فإنها ستبقى عاراً على الضمير الدولي بأكمله. وعلى ذكر الإبادة الجماعية البوسنية، أذكر بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام الماضي، أصدرت قراراً بالإبادة الجماعية التي وقعت في سربرنيتسا عام 95، وقد ألزم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالحضور في إحياء ذكرى تلك المجازر لكي لا تتكرر. البوسنة، دولة وشعباً وثقافة، تعتبر هذا القرار مساهمة رمزية منها لإحلال السلام الدولي، ونريد للعالم أن يتعلم من القضية البوسنية والفلسطينية لكي لا تتكرر هذه الفظائع في المستقبل.
• الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلب من مصر والأردن أن تستضيف مليون ونصف المليون فلسطيني من غزة لكي يحل الأزمة في القطاع. هل تقبل البوسنة مقترحاً كهذا؟ وكيف تنظر إليه؟
-لا، إطلاقاً. البوسنة ترى أن هذا الاقتراح غريب جداً وغير مسبوق، ولن يحل القضية بل إنه سيزيد حجم المأساة ويعمق عدم الاستقرار. هل عرفت قضية في الماضي حلت من خلال تهجير الملايين من مكان إلى آخر بما يخالف القوانين الإلهية والبشرية؟
• ما الحل في وجهة نظر البوسنة؟ هل تدعو إلى حل الدولتين؟
- كما بينّا دائماً، نحن ندعم حل الدولتين وتأسيس دولة فلسطينية عند حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية وهذا هو الموقف الرسمي للبوسنة تجاه قضية فلسطين التي نؤيدها في منظمة التعاون الإسلامي وفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
• أود أن أستطلع رأي البوسنة في مستقبل سوريا فيما بعد الأسد. يرى البعض أن الأمور تأخذ منحىً إيجابياً بينما لا يشعر غيرهم بالتفاؤل. كيف ترون المستقبل في سوريا بعد زوال حكم الأسد؟
- ما كان يحصل في سوريا هو مأساة أيضاً، فمن غير المعقول وقوع حرب داخلية بين أهل البلد الواحد. نحن سعداء بانتهاء هذه الكارثة، ونرى أن مستقبل سوريا سيكون مشرقاً إذا اعتنقت القيادة السورية الحالية مبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة. لدينا علاقات ديبلوماسية قديمة مع سوريا. ليست لدينا سفارة في دمشق لكننا نغطي شؤونها من عمّان، ونتوقع أن تستقر أمور سوريا. البوسنة شاركت بقافلات إغاثة في كل من سوريا وغزة، ويد المساعدة البوسنية مفتوحة باستمرار.
• أنت سفير فوق العادة، وهذا يلقي عليك مسؤوليات أكبر بصفتك ممثلاً للرئيس البوسني وللجمهورية. كيف تجد حياتك الشخصية وقتاً في خضم هذه الأعباء الدبلوماسية؟
- ليس لدي الكثير من الوقت، فهذه السفارة صغيرة الحجم، وواجباتي كثيرة. في وقت فراغي، أحب زيارة الآثار الكويتية التاريخية والتمتع بجمال الطبيعة. شارع الخليج العربي والمنطقة التي يمتد عليها هي المضلة لدي، وهي مناسبة لممارسة الرياضة كما أشارك في الفعاليات والحفلات وأزور الديوانيات. نحن مقبلون على رمضان، والديوانيات تنتعش في رمضان بشيء من الاختلاف، ويتحول الاهتمام إلى إقامة الغبقات، وهذه ميزة خاصة بالمجتمع الكويتي، فقد عملت سفيراً في قطر والإمارات، والعادات الكويتية تختلف عن مثيلاتها في الدول الأخرى. يحتفظ المجتمع الكويتي بشيء من روح الماضي في هذا الزمن الرقمي، ويرتاد أهله الديوانيات بشكل حيوي، ويحافظون على هذا الموروث. إنها فرصة نادرة للمشاركة في فعاليات اجتماعية تقليدية لأن الناس مشغولون بأنفسهم، ولم يعد لديهم وقت للالتقاء، لذا، فالديوانيات هي آخر أشكال التواصل الاجتماعي الحقيقي، وتمنح الناس فرصة التحدث معاً وحل مشكلاتهم، والقيام بمبادرات خيرية وتبادل الآراء في مختلف القضايا، وهذا مهم جداً.
• عملت سفيراً في قطر والإمارات، وكنت أيضاً في ألبانيا. كيف شكلت هذه الخبرة الدبلوماسية شخصية السفير نصرت تشانتشار؟ وماذا أضافت له هذه الخبرة الدبلوماسية؟
- أنا أعيش في العالم العربي من 20 عاماً، منها 15 عاماً كنت فيها سفيراً. قبل التجربة الدبلوماسية، كنت نشطاً في دوائر الثقافة والأدب لأنني درست الفلسفة والأدب العربي واللغة العربية، ووجدت الروح العربية منفتحة جداً. ثم انتقلت إلى الدبلوماسية ووجدتها مختلفة ومحكومة بظروف خاصة تسعى لتحقيق أهداف معينة. وأهداف العالم العربي في هذه الأوقات هي أهداف تكون في كثير من الأحيان بعيدة المدى.
• أدركني الوقت. سررت جداً بالحوار معك وأشكرك على كل ما تفضلت به.
-شكراً لك، وأهلاً بكم دائماً.