
القاهرة – «وكالات»: أثارت قافلة «الصمود المغاربية»، التي انطلقت من تونس مروراً بليبيا في طريقها إلى معبر رفح، جدلاً واسعاً في مصر بين ترحيب شعبي ملحوظ على مواقع التواصل الاجتماعي وارتباك واضح في تعاطي بعض الجهات المحسوبة على السلطة، في ظل غياب إعلان رسمي واضح من الحكومة المصرية بشأن مصير القافلة أو إمكانية السماح لها بالوصول إلى غزة. وتضم القافلة مئات المتطوعين من تونس والجزائر، انطلقوا على متن أكثر من 160 مركبة محمّلة بمساعدات طبية وإنسانية، في محاولة رمزية لكسر الحصار المفروض على القطاع، وسط إشادة واسعة من الشعوب المغاربية، التي اعتبرت القافلة تجسيداً لحالة التضامن الشعبي العربي مع فلسطين، ورسالة ضغط سياسي وإعلامي على المجتمع الدولي.
وكشفت المحامية الجزائرية فتيحة رويبي، عن احتجاز ثلاثة محامين جزائريين في مطار القاهرة الدولي، خططوا للمشاركة في القافلة الإنسانية. وقالت رويبي، في منشور لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إن السلطات المصرية أقدمت على احتجاز زملائها المحامين مصطفاوي سمير، ومحمد عاطف بريكي، وعباس عبد النور، حوالي الساعة الخامسة مساءً بتوقيت الجزائر، وذلك برفقة نحو 37 شخصاً من المشاركين في القافلة. وأكدت أن عملية الاحتجاز جاءت دون أي مبرر قانوني واضح، مشيرة إلى أنه تم سحب هواتفهم ووثائقهم الرسمية، في خطوة وصفتها بأنها انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرية التنقل وكرامة المواطن الجزائري، خاصة حين يتعلق الأمر بمحامين يمثلون بلادهم في إطار مهني أو حقوقي.
ودعت رويبي السلطات الجزائرية، وعلى رأسها وزارة الخارجية، إلى التدخل الفوري والعاجل لضمان سلامة المحامين المحتجزين وتأمين حريتهم، مؤكدة أن ما حدث «تصرف تعسفي» لا يمكن تبريره قانونياً أو إنسانياً.
من جهتها، انتقدت الحقوقية المصرية عايدة سيف الدولة، احتجاز المحامين الجزائريين، وكتبت على صفحتها الشخصية على «فيسبوك»: «الحرية لكاسري الحصار من الجزائر». وقال ناشط جزائري وصل إلى مطار القاهرة (تحفظ في الكشف عن هويته)، إنه تم احتجازهم لأربع ساعات كاملة دون أن يتم تبليغهم بأي قرار، كما لم تسمح لهم السلطات المصرية بالخروج، وقد تعيدهم إلى بلادهم، لافتا إلى أن السلطات المطار المصرية تبدو في حالة ارتباك كبير مع تزايد وصول النشطاء، وهي تقوم بتفتيش دقيق لكل المسافرين الواصلين إلى المطار. ودعا النشطاء المقرر سفرهم اليوم «أمس الأربعاء» إلى القاهرة إلى عدم الخوف والمجيء للمشاركة في الحملة. وذكر نفس المصدر أن السلطات المصرية قامت بإعادة عدد من النشطاء الذين كانوا قد وصلوا أمس إلى القاهرة وسمح لهم بالدخول، صباح أمس، من الفنادق التي يقيمون فيها إلى المطار بنية ترحيلهم.
في المقابل، بدا التعامل الرسمي المصري مع القافلة حذراً وصامتاً. فلم يصدر حتى الآن أي تصريح عن وزارة الخارجية أو الأجهزة المعنية يوضح ما إذا كانت القاهرة ستسمح للقافلة ببلوغ معبر رفح، أو ستتعامل معها بوصفها تحركا شعبيا عابرا للحدود في توقيت دقيق أمنياً وسياسياً. كما لم تعلق على واقعة اعتقال النشطاء الجزائريين. ويأتي هذا وسط تداول تقارير غير رسمية تفيد بوجود تحفظات أمنية بشأن عدد المشاركين الكبير، وآليات التنسيق المسبق، واحتمال حدوث اختراقات تنظيمية غير مرغوبة.
وفي السياق، قال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في تصريحات لجريدة «العربي الجديد» التي تصدر في لندن، إن مصر لن تُغلق الأبواب أمام قافلة الصمود المتوجهة إلى معبر رفح، مؤكداً أن «هدف القافلة يتقاطع مع الموقف المصري الثابت الداعي إلى رفع الحصار عن غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، ووقف سياسة الإبادة الجماعية والتجويع التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وإنهاء الحرب الوحشية على الشعب الفلسطيني».
وبينما غاب الموقف الرسمي، تصدّرت التعليقات الصادرة عن إعلاميين ونواب بارزين -محسوبين على دوائر السلطة- واجهة المشهد، محذّرين من أهداف القافلة ومشككين في نياتها. فقد اعتبر الإعلامي أحمد موسى أن «قافلة الصمود تضم أعداداً كبيرة من النشطاء من دون تأشيرات رسمية، وأن دخولهم إلى الأراضي المصرية قد يمثّل تهديداً أمنياً»، فيما ذهب مسؤول أمني رفيع في رسائل وجهها أمس لرؤساء تحرير الصحف ووسائل الإعلام إلى القول بأن «القافلة تسعى لإحراج مصر سياسياً، في وقت تتحرك فيه الدولة بشكل مسؤول لدعم الفلسطينيين». وتخشى السلطات الأمنية اجتياز القافلة قناة السويس والوصول إلى رفح، بما يثير قوات الاحتلال الاسرائيلي، ويؤدي إلى تطورات غير محمودة العواقب، كما حدث مع نشطاء سفينة «مادلين» الذين تعرضوا للاعتداء من قبل الكوماندوز الاسرائيلية في عرض البحر المتوسط.
على الجهة الأخرى، عبّر كثير من الناشطين والكتاب المصريين عن دعمهم الكامل لتحرك القافلة، واعتبروه عملاً شعبياً نبيلاً يجب ألا يُواجَه بالمنع أو التخوين، بل أن يُستثمر بما هو جزء من قوة مصر الناعمة في دعم القضية الفلسطينية. وقالت الناشطة الحقوقية ماهينور المصري عبر حسابها الرسمي على «فيسبوك» إن «قافلة الصمود عمل مهم جدا.. ولو مُنعت ستكون فضيحة كبيرة للنظام. لو هناك أي تفكير سياسي عاقل، يسمح لهم بالوصول والمرور».
ومن ناحيته، قال الناشط السياسي رامي شعث، إن قافلة الصمود تمثل خطوة بالغة الأهمية، رغم تأخرها، إذ تعبّر عن حالة الغليان الشعبي حول العالم إزاء الجرائم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، من قتل الأطفال وتدمير المنازل وتجويع السكان، في مشهد يُرتكب على مرأى ومسمع من العالم دون رادع. وأشار شعث في اتصال عبر الهاتف إلى أن القافلة تضم مواطنين من مختلف الجنسيات، من دول المغرب العربي كالجزائر وتونس والمغرب وليبيا، بالإضافة إلى متضامنين من إيطاليا وفرنسا وأوروبا، جميعهم يسعون للوصول إلى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية.
بدورها قالت الناشطة التونسية إسلام عوادي، إحدى المشاركات في القافلة، إن هناك أنباءً إيجابية بشأن موافقة السلطات المصرية على السماح للقافلة بالدخول إلى الأراضي المصرية والعبور إلى قطاع غزة من خلال معبر رفح. وأوضحت عوادي أن القافلة تحمل رسالة سياسية وإنسانية مهمة، إذ تسعى من خلالها منظمات المجتمع المدني والمتطوعون إلى ممارسة ضغط شعبي وإقليمي لكسر الحصار الإسرائيلي، ولإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية إلى أهالي غزة الذين يعيشون أوضاعاً معيشية صعبة للغاية بسبب الحصار المستمر والتصعيد العسكري الإسرائيلي.
ويأتي تطور القافلة المغربية واعتقال نشطاء جزائريين بالتزامن مع الاستعدادات الجارية في القاهرة لانطلاق المسيرة العالمية لدعم غزة، وهي تحرك تضامني دولي ينطلق غدًا من مصر بمشاركة آلاف النشطاء المدنيين من أكثر من 35 دولة، من بينها سويسرا ودول من أميركا اللاتينية، وأفريقيا، وآسيا، وأوروبا. ويبدأ المشاركون بالتوافد إلى العاصمة المصرية تمهيداً للتوجه إلى معبر رفح الحدودي، في محاولة رمزية للضغط من أجل كسر الحصار عن القطاع.
وتحمل المسيرة خمسة مطالب رئيسية تتمثل في: وقف إطلاق النار، فتح الحدود أمام المساعدات الإنسانية، انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، إطلاق برنامج شامل لإعادة الإعمار، وإنهاء الاستعمار في الضفة الغربية. وبحسب تصريحات أدلى بها صموئيل كريتيناند، الممثل السويسري للمسيرة العالمية إلى غزة، فإن المشاركين لا ينوون دخول القطاع بالقوة، لكنهم يعوّلون على الحضور السلمي الواسع وما يمكن أن يحدثه من تأثير إعلامي وسياسي عالمي، خاصة أن جميع الترتيبات تمت وفق الإجراءات القانونية وتنسيق دبلوماسي مسبق.