
«وكالات»: يواصل الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على قطاع غزة، وحصد مزيد من أرواح المدنيين من الأطفال والنساء والنازحين، بالتزامن مع حصار مشدد ومنع لدخول المواد الغذائية والمساعدات الطبية وغيرها، منذ مار الماضي. ويشن طيران الاحتلال على مدار الساعة غارات على مناطق متفرقة من القطاع شبه المدمر بشكل كامل.
وعلى صعيد المفاوضات المتعثرة، ذكرت مصادر مطلعة أن وفداً قيادياً من حركة حماس من المقرر أن يصل إلى القاهرة للقاء المسؤولين في مصر، وبحث عدة ملفات على رأسها جهود الوساطة المصرية بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والمقترح المصري لعقد هدنة وإبرام صفقة أسرى جزئية، وكذلك بحث ملف المصالحة الداخلية مع حركة فتح، في أعقاب زيارة وفد من الحركة السبت الماضي، برئاسة جبريل الرجوب.
وقد كشف مصدر مصري مطلع لجريدة «الشرق الأوسط» عن تفاصيل مقترح معدّل تقدمت به القاهرة لتحقيق اختراق يقود إلى وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة «حماس»، موضحاً أنه يتضمن «إطلاق نحو 8 رهائن أحياء من غزة، مقابل هدنة لوقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين 40 و70 يوماً».
وأشار المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه إلى أن «القاهرة حاولت في التعديل الجديد تلبية أكبر قدر من طموحات كل طرف، حيث إن (حماس) كانت في البداية تريد الإفراج عن رهينتين فقط مقابل هدنة الخمسين يوماً، فيما ترغب إسرائيل في نصف الرهائن».
والتعديل الذي يشير إليه المصدر المصري، جاء تطويراً لمقترح سابق للقاهرة طرحته بعد أيام من خرق إسرائيل اتفاق الهدنة في 18 مارس الماضي، وكان يتضمن أن تطلق «حماس» سراح 5 رهائن إسرائيليين دفعة واحدة، مقابل هدنة 50 يوماً، على أن تبدأ إسرائيل تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بعد الأسبوع الأول من الهدنة الجديدة.
ووافقت «حماس» على المقترح السابق، لكنه لم يلقَ قبولاً لدى إسرائيل، التي طلبت بدورها إطلاق نصف الرهائن الأحياء على الأقل دفعة واحدة.
ومساء الجمعة الماضي نقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن مصر «تقدمت بمقترح جديد لتسوية بخصوص وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بهدف سد الفجوات». ويقع المقترح الجديد، وفق هيئة البث، «في مكان ما بين العرض الأصلي، الذي تضمن إطلاق سراح 5 أسرى أحياء، وبين العرض الإسرائيلي الذي تضمن إطلاق سراح 11 محتجزاً حياً في غزة».
وحسب التأكيدات الإسرائيلية، لا تزال «حماس» تحتجز 59 شخصاً في قطاع غزة، يقول جيش الاحتلال إن 35 منهم قُتلوا، وتعتقد الاستخبارات الإسرائيلية أن بينهم 22 ما زالوا على قيد الحياة، بينما وضع اثنين آخرين غير معروف. ومن بين المحتجزين 5 أميركيين.
وأوضح المصدر أن «قيادات من (حماس) طلبت تطمينات لمدى التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار بعد تسليم الرهائن، فتم التوصل لصيغة تقضي بألا يكون تسليم الرهائن الثمانية دفعة واحدة، بل قد يكون الإفراج عن رهينة كل يوم على مدى أسبوع حتى يكتمل العدد المتفق عليه، وأن توقف إسرائيل القصف وتسمح بإدخال المساعدات مع أول تسليم للرهائن، وكذلك الإفراج عن معتقلين في سجون إسرائيل، وبشكل متزامن يتم استئناف المفاوضات من أجل تنفيذ المراحل المتفق عليها في الهدنة الأصلية».
ونوه المصدر إلى أن «الرد النهائي من (حماس) لم يصل بعد، كما أن الجانب الإسرائيلي يدرس المقترح المعدل، ويبدو أنه سيرد بعد لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن، الاثنين».
ووصل نتنياهو إلى واشنطن، مساء الأحد، وقال في بيان إن محادثاته مع ترمب «ستتناول قضية الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة منذ 18 شهراً، وتحقيق النصر في غزة».
ويرى الخبير الاستراتيجي المصري، سمير راغب، أن «المقترح المصري الجديد قد يكون الفرصة الأقوى حالياً لتحقيق وقف إطلاق النار، وهو ضروري ومهم حتى لو بدا الطريق مسدوداً».
وقال راغب إن «القاهرة تعوِّل على الدعم الأوروبي الكبير للموقف المصري والعربي، الرافض للتهجير، والمساند لضرورة إدخال المساعدات وإعادة إعمار غزة، وكذلك تبذل القاهرة جهوداً مع الشركاء للضغط من أجل تحقيق اختراق يقود لوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات»، كما أن «هناك تعويلاً كبيراً على إمكانية قيام ترمب بالضغط على نتنياهو لتحقيق التهدئة، خصوصاً بعد الاتصال الأخير بين الرئيس الأميركي والرئيس المصري».
في سياق متصل، قال الصحافي المتخصص في الشؤون الفلسطينية، أشرف أبو الهول، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك حراكاً فلسطينياً من أجل حلحلة الخلافات بين السلطة الفلسطينية وحركة (حماس) للوصول إلى صيغة تضمن رؤية واضحة لكيفية إدارة غزة بعد الحرب، من أجل القضاء على حجج الاحتلال بشأن هذا الأمر الذي يتخذه ذريعة لتعطيل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار».
وحسب أبو الهول فإن «وفد حركة (فتح) الفلسطينية الذي التقى وزير الخارجية المصري بدر على العاطي، يوم السبت الماضي، طرح مبادرة لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني تقوم على جعل (حماس) شريكة في إدارة المشهد الفلسطيني عبر إدخالها في منظمة التحرير الفلسطينية، وهي مبادرة ليست جديدة لكنها متكررة وسبق واعترضت عليها (حماس) لأنها تقضي باعتراف الحركة باتفاقات (منظمة التحرير) مع إسرائيل».
لكن أبو الهول أكد أن «القاهرة تعتمد على موافقة (حماس) السابقة على المقترح المصري بتشكيل لجنة إسناد لإدارة غزة من أعضاء تكنوقراط ترشحهم الفصائل، وبالفعل رشحت (حماس) ممثلين لها وقدمتهم لمصر، وتتكون اللجنة عموماً من نحو 15 عضواً».
على الصعيد الميداني، قتل 19 فلسطينياً وأصيب عشرات آخرون في غارات شنها سلاح الجو الإسرائيلي ليل الاثنين الثلاثاء على غزة، وفق ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن الدفاع المدني في القطاع.
وقال الناطق باسم الدفاع المدني محمود بصل للوكالة: «استشهد 19 مواطناً بينهم عدد من الأطفال جراء الغارات الدموية التي شنها الاحتلال ليلاً وفجر الثلاثاء على قطاع غزة».
وأوضح أنه «تم نقل 4 شهداء على الأقل إثر غارة إسرائيلية فجرا قرب مبنى السفينة المدمر بمنطقة السودانية في شمال غرب مدينة غزة، ونقل 6 شهداء أخرون بينهم أشلاء وعدد من المصابين جرّاء قصف طائرات الاحتلال فجر اليوم منزلا في بلدة بيت لاهيا» في شمال قطاع غزة.
كما ذكر أن «9 شهداء من بينهم 5 أطفال ارتقوا جراء قصف طيران الاحتلال منتصف الليلة قبل الماضية لمنزل غرب دير البلح» في وسط قطاع غزة، مشيرا إلى أن جميع الضحايا من عائلة واحدة.
وقال مصدر طبي لوكالة الصحافة الفرنسية إن «9 شهداء من عائلة صباح بينهم أبناء وأحفاد، وصلوا ليلا إلى مستشفى شهداء الأقصى «بدير البلح».
وقال إن الضربات الجوية الإسرائيلية «كانت عنيفة ودموية طوال ساعات الليل»، مشيرا إلى أنها تركزت في دير البلح «وسط» وخان يونس ورفح «جنوب» وبعض أحياء مدينة غزة وبيت لاهيا في شمال القطاع.
وأكد المصدر أن قصفا مدفعيا إسرائيليا استمر خلال الليل في العديد من مناطق القطاع.
إلى ذلك، أعلنت مؤسسة صحافية في غزة قريبة من حركة «الجهاد الإسلامي» وفاة أحد مراسليها متأثرا بجروح أصيب بها في غارة جوية إسرائيلية أمس الأول الاثنين.
وقالت وكالة «فلسطين اليوم» المحلية في بيان «استشهد فجر الإثنين الصحافي أحمد منصور مراسل وكالة «فلسطين اليوم» الإخبارية متأثرا بإصابته جراء قصف الاحتلال خيمة الصحافيين قرب مستشفى ناصر بخان يونس».
وذكرت الوكالة أن منصور متزوج ولديه ثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر ستة أعوام.
ونعى التجمع الإعلامي الفلسطيني التابع لـ«الجهاد الإسلامي» في بيان منصور «الذي استشهد في واحدة من أفظع جرائم الحرب ضد الصحافيين والإعلاميّين الفلسطينيين في قطاع غزة باستهداف خيمة الصحافيين بشكل متعمد ومباشر».
واستهدفت الغارة الإسرائيلية فجر الاثنين خيمة للصحافيين في مستشفى ناصر بخان يونس متسببة بمقتل المصور في وكالة «فلسطين اليوم» حلمي الفقعاوي وإصابة تسعة صحافيين أخرين من بينهم المصور حسن أصليح.
كما أدت الغارة إلى إحراق عدد من الخيام التابعة للصحافيين المحليين.
وفيما كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الحديث عن مشروع تهجير سكان القطاع، قال الأول إن الحرب في غزة ستتوقف في مرحلة ما، لكنه عاد للحديث عن السيطرة الأميركية على القطاع وامتلاكه، معتبراً أن ذلك «سيكون أمراً جيداً».