«وكالات» : في ظل التحديات الأمنية التي تواجه أحياء مدينة حماة وسط سوريا في الآونة الأخيرة، برزت الحاجة الملحة للبحث عن حلول مبتكرة لدعم الأجهزة الأمنية التي تعاني من نقص في الكوادر.
نادر العلي، مهندس في الثلاثينات من عمره، يروي لموقعي «العربية.نت» و»الحدث.نت» تجربته الشخصية في حي الحاضر، الذي شهد تكرارًا لحالات السرقة والتجاوزات الأمنية، ما دفع الأهالي للبحث عن حلول بديلة مكملة لجهود الشرطة.
وبحسب نادر، فقد كان الوضع الأمني في الحي مقلقاً للغاية، إذ تزايدت حالات السرقة وظهرت محاولات للاعتداء على الممتلكات الخاصة.
ومع النقص الكبير في عدد عناصر الأمن والشرطة في أحياء مدينة حماة، بسبب تسريح العناصر السابقين ممن كانوا خلال حكم النظام السابق، والبدء بإعادة هيكلتهم وإخضاعهم لدورات تدريبية تضمن عدم وجود احتكاكات بينهم وبين الأهالي لاحقا، كان من الواضح أن الشرطة وحدها لا تستطيع توفير تغطية أمنية فعالة للمناطق السكنية.
ولتجاوز هذه المشكلة، قرر نادر إنشاء مجموعة على تطبيق «واتساب» تجمع أهالي الحي، بهدف تسهيل التواصل بينهم وتبادل المعلومات الأمنية بشكل فوري.
وقال نادر: «من خلال هذه المجموعة، يمكننا إرسال التنبيهات والتحذيــــــــرات عند وجود أية تجاوزات، أو محاولات سرقة، أو حتى اكتشاف أشخاص مشبوهين في المنطقة».
الفكرة لاقت استحساناً واسعاً من الأهالي، حيث بدأ الجميع بالمشاركة الفعالة في هذه المبادرة، مما أسهم في تعزيز الوعي الأمني داخل الحي.
ورغم أن هذه المجموعة كانت تهدف إلى تحقيق نوع من الحماية الذاتية، إلا أنها لم تكن لتكون فعالة لولا الدعم الذي تلقته من قبل المسؤولين في الأمن العام، إذ تم ضم مسؤول الأمن في المنطقة إلى المجموعة لتسريع التواصل وتبادل المعلومات بين الأهالي والشرطة، مما جعل الاستجابة للأحداث الأمنية أسرع وأكثر تنسيقاً.
ويضيف نادر أن مبادرته بتأسيس مجموعة «واتساب» لم تكن سوى نقطة انطلاق لعدد من المبادرات المجتمعية الأخرى التي ساهمت بشكل كبير في تحسين الأوضاع الأمنية والاجتماعية في حي الحاضر.
فإلى جانب التواصل الفوري لمتابعة القضايا الأمنية، اتجه الأهالي لتنفيذ سلسلة من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الشعور بالأمان والجمال في الحي.
ومن أبرز هذه المبادرات كان توفير الإنارة في الشوارع رغم التحديات التي يفرضها نقص الكهرباء حيث يقول محمد العثمان – شاب عشريني، من سكان حي الأميرية: «نظرًا لانقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر، قررنا أن نتحمل مسؤولية إضاءة المناطق المحيطة بكل منزل، وبذلك تمكنا من خلق بيئة أكثر أمانًا خلال الليل، مما ساهم في تعزيز شعور الطمأنينة لدى السكان».
بالإضافة إلى ذلك، انطلقت مبادرة أخرى تركز على تحسين المظهر العام للحي من خلال تنظيف الشوارع وإعادة تأهيلها.
فقد تم تحديد يوم عمل تطوعي وبدعوة من أئمة المساجد وتوجيه من مديرية الأوقاف في حماة، شارك فيه الجميع بعد صلاة الجمعة في إزالة القمامة وتدهين الأرصفة، فضلاً عن تجميل المساحات العامة بما يمكن تجميله.
ووفقًا للعثمان، فقد أسهمت هذه المبادرة في تعزيز الروح الجماعية بين الأهالي ورفعت من مستوى النظافة والترتيب في الحي، فالجميع يعتبر اليوم أن البلد ملكه وواجب عليه الحفاظ عليها بكل الوسائل الممكنة.
وفي إطار التحسينات التي شهدها حي الحاضر بفضل المبادرات المجتمعية، تحدثت السيدة مريم سالم، إحدى سكان الحي، عن التغيرات التي طرأت على وضع الأمان في المنطقة. وأكدت مريم أنها أصبحت قادرة على الخروج من منزلها مساءً دون أن تشعر بالخوف من أي تهديدات، سواء كانت محاولات سرقة أو اعتداء على ممتلكاتها الخاصة.
وقالت مريم: «لقد أصبحنا نشعر بالأمان بشكل أكبر في حي الحاضر، بفضل المبادرات التي أطلقها الأهالي لم يعد هناك شعور بالقلق أثناء التجوال ليلاً، كما كنا نشعر سابقًا».
وأعربت مريم عن دعمها الكامل للمبادرة، ودعت جميع الأحياء في مدينة حماة إلى اتخاذ نفس الخطوات التي قام بها أهالي حي الحاضر في تأمين شوارعهم وتنظيفها.
وأضافت: «يجب أن نعمل على تنظيف شوارعنا من بقايا النظام السابق، من صور وأعلام وعبارات مسيئة كانت تغطي جدران الحي ويكتبها عناصر النظام السابق، هذه الخطوات ليست فقط لتحسين الأمان، بل لإعادة بناء الحي بشكل يليق بأهله».
مريم تطرقت كذلك إلى أهمية العمل الجماعي في تحسين المظهر العام للأحياء، مشيرة إلى أن كل خطوة صغيرة تقوم بها المجتمعات المحلية تعزز من شعور المواطنين بالاستقرار وتحسن البيئة المحيطة بهم.
وأعرب تمام أعرابي، الأربعيني العامل في تجارة المواد الغذائية في حي الأميرية، عن امتنانه للأهالي الذين ساعدوا في تنفيذ المبادرة المجتمعية التي تهدف إلى تعزيز الأمان في المنطقة.
وفي حديثه أضاف أن الأهالي يقومون يوميًا بتسيير مجموعات من شباب الحي، تتكون كل مجموعة من شخصين أو ثلاثة، يتوزعون على أطراف الحي لمتابعة أي تحركات مشبوهة والإبلاغ عنها فورًا.
ولاقى هذا النموذج من التعاون المجتمعي تفاعلًا واسعًا في مدينة حماة، حيث بدأت الأحياء الأخرى مثل غرب المشتل، والشريعة، وباب القبلي بتطبيق فكرة تشكيل مجموعات مماثلة، سعيًا لضمان أمان أحيائهم وتعزيز الشعور بالطمأنينة لدى السكان.