«وكالات» : إلى أين المفر؟! سؤالٌ صار يُؤرِّق بال السُّودانيين بعد اندلاع الحرب الطاحنة بين الجيش والدعم السريع في الخرطوم ودارفور منتصف أبريل الماضي. فالذين كُتبت لهم النجاة من دوِّي المدافع والقصف المتبادل بين الطرفين المُتحاربين، وجدوا أنفسهم فريسةً لأمراض فتّاكة وشديدة العدوى والخطورة كالكوليرا وحمى الضنك والملاريا والحصبة.
وفي مدينة ود مدني مركز ولاية الجزيرة بوسط السودان، دقّت مصادر طبية ناقوس الخطر، وكشفت لـ»العربية.نت» و»الحدث.نت» تسجيل أقسام الطوارئ بالمستشفيات ومراكز تلقي العلاج بالمدينة، المئات من مصابي الكوليرا، بينهم ما لا يقل عن سبع حالات وفاة.
وأكّدت المصادر الطبية أنّ الوضع كارثيٌّ وعلى حافة الانهيار، وأنّ الكوارث الصحية وعلى رأسها وباء الكوليرا وحمى الضنك والملاريا أضحت تُهدِّد ولاية الجزيرة التي تشهد أعداداً هائلة من النازحين الفارين من جحيم الحرب بالخرطوم، ولا تبعد ود مدني مركز ولاية الجزيرة سوى 181 كلم تقريباً بالاتّجاه الجنوبي للخرطوم.
وفي الوقت الحالي، تشهد المستشفيات اكتظاظاً غير مسبوق بالمرضى، وسط تراجع الخدمات الصحية وانقطاع المياه والكهرباء لساعات طويلة داخل المستشفيات.
وذكر شهود عيان أنّ بعض المرضى يضطرون لاستئجار أسِرّة لوضعها بالممرات أو الفناء الخارجي لتلقي العلاج، بعد تكدُّس الغرف والعنابر بالمرضى.
ومع تزايد تدفق المواطنين إلى هناك، تحوّلت ود مدني إلى «مكب نفايات كبير»، حيث انتشرت الأوساخ بكثافة مع عجز السُّلطات المحلية هناك عن معالجة الأزمة المُستفحلة التي تنذر بكارثة مُدمِّرة في ظل تدهور الأوضاع الصحية بطريقة غير مسبوقة..!
وفي محاولة جاهدة للحد من تفشي الأوبئة والأمراض الفتّاكة الشديدة العدوى كالكوليرا وحمى الضنك، أمرت السُّلطات المحلية لمدينة ود مــــــدني بإغلاق الأسواق وأماكن بيع الأطعمة والمشروبات لاثنتي عشرة ساعة كاملة تبدأ عند الساعة السادسة مساءً إلى السادسة صبيحة اليوم التالي. كما نفّذت حملة واسعة لتعقيم المستشفيات والمراكز الصحية والشوارع الرئيسية بمعاونة شرطة الدفاع المدني، على أن يكون الإغلاق كاملاً يوم الجمعة.
على ذات النّسق، سارعت السُّلطات الصحية لتجهيز عنبر خاص لعزل مرضى الكوليرا والإسهالات المائية الحادة بمستشفى الطوارئ بود مدني، وأمرت بتجهيز غرف عزل مماثلة بالمستشفيات.
وبثت السُّلطات الصحية، منشورات تحذيرية من تناول الأطعمة والمشروبات بالأسواق، خاصّةً الباعة الجائلين، ونبّهت بشدة إلى ضرورة غسل الخضراوات والفاكهة الطازجة جيداً قبل تناولها.
وزارة الصحة بالجزيرة أكّـدت أنّ حملات التعقيم بالكلور ستتوالى لتغطي الأسواق والأحياء السكنية ومراكز الإيواء.
في المُقابل، كشفت مصادر طبية عن تسجيل 47 حالة إسهال مائي، بينها 6 حالات وفاة، وتُعد الجزيرة ثالث ولاية تتفشى فيها الكوليرا بعد الخرطوم والقضارف.
إزاء هذه التداعيات الخطيرة، أكّدت نقابة أطباء السُّودان أنّ البيانات الرسمية تمثل رأس جبل الجليد وهي أقل بكثير من حالات الاشتباه في المنازل والذين قُبروا دون أن يتم رصدها عن طريق نظام التقصي الذي يُعاني من صعوبات لوجستية كبيرة، وفي ظل انعدام الثقة بالنظام الصحي المنهار وصعوبة الوصول إلى المشافي الحكومية.
وأضافت أنّ الانتشار الواسع لحمى الضنك والكوليرا ومن قبلهما الحصبة والملاريا والمخاوف من مؤشرات انتشار أمراض ووبائيات أخرى، يؤكد هشاشة النظام الصحي في الولايات التي لم تتأثّر بالحرب، ويدق ناقوس الخطر لمعرفة ما يحدث بالولايات التي تعاني من ويلات الحرب تحت وطأة الأمراض، وانهيار النظام الصحي فيها بصورة كلية أو جزئية، وانعدام المياه الصالحة للشرب، وتكدُّس النفايات والجثث فيها، وغياب المعامل التشخيصية المرجعية والمستشفيات التخصصية في الخرطوم عن الخدمة، وانقطاع الإمداد الدوائي.