
بيروت - «وكالات» : كلّف الرئيس ميشال عون سفير لبنان لدى برلين مصطفى أديب بتشكيل حكومة جديدة، بعد توصية 90 نائباً في البرلمان اللبناني بتسميته.
وقال مصطفى أديب بعد لقائه بالرئيس ميشال عون وفق وكالة الأنباء اللبنانية: «لا وقت للكلام والوعود، الوقت للعمل بكل قوة».
وأضاف «الفرصة أمامنا ضيقة وعلى كل القوى السياسية أن تدرك ذلك. أقول للبنانيين قدرنا أن نتغلب على الأحزان والأوجاع، وعزمنا راسخ بأن أرضنا ستبقى صامدة ومعاً نصنع الأمل بالمستقبل. ادعوا لنا بالتوفيق».
وتعهد أديب بتشكيل حكومة «في أسرع وقت ممكن» تضم فريقاً «متجانساً من أصحاب الكفاءة والاختصاص»، وبإجراء إصلاحات أساسية يشترطها المجتمع الدولي لدعم بلاده.
ويُذكر أن حكومة الرئيس السابق حسان دياب، استقالت في 10 أغسطس الجاري في أعقاب الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت.
من ناحية أخرى يحيي لبنان الثلاثاء المئوية الأولى لتأسيسه بينما يلملم جراحه منذ انفجار بيروت المروع ويرزح مواطنوه تحت ثقل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ونظام سياسي أثبت فشله، ومخاوف على وجود الوطن الصغير متعدد الطوائف.
وتغيب الاحتفالات الرسمية في المناسبة، وألغيت بعد «سنة من الأزمات غير المسبوقة والكوارث»، وفق ما قال الرئيس اللبناني ميشال عون الأحد، بينما يزرع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يصل بيروت مساءً، شجرة أرز في غابة شمال بيروت غداً، في ذكرى إعلان المندوب السامي للانتداب الفرنسي الجنرال هنري غورو في 1 سبتمبر 1920 إنشاء دولة لبنان الكبير من قصر الصنوبر.
في هذا المبنى التاريخي الذي لا يزال مقر إقامة السفير الفرنسي في بيروت، يجمع ماكرون الثلاثاء ممثلي الطبقة السياسية المتمسّكة بامتيازاتها والمتهمة بالفساد، لحثها مجدداً على إنقاذ البلاد عبر إصلاحات سياسية واقتصادية ملحة.
وتقول روز غلام 87 عاماً، التي تصدّرت وسائل الاعلام بعد رفضها مغادرة بيتها المدمر جزئيا في انفجار المرفأ في 4 أغسطس، لوكالة فرانس برس: «إنها أكبر أزمة يعيشها لبنان. حتى أنها أسوأ من الحرب».
وتضيف المدرسة المتقاعدة التي ولدت أثناء الانتداب الفرنسي على لبنان بالفرنسية: «قادتنا غير واعين وليسوا صادقين. كيف بإمكانهم أن يعيدوا بناء منازلنا؟ يجب تغييرهم جميعاً».
ويشكّل انفجار المرفأ الذي أوقع 188 قتيلاً على الأقل وأكثر من 6500 مصاب، عدا عن تضرر أحياء عدة في العاصمة، نقطة تحول لدى العديد من اللبنانيين الناقمين على الطبقة السياسية والذين يطالبون برحيلها منذ أكتوبر 2019.
وعزت السلطات الانفجار إلى حريق وسط كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة منذ أكثر من 6 أعوام في المرفأ، بعلم مسؤولين على مستويات عدة، ما وضعهم في دائرة الاتهام من لبنانيين، مُصرين على محاسبتهم على الإهمال والفساد.
ويقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي كريم المفتي لفرانس برس: «اليوم، وصل النظام السياسي إلى نهايته. يردد الجميع أنه لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو، بما في ذلك اللاعبون الفاعلون سياسياً، لكنهم محاصرون. يعمل النظام مثل مصيدة فئران علق فيها الجميع».
وإذا عرفت البلاد عصرها الذهبي خلال الستينات، إلا أن تاريخ هذا البلد الصغير عبارة عن أزمات متلاحقة تفصل بينها حروب أهلية، وتوترات طائفية. وجاء الانهيار الاقتصادي الأخير ليشكّل أسوأ الأزمات، فهدد وجود الطبقة الوسطى وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.
ويؤكد المفتي الذي يستبعد احتمال نشوب حرب أهلية، لكنه يخشى «تفكّك البنى التحتية»، «بلوغ نقطة الانهيار».
وفي أساس الانهيار هذا النظام السياسي التشاركي القائم على توزيع السلطة بين الطوائف، وهي صيغة متوارثة من الحقبة العثمانية.
ونصّ اتفاق الطائف في 1989 الذي وضع حدّاً لاحقاً للحرب الأهلية، على إلغاء الطائفية السياسية، لكن كثيرا من التسويات التي تضمنها، بالإضافة الى الممارسة الفعلية، رسخّت نفوذ الزعماء الطائفيين.
وكان الميثاق الوطني الذي اعتمد مع استقلال لبنان في 1943، نص على أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً مارونياً، ورئيس الحكومة مسلماً سنياً، ورئيس البرلمان مسلماً شيعياً. لكن تنفيذ اتفاق الطائف الذي نصّ على المناصفة في المجلس النيابي بين المسيحيين والمسلمين، عمق نظام توزيع المناصب على الطوائف وأصبح يشمل كافة الوظائف في الدولة.
وأدت الصيغة التوافقية إلى شلل الدولة. إذ لم يعد ممكناً تعيين أي موظف في منصب عال، أو اتخاذ أي قرار لا يحظى بموافقة ممثلي المكونات الطائفية الرئيسية.
وعلى غرار تحذير وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأسبوع الماضي، يرى المفتي أن «لبنان مهدد بالاختفاء».
ولطالما شكل البلد الصغير صندوق بريد في الصراعات الإقليمية، آخرها المواجهات بين إيران الداعمة الرئيسية لحزب الله، والولايات المتحدة وإسرائيل.
وتقول الباحثة والمؤرخة ديما دو كليرك لفرانس برس: «لطالما كانت التدخلات الأجنبية موجودة، وتعزّزت ثقافة المحسوبيات». وتضيف «لسنا شعباً موحداً، وغالباً ما احتجنا إلى عراب خارجي لقتال العدو في الداخل».
ويظهر التاريخ، وفق دو كليرك «غياب ذاكرة جماعية وطنية لصالح ذكريات تحملها مختلف المجموعات الطائفية»، وهو ما يفسر «غياب كتاب تاريخ موحد» ، فيما لكل مجموعة روايتها عن الأحداث المفصلية الكبرى في تاريخ البلاد المعاصر.
وبدا في أكتوبر 2019، أن التظاهرات التي شارك فيها مئات آلاف اللبنانيين ضد الطبقة السياسية مجتمعة، تشكّل نقطة بداية جديدة بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين. وغذت شعوراً وطنياً عاماً عابراً للطوائف والمناطق.
ويرى المفتي أنّ «ما يجب إرساؤه اليوم هو عقد اجتماعي جديد، لكن لا أحداً يملك مفاتيحه، لا القوى السياسية ولا مختلف مجموعات المعارضة، ولا حتى المجتمع الدولي».
وكتبت رئيسة التحرير المشاركة في صحيفة «لوريان لوجور» الناطقة بالفرنسية إيميلي سويور «بقيت بضع دقائق قبل منتصف ليل نهاية لبنان، لكن منتصف الليل لم يحن بعد».