
بغداد - «وكالات» : أجرى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أمس الثلاثاء، زيارة لم يعلن عنها مسبقاً إلى بغداد بهدف «التصدّي للتصعيد الإيراني»، وانتزع خلالها من المسؤولين العراقيين تعهّداً بتوفير «الحماية المناسبة» لمصالح الولايات المتحدة في بلدهم.
وألغى بومبيو زيارة إلى ألمانيا للتوجّه إلى بغداد التي تتمتّع بعلاقات وثيقة مع إيران. والتقى الوزير الأميركي في العاصمة العراقية خلال الزيارة التي استغرقت أربع ساعات كلاًّ من الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
وقال بومبيو للصحافيين الذين رافقوه في رحلته «لقد تحدّثنا عن أهميّة أن يضمن العراق قدرته على توفير الحماية المناسبة للأميركيين في بلدهم»، مشيراً إلى أنّ المسؤولين العراقيين «أظهروا لي أنّهم يدركون أن هذه مسؤوليتهم».
وأضاف أنّه قام بهذه الزيارة إلى العراق، لأنّ إيران «تصعّد نشاطها» على الرغم من رفضه مناقشة المعلومات الاستخبارية بالتفصيل.
وقال بومبيو «أردنا أن نطلعهم على سيل التهديدات المتزايد الذي رأيناه وإعطاءهم خلفية أكثر قليلاً حول ذلك حتى يتمكّنوا من تأكيد أن يقوموا بكل ما بوسعهم لتأمين الحماية لفريقنا».
وجاءت الزيارة بعد يومين على تحذير الولايات المتحدة إيران من أنّها ستردّ بـ»قوة شديدة» على أي هجوم، واعتبارها أن إرسال حاملة الطائرات «يو أس أس أبراهام لينكولن» يعني بعث «رسالة واضحة لا لبس فيها» الى طهران.
ويأتي هذا التوتر بعد عام على خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع ايران حيث أطلق بدلاً من ذلك حملة معادية ضد النظام الديني هناك.
ويقول مراقبون في الولايات المتحدة وفي الخارج إن ترامب سعى إلى توسيع ممارسة ضغوطه على أمل إثارة أزمة مع إيران، التي يقول مفتشو الأمم المتحدة إنها تلتزم بالاتفاق النووي.
ووصل وزير الخارجية الأميركي إلى بغداد آتياً من فنلندا بعدما ألغى زيارة كان مقرراً أن يقوم بها إلى ألمانيا بسبب «مسائل ملحّة» وفق ما أعلنت المتحدثة باسمه.
ومن المقرر أن يصل بومبيو إلى لندن الأربعاء لاستكمال جولته الأوروبية.
وأتت زيارة بومبيو إلى بغداد، وهي الثانية منذ بداية العام إلى العراق، وسط ازدياد التوتر في المنطقة بين الولايات المتحدة وخصمها اللدود إيران، بعد عام من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران.
وكانت الولايات المتحدة أرسلت قبل يومين حاملة طائرات إلى الشرق الأوسط في مناورة مصحوبة بتحذير «واضح لا لبس فيه» من البيت الأبيض إلى إيران.
وقال وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة باتريك شاناهان إنّه أمر الأحد بنشر مجموعة لينكولن البحرية الضاربة المكوّنة من حاملة الطائرات «يو إس إس أبراهام لينكولن» وقطع بحرية مرافقة لها إضافة إلى مجموعة قاذفات «ردّاً على مؤشّرات حول وجود تهديد جدّي من قبل قوات النظام الإيراني».
وكان بومبيو قال لصحافيين الإثنين «كوزير للخارجية، لدي مسؤولية الحفاظ على سلامة الضباط الذين يعملون معي في كل يوم في جميع أنحاء العالم. ويشمل ذلك أربيل وبغداد، وفي منشآتنا في عمّان، في كلّ أنحاء الشرق الأوسط».
وأضاف «في أي وقت نتلقى فيه تقارير عن تهديدات، أشياء تثير المخاوف، نفعل كل ما في وسعنا للتأكد من أن تلك الهجمات المخطط لها لن تحدث».
وسارعت طهران إلى التنديد بالخطوة الأمريكية، معتبرة إرسال حاملة طائرات أمريكية إلى الشرق الأوسط خبراً قديماً «فقد أهميته»، وفق الوكالة الرسمية الإيرانية.
وكان الرئيس دونالد ترامب قرر في الثامن من مايو 2018 الانسحاب من الاتفاق الدولي لعام 2015 الذي اعتبره متساهلاً للغاية.
ومذاك، وخلافاً لرغبات حلفائه الأوروبيين الذين ما زالوا متمسكين بهذا الاتفاق، واصل رئيس الولايات المتحدة تعزيز «حملته لممارسة ضغوط قصوى» على النظام الإيراني.
واتخذت واشنطن قراراً غير مسبوق في أبريل الماضي، بإدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحتها السوداء لـ»المنظمات الإرهابية الأجنبية».
وسارعت إيران الى الرد على القرار الأمريكي «غير الشرعي والطائش»، مع تأكيدها أنها تعتبر منذ الآن «نظام الولايات المتحدة +نظاماً راعياً للإرهاب+ والقوات الأمريكية في الشرق الأوسط مجموعات إرهابية».
ويشكّل العراق ملتقى استثنائياً لهاتين الدولتين، المتعاديتين في ما بينهما والمتحالفتين مع بغداد.
فالحرس الثوري من الداعمين لبغداد في سنوات الحرب ضد تنظيم داعش، مع تنسيق قائد فيلق القدس قاسم سليماني للمعارك في مناطق عدة.
وبعيد دحر الإرهابيين في نهاية العام 2017، واصل سليماني عمله التنسيقي، لكن هذه المرة على الصعيد السياسي بلقائه قادة مختلف الأحزاب لتشكيل تحالفات سياسية، إضافة إلى وجود فصائل عراقية مسلّحة مقربة من إيران، وهو ما يثير قلق واشنطن.
لكن على الرّغم من ذلك، فلا وجود للحرس الثوري رسمياً في العراق، وما زال غير واضح ما إذا كانت العقوبات على إيران ستطال شخصيات عراقية أو مؤسسات أو تنظيمات عسكرية.
أما واشنطن، فقادت قوات التحالف الدولي الذي كانت ضرباته الجوية عاملاً حاسماً في القضاء على التنظيم المتطرّف على مدى السنوات الماضي.
لكنّ الأحزاب المقرّبة من إيران، إضافة إلى تلك المناهضة للولايات المتحدة والتي تسيطر على البرلمان العراقي، طالبت في الآونة الأخيرة بخروج القوات الأمريكية من العراق. وحذرت بعض الأطراف من أنّ المقار الأميركية قد تصبح هدفاً لها.
وقال عبد المهدي خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي الثلاثاء إنّ للعراق «التزاماً سيحترمه ولا يقبل أي هجوم على أي شخص سواء أكان عراقياً أم أجنبياً، سواء أكان سفارة أم شركة أم بعثة عسكرية».
وشدّدت بغداد مراراً على أنّها تسعى إلى علاقات طيّبة مع طهران وواشنطن، خصوصاً وأنّ العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة العام الماضي على إيران قد تؤثّر سلباً على الاقتصاد العراقي.
وكان العراق استحصل من واشنطن على استثناء من العقوبات التي طالت مؤسسات الطاقة والمال الإيرانية العام الماضي، ما أتاح لبغداد مواصلة استيراد الغاز والكهرباء من طهران.