
الجزائر - «وكالات» : قال الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، الثلاثاء، أن استقالته تهدف إلى الانتقال بالجزائر إلى مستقبل أفضل، مضيفاً أنه «حرص على تجنب أن تتحول الأزمة الحالية إلى انزلاقات وخيمة».
وبلغ بوتفليقة رسمياً الثلاثاء قرار إنهاء عهدته بصفة رئيس للجمهورية إلى رئيس المجلس الدستوري وذلك اعتباراً من الثلاثاء، حسب ما أفاد به بيان لرئاسة الجمهورية.
وقال بوتفليقة في نص استقالته التي أذاعها التلفزيون الوطني: «يشرفني أن أنهي رسمياً إلى علمكم أنني قررت إنهاء عهدتي بصفتي رئيس للجمهورية، وذلك اعتبارا من تاريخ اليوم، الثلاثاء 26 رجب 1440 هجري الموافق 2 أبريل (نيسان) 2019».
وأضاف «أقدمت على قرار إنهاء ولايتي الرئاسي لتجنب الانزلاقات الوخيمة ولضمان حماية الأشخاص والممتلكات».
وتابع «قراري جاء كي يتأتى للمواطنين الانتقال جماعياً بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحا مشروعاً، مؤكداً أن قراره يأتي تعبيراً عن إيمانه بجزائر عزيزة كريمة.
وأوضح أنه «اتخذ في هذا المنظور، الإجراءات المواتية، عملاً بصلاحياته الدستورية، وفق ما تقتضيه ديمومة الدولة وسلامة سير مؤسساتها أثناء الفترة الانتقالية التي ستفضي إلى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.»
وختم بوتفليقة رسالته قائلاً «أتمنى الخير، كل الخير، للشعب الجزائري الأبي».
وسمعت على الفور أصوات أبواق السيارات في شوارع العاصمة ترحيباً بالاستقالة، وسجل ظهور بعض التجمعات في الشوارع.
ومن المقترض أن يتولى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئاسة البلاد بالوكالة بموجب الدستور الجزائري.
وقبل ساعات قليلة من إعلان هذه الاستقالة دعا رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح إلى «التطبيق الفوري للحل الدستوري» الذي يتيح عزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حسب ما جاء في بيان صادر عن وزارة الدفاع.
واتهم رئيس الجيش ونائب وزير الدفاع، أشخاصاً لم يسمهم «بالتماطل والتعنت بل والتحايل من قبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها، والذين لا يهمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة غير مكترثين بمصالح الشعب وبمصير البلاد».
وأضاف صالح: «إن المساعي المبذولة من قبل الجيش الوطني الشعبي منذ بداية الأزمة وانحيازه الكلي إلى المطالب الشعبية، تؤكد أن طموحه الوحيد هو السهر على الحفاظ على النهج الدستوري للدولة، وضمان أمن واستقرار البلاد وحماية الشعب من العصابة التي استولت بغير وجه حق على مقدرات الشعب الجزائري».
وفي بيان رسمي له أضاف صالح، أن الجهات التي تحدث عنها « هي الآن بصدد الالتفاف على مطالبه المشروعة من خلال اعتماد مخططات مشبوهة، ترمي إلى زعزعة استقرار البلاد والدفع بها نحو الوقوع في فخ الفراغ الدستوري».
كما قالت مصادر جزائرية، إن المجلس الدستوري بدأ أمس الأربعاء اجتماعه لإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية، بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة.
وحسب المادة «102» من الدستور، ففي حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً ويُثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، وفق ما ذكر موقع قناة «النهار» اليوم الأربعاء.
وأكدت المصادر، أن شهادة التصريح بالشغور النهائي تُبلغ فوراً إلى البرلمان الذي يجتمع وجوباً.
ويتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوماً، تُنظم خلالها انتخابات رئاسية
ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة الترشح لرئاسة الجمهورية.
من ناحيتها اعتبرت الولايات المتحدة الثلاثاء أن مستقبل الجزائر يقرّره شعبها، وذلك بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بضغط من الشارع وإثر تخلي الجيش عنه.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية روبرت بالادينو في مؤتمر صحافي إن «الشعب الجزائري هو من يقرر كيفية إدارة هذه الفترة الانتقالية».
من جانبه دعا الكرملين أمس الأربعاء، إلى أن يكون الانتقال السياسي في الجزائر «دون تدخل» بلدان أخرى غداة استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إثر احتجاجات شعبية غير مسبوقة.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: «نأمل، مهما حدث، أن تجري العمليات الداخلية في هذا البلد، والتي هي شؤون داخلية جزائرية حصراً، دون تدخل من دول أخرى».
وأضاف، أن موسكو تأمل كذلك ألا يكون للانتقال المقبل «أي تأثير على الطبيعة الودية لعلاقاتنا الثنائية».
وروسيا حليف قديم للجزائر، التي تستورد منها الأسلحة.
و تشهد الجزائر التي استقال رئيسها عبد العزيز بوتفليقة الثلاثاء، بعد عقدين في السلطة، صعوبات اقتصادية واجتماعية مرتبطة بتراجع أسعار النفط الذي يؤمن 60 في المئة من عائداتها المالية.
وتملك الجزائر احتياطاً مهماً من النفط والغاز.
في 2 أبريل قدم الرئيس بوتفليقة استقالته للمجلس الدستوري إثر حركة احتجاج غير مسبوقة في البلاد.
بعد سيطرة عثمانية لثلاثة قرون واستعمار فرنسي دام 132 عاماً، استقلت الجزائر في 5 يوليو 1962 إثر حرب تحرير دامية استمرت 8 أعوام.
في سبتمبر 1963، أصبح أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر المستقلة، بعد أن تولى رئاسة الحكومة لمدة عام، قبل أن يُطيح به انقلاب عسكري في 1965 ويُسجن على يد وزير الدفاع العقيد هواري بومدين الذي حكم البلاد بعد ذلك بيد من حديد، فقمع الحريات وسجن معارضيه.
بعد وفاة بومدين في آخر 1978، خلفه العقيد الشاذلي بن جديد الذي أعيد انتخابه في 1983 و1988.
في أكتوبر 1988، اندلعت احتجاجات في العاصمة وبعض المدن المجاورة. وتولى الجيش زمام الأمور لإعادة الهدوء وأطلق إصلاحات سياسية أدت إلى إنهاء حكم الحزب الواحد.
وأدى إلغاء الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في 1992 إلى مواجهات بين مجموعات إسلامية مسلحة وقوات الأمن.
انتخاب بوتفليقة
في 15 أبريل 1999 انتخب عبد العزيز بوتفليقة في خضم الحرب الأهلية، وبدعم من الجيش.
ومباشرة بعد انتخابه، حصل بوتفليقة على موافقة شعبية واسعة في استفتاء حول العفو عن الإسلاميين الذين لم يرتكبوا جرائم قتل، أو اعتداء جنسي، وقبلوا الخضوع لسلطة الدولة.
وبعد إعادة انتخابه في 2004، أعاد تنظيم استفتاء آخر حول «ميثاق السلم والمصالحة الوطنية» للعفو عن الإسلاميين الذين ظلوا في الجبال، مقابل استسلامهم.
وأسفرت الحرب الأهلية بين 1992 و2002 عن مقتل أكثر من 200 ألف شخص بحسب حصيلة رسمية.
في 2009، عاد بوتفليقة للترشح لولاية ثالثة، بعد أن عدل الدستور الذي لم يكن يسمح له بالترشح لأكثر من ولايتين. وفاز بها دون عناء.
في أبريل 2014، أعيد انتخاب بوتفليقة لولاية رابعة بـ81.49 في المئة من الأصوات، رغم متاعبه الصحية، وعجزه عن قيادة حملته الانتخابية. فمنذ إصابته بجلطة دماغية في 2013، أصبح مقعداً في كرسي متحرك، ويجد صعوبة في الكلام.
وفي 2019 أعلن ترشحه لولاية خامسة، ما أثار غضب الشارع، واعتباراً من نهاية فبراير شهدت البلاد تظاهرات حاشدة رافضة، لبقائه في السلطة.
ولتهدئة حركة الاحتجاج غير المسبوقة منذ 20 عاماً، أعلن الرئيس بوتفليقة عدوله عن الترشح لولاية خامسة. وأرجأ الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى.
لكنه استقال في 2 أبريل بعدما تخلى عنه الجيش والعديد من حلفائه.
والجزائر هي إحدى دول المغرب العربي في شمال إفريقيا وأكبر الدول الأفرقية مساحةً بـ 2381741 كلم مربع، كما أنها الأكبر في حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي العالم العربي، ومعظم أراضيها مناطق صحراوية.
ويعيش 80 في المئة من السكان، 42 مليون نسمة في الشمال الساحلي، خاصةً الجزائر العاصمة وضواحيها. وهناك 54 في المئة من السكان تقل أعمارهم عن 30 عاماً.
تعد البلاد حوالى 10 ملايين نسمة من الأمازيغ غالبيتهم في منطقة القبائل الجبلية في شرق العاصمة.
لا تعد الفرنسية رغم الماضي الاستعماري الفرنسي بين اللغات الرسمية في البلاد، العربية، والأمازيغية لكن هناك الكثير من الناطقين بالفرنسية في البلاد.
تبنت الجزائر نهج اقتصاد السوق في 1994.
والجزائر عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، وثالث منتج للنفط في أفريقيا، وتاسع منتج للغاز عالمياً.
وتوفر المحروقات 95 في المئة من مداخيل البلاد بالعملة الصعبة، وتساهم في ميزانية الدولة بنحو 60 في المئة.
لكن انهيار أسعار النفط دفع الحكومة إلى زيادة الضرائب، والتخلي عن العديد من الاستثمارات العمومية.
وفي نهاية 2018، اعتبرت مجموعة الأزمات الدولية أن من الضروري إدخال إصلاحات لتنويع الاقتصاد، وأنه رغم «تحسن أسعار النفط، فإن الأزمة الاقتصادية يمكن أن تضرب البلاد اعتباراً من 2019».
وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير بعنوان «تجاوز الشلل الاقتصادي في الجزائر»، إنه «رغم وعود الحكومات المتعاقبة، فإن الشلل السياسي يعرقل أي إجراء حاسم».
لكن البلاد يمكنها الاعتماد على نسبة دين خارجي تقل عن 2 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي، وشركاء «مستعدين لدعمها».