
كتب :أ. د. بركات عوض الهديبان
لم يكن مستغربا أن تتصدر الكويت دول المنطقة والعالم، في التجاوب مع أنباء التطورات المتسارعة، التي شهدتها المنطقة، خلال اليومين الماضيين، عقب الاعتداءات التي شنتها إسرائيل، على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليس فقط لأن بلادنا من أقرب الدول جغرافيا لإيران، ولكن أيضا لأن هذا ما عودتنا عليه قيادتنا السياسية، التي تجعل همها الأول والأساس، هو أمن الوطن والمواطنين، وحماية استقرار هذا البلد وأمانه وازدهاره.
من هنا وفي ظل توجيهات صاحب السمو أمير البلاد، الشيخ مشعل الأحمد، وسمو ولي عهده الأمين، سمو الشيخ صباح الخالد، جاء اجتماع مجلس الدفاع الأعلى، الذي ترأسه سمو الشيخ أحمد العبد الله رئيس مجلس الوزراء في قصر بيان، في وقت مبكر جدا من صباح أمس الأول الجمعة، والذي أكد خلاله على أهمية "تضافر الجهود والاستعدادات، بين كل جهات الدولة المعنية، ضمن خطط الطوارئ المعتمدة في مثل هذه الظروف"، وذلك بالتوازي مع الاستنفار الذي أعلنته الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى، خصوصا وزارة التجارة والصناعة التي أكدت أن مستوى المخزون الغذائي الإستراتيجي في البلاد "مطمئن جدا"، وكذلك وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة التي سارعت إلى التأكيد، على أن عمليات توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، "تسير وفق الخطط التشغيلية المعتادة دون أي عوائق أو مشكلات". والأمر نفسه تكرر مع جميع القطاعات الحكومية الأخرى.
يتوازى ذلك كله مع الموقف السياسي الكويتي، الذي لم يتردد مطلقا في إدانة ذلك العدوان الصهيوني الآثم، وتحذير وزارة الخارجية، من أن ما حدث "يعرض أمن واستقرار المنطقة للخطر". وهو موقف يتسق مع ما تؤمن به الكويت من قيم ومبادئ، تدعو إلى تكريس الأمن والأمان ونبذ الحروب، وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والعالم كله، وحل النزاعات والأزمات بين الدول المختلفة، عبر آليات الحوار والدبلوماسية. وهو موقف تبنته الكويت طيلة تاريخها، ولم تتزحزح عنه يوما، واعترف لها المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية والدولية والإقليمية، بدورها المهم والفاعل في معالجة الأزمات، وإزالة أسباب وعوامل الخلاف بين الأطراف المتصارعة، في أكثر من أزمة تشهدها منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، ومناطق أخرى من العالم.
وجاء هذا الاعتراف على لسان أكثر من أمين عام للأمم المتحدة، وتم تتويجه باختيار الكويت "مركزا للعمل الإنساني"، وأميرها الراحل المغفور له الشيخ صباح الأحمد "قائدا للعمل الإنساني". وهي السياسات والتوجهات ذاتها التي أوصى سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد بمواصلتها وتعزيزها، وجعلها توجها مؤسسيا يكتسب صفة "الاستدامة"، عبر أذرع الكويت الدبلوماسية والاقتصادية والإنسانية، وفي صدارتها "الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية"، والذي يمد يد العون والمساندة، إلى معظم الدول الفقيرة والنامية، في كل قارات العالم.
كما ينسجم هذا الموقف أيضا، مع موقف المجموعة الخليجية لدى الأمم المتحدة، التي دانت بقوة - وعلى لسان مندوب دولة الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة السفير طارق البناي بالنيابة عن المجموعة الخليجية - العدوان الإسرائيلي على إيران، وأكدت أنه، "يشكل سابقة خطرة تقوض القواعد والأسس التي يقوم عليها القانون الدولي، وفي مقدمتها مبدأ احترام سيادة الدول وعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها".
إن الكويت التي ذاقت مرارة الظلم والعدوان يوما، لا يمكنها أبدا أن تقبل بظلم يقع على أي دولة، في أي ركن من أركان المعمورة، فما بالنا إذا كانت هذه الدولة جارة وصديقة، يجمعنا بها الإسلام العظيم، وتربطنا بشعبها علاقات تاريخية وإنسانية ضاربة في القدم. وإننا إذ نجدد إدانتنا لهذا العدوان الغادر الذي تعرضت له إيران من جانب الكيان الصهيوني، فإننا نقف دوما مع الحق والعدل والسلام، وهي قيم ومبادئ تكاد أن تندثر، في عالم بدأت تغيب عنه الكثير من المرتكزات الدينية والإنسانية، وتحكمه وتستحوذ عليه نوازع الشر والعدوان، والخروج عن الفطرة السوية والسليمة.
لكن مهما علت شراع الباطل، فإن راية الحق ستنتصر يوما، وسوف يدرك العالم أن غياب المبادئ عنه، لا يدمر فقط قدراته المادية، بل يدمر أيضا روحه وقلبه، وينشر فيه الموت والفناء. وهو ما يحتم أن يتصدى الجميع لتجار الحروب، وناشري الخراب، ولكل معتدٍ أثيم، على شعب آمن مسالم.
وتبقي الكويت على الدوام، بإذن الله، في أمان الله وضمانته، لإيمانها بعدله ورحمته، وسعيها الدؤوب لمرضاته وعفوه، ونشرها للخير والمحبة والسلام، في ظل قيادة صاحب السمو الأمير، حفظه الله ورعاه، وشعبها الكريم، والحافظ لعهد الوفاء مع قيادته الحكيمة.