
لا تزال التداعيات تتوالى على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الأول الأربعاء، عن رفع نسبة الرسوم الجمركية المفروضة من الولايات المتحدة، على جميع دول العالم، وتهدد بإشعال حرب تجارية عالمية، بما يتضمنه ذلك من ارتفاع للتضخم وتقويض النمو الاقتصادي في كل الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة ذاتها.
وفور الكشف عن تفاصيل الرسوم الجمركية التي بدأ سريانها فوراً على واردات الولايات المتحدة من دول العالم أجمع، لا سيما من الصين والاتحاد الأوروبي، صدرت مواقف من دول وكيانات عديدة منددة بالخطوة، فيما برز تحذير من وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت لدول العالم أجمع، من الردّ على رسوم ترامب "تحت طائلة "التصعيد"، وقال الوزير مخاطباً قادة الدول: "استرخوا، تحمّلوا الضربة، وانتظروا لمشاهدة كيف سيتطوّر الوضع، لأنّه إذا رددتم فسيكون هناك تصعيد".
وقد تم فرض الحد الأدنى من الرسوم على غالبية الدول العربية، بينما شهدت كل من سوريا والعراق وليبيا زيادة كبيرة في هذه النسب. وفيما يتعلق بدول الخليج، فقد فرض الرئيس الأمريكي رسوماً متبادلة بنسبة 10 في المائة وهي عند الحد الأدنى.
وشملت القائمة أيضاً مصر، المغرب، لبنان، السودان، اليمن، جيبوتي، موريتانيا، وجزر القمر، حيث تم تحديد الرسوم عند الحد الأدنى بنسبة 10 في المائة.
ورغم أن نسبة الرسوم المفروضة على دول الخليج كانت الأقل عالميا، فإن ذلك لم يمنع بورصات دول مجلس التعاون الخليجي، من التأثر بتلك الرسوم، حيث شهدت الأسواق المالية الخليجية تراجعات حادة في ختام تعاملاتها أمس الخميس.
ووفقا لبيانات بحوث شركة "كامكو إنفست"، فقدت بورصات الخليج من قيمتها السوقية نحو 51.5 مليار دولار أمريكي أمس.
وجاء في صدارة الخسائر السوق السعودي بواقع 39.3 مليار دولار متراجعاً 1.5 في المئة، تلاه سوق أبوظبي بخسائر 6.6 مليارات دولار وبتراجع نسبته 0.9 في المئة، ثم سوق دبي المالي بنحو 3.9 مليارات دولار متراجعاً بنسبة 1.6% في المئة، وأخيرا بورصة الكويت بخسائر 500 مليون دولار وبتراجع 0.4 في المئة.
وعلى صعيد ردود الفعل العالمية على رسوم ترامب، تعهّد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، بالردّ على تلك الرسوم، معتبراً أنها "ستغيّر جذرياً" التجارة الدولية. وقال كارني في أوتاوا: "سنتصدى لهذه الرسوم الجمركية بإجراءات مضادة"، معتبراً أن الرسوم على الصلب والألومنيوم والسيارات "ستؤثر مباشرة على ملايين الكنديين".
كما دعت صناعة الكيميائيات الألمانية، التي تُعتبر الولايات المتحدة أكبر مستورد لمنتجاتها، الاتحاد الأوروبي إلى "التحلي بالهدوء" في ردّه على رسوم ترامب، مؤكّدة أنّ "التصعيد لن يؤدي إلا إلى تفاقم الضرر". وقال اتحاد الصناعات الكيميائية الألمانية "في آي سي" الذي يضمّ خصوصا شركتي باير وباسف العملاقتين: "نأسف لقرار الحكومة الأميركية. من المهمّ الآن لكل الأطراف المعنية التحلّي بالهدوء".
وندّد اتّحاد صناعة السيارات الألماني "في دي إيه" بالرسوم الجمركية مطالباً الاتحاد الأوروبي بالردّ عليها بقوة كونها "ستُسبّب خسائر فادحة"، ومناشداً إياه في الوقت نفسه "الاستمرار في التعبير عن استعداده للتفاوض".
كما حذّر الاتّحاد من أنّ الخسارة لن تقتصر على ألمانيا بل ستطاول المستهلك الأميركي وصناعة السيارات الأميركية نفسها. وناشد الاتّحاد بروكسل إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة "مع أكبر عدد ممكن من المناطق في العالم" لكي يصبح الاتحاد الأوروبي "بطلاً للتجارة العالمية الحرة والعادلة".
ومن روما، أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أنّ رسوم ترامب "إجراء سيّئ"، محذّرة من أنّ اندلاع حرب تجارية لن يؤدّي إلا إلى إضعاف الغرب. وقالت ميلوني في بيان إنّ "فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على الاتحاد الأوروبي إجراء أعتبره خاطئاً ولا يصبّ في مصلحة أيّ من الطرفين. سنبذل قصارى جهدنا للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لتجنب حرب تجارية ستؤدّي حتماً لإضعاف الغرب لصالح جهات فاعلة عالمية أخرى".
أما بريطانيا، فقد اعترف رئيس وزرائها كير ستارمر، الخميس، خلال اجتماع مع قادة الأعمال في داونينغ ستريت، بأن الرسوم الجمركية الأميركية التي أقرّها ترامب الأربعاء سيكون لها "تأثير" على الاقتصاد البريطاني. وقال زعيم حزب العمال إن "من الواضح أن القرارات التي اتخذتها الولايات المتحدة سيكون لها تأثير اقتصادي، على الصعيدَين المحلي والعالمي. لكنني أريد أن أكون واضحاً: "نحن مستعدون، لأن إحدى نقاط القوة التي يتميز بها بلدنا هي قدرتنا على الحفاظ على الهدوء".
بدوره، أعلن وزير تجارتها جوناثان رينولدز أنّ المملكة المتّحدة ما زالت ملتزمة بالتوصّل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة "لتخفيف" تأثير الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، مشدّداً على أنّ لندن لا تعتزم اتّخاذ إجراءات انتقامية في الحال.
وقال وزير الخارجية الدنماركي لارس لوك راسموسن إنّ "الجميع استفادوا من التجارة العالمية.. لا أفهم لماذا تريد الولايات المتحدة شنّ حرب تجارية على أوروبا. لا أحد ينتصر، الجميع خاسرون"، مؤكداً أنّ "أوروبا ستبقى موحّدة. أوروبا ستقدّم ردوداً قوية ومتناسبة".
وفي بكين، أعلنت الصين، أمس الخميس، أنها "تعارض بشدة" الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على صادراتها، متعهدة اتخاذ "تدابير مضادة لحماية حقوقها ومصالحها". وقالت وزارة التجارة في بكين في بيان إن الرسوم الجمركية الأميركية "لا تتوافق مع قواعد التجارة الدولية وتضر بشكل خطير بحقوق الأطراف المعنية وبمصالحها المشروعة". وطالبت وزارة التجارة الصينية، الخميس، واشنطن بأن "تلغي فوراً" الرسوم الجمركية التي فرضها لتوّه الرئيس دونالد ترامب على دول العالم أجمع، محذّرة من أنّ هذه التعرفات "تُعرّض التنمية الاقتصادية العالمية للخطر" وتضرّ بالمصالح الأميركية وبسلاسل التوريد الدولية. وقالت الوزارة في بيان إنّ "الصين تحضّ الولايات المتّحدة على أن تلغي فوراً إجراءات الرسوم الجمركية الأحادية، وأن تحلّ الخلافات مع شركائها التجاريين على نحو سليم من خلال حوار متكافئ"، مشدّدة على أنّ "لا رابح في حرب تجارية، ولا مخرج من الحمائية".
كما حذّرت اليابان، الخميس، من أنّ الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب قد تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية والمعاهدة التجارية المبرمة بين البلدين.
من جهتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية فون ديرلاين، إن الأوروبيين "مستعدون للرد" على الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة التي تشكل، برأيها، "ضربة كبيرة" للاقتصاد العالمي، وستكون لها عواقب وخيمة على الملايين حول العالم، معلنة في الوقت نفسه استعداد الاتحاد الأوروبي دوماً للتفاوض مع أميركا.
وغداة إعلان ترامب الرسوم الجمركية الشاملة وتزامناً مع دخول رسوم السيارات حيز التنفيذ، انهارت أسواق آسيا والعقود الآجلة الأميركية أمس الخميس، حيث أغلقت بورصة طوكيو على هبوط بنسبة 3% تقريباً الخميس، بعدما هز قرار ترامب فرض رسوم جمركية على الواردات الأجنبية السوق اليابانية والأسواق العالمية الأخرى، وقال إنه فرض "رسوماً جمركية متبادلة" بنسبة 24% على اليابان التي تُعد واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة. وانخفض مؤشر نيكاي الرئيسي 2.77% إلى 34735 نقطة، كما انخفض مؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 3.08% إلى 2568 نقطة.
كما تراجعت أسواق الأسهم الأوروبية في بداية التعاملات أمس الخميس، وكان مؤشر داكس في فرانكفورت الأكثر انخفاضاً بنسبة 2.2%، بينما تراجع مؤشر كاك 40 في باريس 2%. وخارج الاتحاد الأوروبي، انخفض مؤشر فاينانشال تايمز 100 في لندن بنسبة 1.2% بعدما كان تأثير قرار ترامب على بريطانيا أقل حدة منه على الاتحاد الأوروبي.
إلى ذلك، هبطت العقود الآجلة لخام برنت 1.97 دولار أو 2.63% إلى 72.98 دولاراً بحلول الساعة 00:33 بتوقيت غرينتش أمس الخميس. كما نزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.98 دولار أو 2.76% إلى 69.73 دولاراً.
وقال البيت الأبيض، أمس الأول الأربعاء، إن واردات النفط والغاز والمنتجات المكررة ستكون معفاة من الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب.
وقد تؤدي سياسات ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية إلى مفاقمة التضخم وإبطاء النمو الاقتصادي وزيادة النزاعات التجارية، وهي احتمالات أثرت سلباً على أسعار النفط. ودعمت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية الصادرة أمس الأول الأربعاء الاتجاه الهبوطي، بعدما أظهرت ارتفاعاً كبيراً بشكل مفاجئ في مخزونات الخام الأميركية بلغ 6.2 ملايين برميل الأسبوع الماضي، مقابل توقعات المحللين بانخفاض قدره 2.1 مليون برميل.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، قد أعلن أمس الأول الأربعاء، فرض ضريبة أساسية بنسبة 10 في المائة على الواردات من جميع البلدان ومعدلات تعريفة جمركية أعلى على عشرات الدول التي لديها فوائض تجارية مع الولايات المتحدة، ما يهدد بقلب كثير من بنية الاقتصاد العالمي وإشعال فتيل حروب تجارية أوسع.
جاءت هذه التصريحات في الوقت الذي أبدى فيه ترمب استعداده لتفكيك النظام الاقتصادي العالمي، الذي ساهمت الولايات المتحدة في بنائه بعد الحرب العالمية الثانية.
ورفع رسماً بيانياً أثناء حديثه، يُظهر أن الولايات المتحدة ستفرض ضريبة بنسبة 34 في المائة على الواردات من الصين، و20 في المائة على الواردات من الاتحاد الأوروبي، و25 في المائة على كوريا الجنوبية، و24 في المائة على اليابان، و32 في المائة على تايوان.
وقال ترمب، في تصريحات بالبيت الأبيض: «لقد تعرض دافعو الضرائب للاستغلال لأكثر من 50 عاماً. لكن هذا لن يحدث بعد الآن».
وشدّد على أنه يضع «أميركا في المقام الأول أخيراً» خلال تصريحاته التي سبقت توقيع خطته للرسوم الجمركية المتبادلة.
ووعد بعودة وظائف المصانع إلى الولايات المتحدة نتيجةً للضرائب. لكن سياساته تُخاطر بالتسبب في تباطؤ اقتصادي مفاجئ، حيث قد يواجه المستهلكون والشركات ارتفاعات حادة في أسعار السيارات والملابس وغيرها من السلع.