
القاهرة - «كونا» و«وكالات»: في أقوى كلمة تشهدها القمة العربية غير العادية، التي عقدت أمس بمدينة القاهرة في العاصمة الإدارية، وضع ممثل صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد، النقاط فوق الحروف، معبرا بأفضل صورة ممكنة عن الموقف العربي الموحد، الرافض لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، والمتمسك لأبعد مدى بالحقوق المشروعة لهذا الشعب، وأهمها حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967.
واستهل سموه كلمته أمام القمة التي اعتمدت خطة إعادة إعمار غزة، بالترحيب والتهنئة للرئيس السوري أحمد الشرع، والرئيس اللبناني جوزيف عون، متمنيا لهما لهم كل التوفيق في خدمة بلديهما والعمل العربي المشترك.
وقال سمو ولي العهد: يطيب لي بداية أن أنقل لكم جميعا تحيات حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد «حفظه الله ورعاه»، وتهنئته لإخوانه أصحاب الجلالة والفخامة والسمو بحلول شهر رمضان المبارك، وأتقدم بالشكر إلى جمهورية مصر العربية الشقيقة، على استضافتها لهذه القمة المهمة، والشكر موصول إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية وجهاز الأمانة العامة على الإعداد والتحضير.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو : إننا نجتمع اليوم في ظروف استثنائية ومنعطف تاريخي غير مسبوق تجاه قضية العرب الأولى، وهي القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، حيث أدت آلة الحرب للاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من خمسة عشر شهر إلى مقتل ما يقارب «50» ألف فلسطيني، الغالبية العظمى منهم من النساء والأطفال، وجرح أضعافهم، وتدمير كامل للبنية التحتية لقطاع غزة.
وبعد جهود دؤوبة مضنية من قبل كل من جمهورية مصر العربية الشقيقة، ودولة قطر الشقيقة، والولايات المتحدة الصديقة، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.. واستمعنا بعد ذلك لتصريحات وخطط يتم تداولها بشأن التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، وذلك ضمن سلسلة مستمدة من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والتجاهل المتعمد المتواصل لقرارات الشرعية الدولية.
وشدد ممثل سمو الأمير على أن سبيل تحقيق وقف إطلاق النار، وإتاحة المجال للحلول السياسية لإعادة تأهيل القطاع ومنح الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة للعيش في أرضه، لن يتحقق بالحلول المتجزئة، حيث إن ما يتم طرحه حول تهجير الشعب الفلسطيني ليس فقط طرحا غير عملي أو واقعي، بل يصل إلى أن يكون جريمة تطهير عرقي في حق شعب أصيل، له كل الحقوق التاريخية والقانونية التي تمكنه من العيش على أرضه دون مساومة أو تنازل.
أضاف سموه: ولذلك، فإن على المجتمع الدولي وبخاصة مجلس الأمن تأدية مهمته الرئيسية بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ووقف المنهجية العدوانية الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة والضفة الغربية، ومنع أي محاولات لفرض واقع جديد عبر التهجير القسري والتوسع الاستيطاني.
وقال سموه أيضا: لنتفق على أمرين رئيسيين لكي نمضي قدما بشكل منهجي وموضوعي واستراتيجي.. فالأمر الأول هو أن دعمنا لهذه القضية المركزية واجب ديني وعربي وأخلاقي وإنساني، والأمر الثاني هو أنه لا مجال للعودة لما كان عليه الحال في السابق، حيث إن الكلمات والبيانات والمؤتمرات والقمم لن تجدي نفعا إذا لم تنتج عن خارطة طريق ملموسة قابلة للتنفيذ والتطبيق على أرض الواقع، بملكية عربية في المقام الأول، فوحدتنا هي منارتنا التي نستهدي بها، وتعاضدنا يلهمنا القوة والرشاد.
وبناء على ذلك، فإن قمتنا اليوم، وفي هذه اللحظة التاريخية الفارقة تقع على عاتقها مسؤولية صياغة موقف عربي موحد لمواجهة أي محاولات أو مخططات أو دعوات لتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الدول العربية.. ولذلك، نود تسليط الضوء على عدد من المحددات والخطوات الملموسة، نرى أهمية ترجمتها على أرض الواقع، وهي: 1- إعلاء الصوت العربي الرافض لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى رفض تحميل دول المنطقة – لا سيما جمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة العربية السعودية – أي تبعات جراء دعوات التهجير.
2- صياغة خطة لإعادة إعمار غزة بمشاركة فلسطينية وعربية ودولية، تتناول كافة الجوانب التنموية والإنسانية والاقتصادية، وأن تتضمن موقفا عربيا قانونيا يحمل إسرائيل -القوة القائمة بالاحتلال- مسؤولية إعادة بناء ما دمرته آلتها الحربية الوحشية، وتعويض أبناء الشعب الفلسطيني عن الأضرار التي لحقت بهم وبممتلكاتهم.
3- المحاسبة أهم عناصر العدالة، وهذه الأعمال العدوانية تستمر وتزداد سوءا بسبب غيابها، ولنصل إلى ذلك فلا بد أن يطبق القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الجمعية العامة، وقرارات مجلس الأمن، وقرارات مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ذات الصلة.
4- ونظرا للأمام، فلدينا استحقاق من شأنه أن ينتج عن مخرجات تاريخية تسهم فعليا في حل هذه القضية، وهو المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين، والذي سيعقد برئاسة مشتركة سعودية - فرنسية، في شهر يونيو من العام الجاري، فعلى الدول المشاركة أن توضح ما هي الآليات التي ستنتهجها نحو حل الدولتين بشكل ملموس وواقعي.
5- أهمية تعزيز الجهود لحث كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي لم تقم حتى الآن بالاعتراف بدولة فلسطين الشقيقة، بالعمل على ذلك.. كما يجب علينا أن ندعم مساعي الأشقاء في فلسطين للحصول على العضوية الكاملة لدى الأمم المتحدة.
6- ضرورة توحيد الصف الفلسطيني، وتغليب مصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه، بما في ذلك الاتفاق على إدارة قطاع غزة، وتعزيز قدرات الحكومة الفلسطينية لتمكينها من القيام بواجباتها.. وتوحيد الصف العربي لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل، وذلك من خلال استخدام كافة الوسائل للضغط على الأطراف التي تسعى إلى فرض مخططات التهجير، والتعامل مع هذه المسألة كأولوية في السياسات الخارجية العربية.
7- تعزيز الدعم المالي والسياسي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «الأونروا»، ورفض أي محاولات لتقليص دورها أو تسييس عملها.
واختتم سموه كلمته بقول: إن دولة الكويت تؤمن بأن السلام لن يتحقق عبر القهر والإجبار، ولن يفرض من خلال القوة والتهجير.. وتجدد موقفها التاريخي والثابت بأنه لا طريق للأمام إلا بسلام دائم وشامل وعادل من خلال ما تم إقراره والاتفاق عليه وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية لعام 2002، وصولا لإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، على حدود الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
من جهته قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط إن الهدف من وراء عقد القمة العربية الطارئة في القاهرة «كان تأكيد الرفض العربي لتهجير الفلسطينيين».
أضاف في مؤتمر صحفي لعرض البيان الختامي للقمة العربية التي أطلقت بعنوان «قمة فلسطين»، أن إعمار غزة أمر ممكن ببقاء أهلها على أرضهم.
وأشار أبو الغيط إلى أن القمة اعتمدت خطة عربية لإعادة إعمار قطاع غزة وفق مراحل محددة، موضحا أن الخطة العربية ترسم أيضا مسارا لسياق أمني وسياسي جديد في غزة.
وبين أن الخطة العربية تحافظ على الاتصال بين الضفة الغربية، مشددا على أن السلام هو خيار العرب الاستراتيجي القائم على رؤية الدولتين.
وأكد البيان الختامي على أولوية استكمال وقف إطلاق النار الذي يتعرض لتحد كبير، داعيا مجلس الأمن إلى نشر قوات حفظ سلام دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
كما أكد البيان الختامي على إمكانية إيجاد بديل واقعي لتهجير الشعب الفلسطيني.
وشهدت قمة القاهرة إجماعًا عربيًا قويًا على رفض العدوان الإسرائيلي، ودعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لوقف الجرائم بحق الشعب الفلسطيني. كما أكد القادة العرب ضرورة العمل على إطلاق مسار سياسي جاد يضمن حلًا عادلًا ودائمًا للقضية الفلسطينية، وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ووجهت القمة العربية غير العادية التي حضرها أمين عام الأمم المتحدة ورئيس الاتحاد الأفريقي ورئيس المجلس الأوروبي وأمين عام دول مجلس التعاون الخليجي وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي، رسالة قوية للعالم بأن الدول العربية لن تقبل بأي مخططات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم، داعية إلى تكثيف الجهود السياسية والإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر.
ودانت الخطة المصرية العدوان الإسرائيلي على غزة، وما أسفر عنه من قتل واستهداف المدنيين والمعاناة الإنسانية غير المسبوقة، مؤكدة أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، وأن حل الدولتين هو الحل الأمثل وفقًا للمجتمع والقانون الدوليين. كما شددت الخطة على ضرورة الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني ومنع تهجيره، مع تكاتف المجتمع الدولي لمعالجة الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب، مؤكدة أن نزع الأمل في إقامة الدولة الفلسطينية أو محاولة انتزاع الأرض من الفلسطينيين لن يؤدي إلا إلى المزيد من الصراعات وعدم الاستقرار.
وطالبت الخطة المصرية بضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشيرة إلى أن تنفيذ إعادة الإعمار يتطلب ترتيبات للحكم الانتقالي وتوفير الأمن بما يحافظ على آفاق حل الدولتين. كما أكدت أهمية دعم جهود مصر وقطر والولايات المتحدة في تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، محذرة من أن انهيار الاتفاق سيؤدي إلى إعاقة الجهود الإنسانية وعملية إعادة الإعمار.
كما طالبت الخطة بحشد الدعم السياسي والمالي لدعم الجهود المصرية والأردنية في تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية، وأشارت إلى أن مجلس الأمن قد يدرس مقترحًا بوجود قوات دولية في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن الخطة المصرية «تضمن بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه وإعادة بنائها»، داعياً إلى حشد الدعم الدولي والإقليمي لها، وذلك خلال كلمته مساء أمس الثلاثاء في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة العربية «الطارئة» في القاهرة، التي تأتي في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتصاعد المخاوف من محاولات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم التاريخية.
وكشف السيسي في كلمته أمام القمة عن أن مصر عملت على بلورة خطة شاملة لإعادة إعمار غزة، تضمن بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه وإعادة بناء القطاع دون تهجير سكانه، داعيا القادة العرب إلى اعتماد هذه الخطة، ودعم الصندوق المزمع إنشاؤه لتمويل عملية إعادة الإعمار، مشيرًا إلى أن لجنة إعادة الإعمار ستواصل عملها في غزة حتى تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة القطاع.
كما كشف عن تعاون مصري فلسطيني لتشكيل لجنة من الفلسطينيين المستقلين لإدارة قطاع غزة، مؤكدًا أن مصر تعمل أيضًا على تدريب كوادر أمنية فلسطينية لتولي مسؤولية الأمن في القطاع خلال المرحلة المقبلة.
ووصف السيسي العدوان الإسرائيلي على غزة بأنه وصمة عار في تاريخ البشرية، عنوانها نشر الكراهية وغياب العدالة، محذرًا من استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ومؤكدًا أن «القدس ليست مجرد مدينة، بل رمز لهويتنا وقضيتنا العادلة».
وقبل كلمة السيسي، افتتح ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، القمة العربية الطارئة، حيث أكد دعم بلاده الكامل للخطة المصرية الخاصة بإعادة إعمار غزة، مشددًا على أن السلام الدائم هو الإطار الضامن لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة. كما شدد في كلمته أمام القمة على رفض أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني، داعيًا إلى تكثيف الجهود العربية والدولية لإنهاء المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية.
أما العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، فقال أمام القمة العربية: «اليوم علينا التأكيد على رفضنا التام لتهجير الفلسطينيين، وعلى دعم خطة واضحة لإعادة إعمار غزة»، مضيفاً: «علينا إعداد تصور واضح وقابل للتنفيذ بشأن إدارة غزة وربطها بالضفة الغربية».
وشدد العاهل الأردني على وجوب وقف التصعيد الخطير في الضفة الغربية، ورفض قرار إسرائيل منع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
بدوره، قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في كلمته: «نجتمع وأمامنا تحديثات خطيرة، وعلى رأسها دعوات تهجير شعبنا والتي نرفضها رفضاً قاطعاً»، بينما أشاد بالخطة المصرية العربية لإعادة إعمار غزة «بوجود الفلسطينيين على أرضهم دون تهجير». ودعا عباس الرئيس الأميركي إلى دعم جهود إعمار غزة «على أساس الخطة المصرية العربية وليس على أي أساس آخر». وأعلن عباس استعداده لإجراء «انتخابات عامة رئاسية وتشريعية خلال العام المقبل في الضفة وغزة والقدس الشرقية متى توفرت الظروف لذلك».
من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أمام القمة العربية، إن الفلسطينيين في غزة «يعانون ويجب أن نمنع بكل الطرق استئناف القتال في غزة»، داعياً إلى «إطلاق سراح الرهائن والسجناء من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي». وشدد على أن غزة يجب أن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية دون اقتطاع أي جزء منها، معلناً ترحيبه بمبادرة الجامعة العربية لحشد الدعم لإعادة إعمار قطاع غزة.
ودعا كذلك للدعم الكامل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» وخاصة الدعم المالي.