بإعلان الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، أمس السبت، عن وجهته الخارجية الأولى، إلى المملكة العربية السعودية، وذلك بعد أن جرى انتخابه من قبل مجلس النواب، يوم الخميس الماضي وسط ترحيب خارجي كبير، وعقب شغور رئاسي استمر لأكثر من عامين، يتضح مدى ما للمملكة ولدول مجلس التعاون الخليجي عموما، من وزن سياسي إقليمي وعالمي، وأن هذه المنظومة الإقليمية والأنجح، على مدى العقود الماضية، تثبت أنها «رمانة الميزان» في استقرار المنطقة وتنميتها اقتصاديا.
وقالت الرئاسة اللبنانية في بيان إن عون، البالغ من العمر 61عام، قد تلقى اتصال تهنئة من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي وجه له دعوة لزيارة المملكة، وذلك خلال اتصالٍ هاتفي أبلغه فيه تهنئة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وتهنئته بانتخابه وأدائه اليمين الدستورية رئيساً للبنان.
وعبّر ولي العهد السعودي خلال الاتصال، عن أصدق التهاني وأطيب التمنيات بالتوفيق والسداد للرئيس عون، وللشعب اللبناني المزيد من التقدم والرخاء.
من جانبه، ثمّن الرئيس عون للأمير محمد بن سلمان مواقف السعودية تجاه لبنان وشعبه، وقال إنها ستكون أول مقصد له في زياراته الخارجية تلبيةً لهذه الدعوة، وفق بيان للرئاسة اللبنانية.
وأوضح أن اختياره السعودية كأول وجهة خارجية يأتي إيماناً بدورها التاريخي في مساندة بلاده والتعاضد معها، وتأكيداً لعمق لبنان العربي كأساس لعلاقاته مع محيطه الإقليمي.
من جانب آخر، عبَّر السفير السعودي في بيروت وليد بخاري، عن ارتياح بلاده بإنجاز الاستحقاق الرئاسي الذي «تحقَّق بوحدة اللبنانيين التي تبعث الأمل في نفوسهم».
وقد شكّل انتخاب، العماد جوزاف عون، رئيساً للجمهورية اللبنانية منعطفاً مهماً في تاريخ البلاد، إذ جاء الاستحقاق الرئاسي في ظل تغيرات إقليمية ودولية أثرت على النفوذ التقليدي لحزب الله الذي كان اللاعب الأبرز في تحديد هوية الرؤساء.
وحسب وكالة «فرانس برس»، فقد حظي انتخاب عون رئيسا بدعم خمس دول تعاونت في حلّ الأزمة الرئاسية اللبنانية، بينها السعودية التي شكلت خلال عقود داعما رئيسيا للبنان، قبل أن يتراجع تباعا اهتمامها بالملف اللبناني على وقع توترات إقليمية مع طهران، داعمة حزب الله.
وأتاح تراجع نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة، وفق محللين، انتخاب عون رئيسا بعد أكثر من عامين من الفراغ في سدة الرئاسة.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة «فرانس برس»، إن «دعم السعودية تحديدا في اللحظة الأخيرة كان عاملا حاسما بشكل خاص» لتسهيل انتخاب عون.
وتعهّد عون في خطاب القسم من البرلمان الخميس اعتماد «سياسة الحياد الإيجابي»، بعيدا عن سياسة المحاور الإقليمية، وبإقامة «أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة انطلاقا من أن لبنان عربي الانتماء والهوية».
ويتفق الكثير من المراقبين على أن الرئيس اللبناني الجديد سيكون أمام تحدٍّ كبير، سيرسم النجاح فيه جزءاً من ملامح مرحلة جديدة تتهيأ لها المنطقة ككل بعد التحولات التي شهدتها على مدار الأشهر القليلة الماضية، وسط تساؤلات حول ما الذي تأمله دول الخليج من لبنان بعد تولي عون رئاسة البلاد.
كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد عبرت عن ترحيبها بانتخاب عون، مؤملة على لسان الأمين العام للمجلس جاسم البديوي عن تطلعها لأن يسهم انتخابه «في استعادة الأمن والسلام في البلاد، وتحقيق تطلعات الشعب في الاستقرار والرخاء والتنمية».
وجاءت الكويت في طليعة الدول الخليجية والعربية المرحبة بانتخاب الرئيس اللبناني، حيث أشاد صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد، وسمو الشخ أحمد العبد الله رئيس مجلس الوزراء بهذه الخطوة وبالعلاقات بين البلدين، وأكدوا تطلعهم الدائم والمشترك «لتعزيز أواصر هذه العلاقات والارتقاء بأطر التعاون المشترك بينهما».
وتتخطى العلاقات الأخوية الكويتية اللبنانية التي تمتد الى اكثر من قرن، حاجز الدبلوماسية لكونها مميزة في القلب والذاكرة والمصاهرة والصداقة المتينة والجوار بين اللبنانيين والكويتيين الذين يمتلكون مساكنهم في مختلف الاراضي اللبنانية من الساحل الى الجبل. وجاءت تهنئه القيادة السياسية الكويتية للرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بعد انتخابه من مجلس النواب لتؤكد على مدى العلاقات التاريخية والمميزة بين البلدين، والعمل على تعزيز العلاقات والارتقاء باطر التعاون المشترك في مختلف المجالات الى افاق ارحب خدمة لمصلحتهما.
وقد سارع الشعب الكويتي مع الجالية اللبنانية للمساهمة في حملة «الكويت بدها سلامتكم «، التي نظمتها السفارة اللبنانية أوائل ديسمبر الماضي، في تفاعل منقطع النظير ومحبة ومودة بين الشعبين الشقيقين، خصوصا ان لبنان يعتبر قبلة للكويتيين للسياحة والاستثمار، وان كانت حرب غزة في اكتوبر 2023 وما رافقها من مواجهة عسكرية جنوبي لبنان، أثرت بشكل واضح على حركة الزائرين واحجام المستثمرين.
ولاشك انه في عهد الرئيس جوزيف عون، ستواصل الكويت الوقوف بجانب لبنان في هذه المرحلة المفصلية، ومد اليد للبنانيين للنهوض ببلدهم الشقيق وتجاوز التحديات والعقبات .
ويرى محللون أن التطورات الأخيرة «منحت دول الخليج العربي فرصة كبيرة لملء فراغات الدور الإيراني، وخصوصاً في لبنان، وإعادة تشكيل السياسات الداخلية في بعض الدول التي كانت في يوم من الأيام جزءاً من المحور الإيراني».
ويشددون على وجود رهان خليجي كبير على الرئيس اللبناني الجديد، من أجل تقويض قدرة إيران على تأثير السياسات الداخلية في لبنان، مدعوماً بشكل رئيسي بالتحول السوري، لافتين كذلك إلى أن «هذا التحول السوري يدفع السياسة اللبنانية تجاه منطق مختلف تماماً عن الماضي بوجود المحور الإيراني، ويمنح الخليج فرصة للوجود أكثر في لبنان».
ويذهب المراقبون أيضا إلى أن من أبرزالتحديات التي تواجه الرئيس الجديد، تشكيل حكومة جديدة قادرة على الموازنة بين احتياجات لبنان وتطلعات المجتمع الدولي والموازنة بين الديناميكية السياسية الداخلية، ونقل لبنان من اللا دولة إلى بناء المؤسسات وإعادة دولة لبنان التي يريدها الجميع.