
فيما أشادت وكالة موديز لخدمات المستثمرين بحصافة السياسة النقدية التي يطبقها بنك الكويت المركزي، ومتانة أوضاع القطاع المصرفي في البلاد، فإنها حذرت من مخاطر التجاذبات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مؤكدة أنها تعوق رسم السياسات، وتقوض قدرة الدولة على التكيف مع الصدمات.
وأكدت الوكالة أن إدارة السياسة النقدية للكويت تشكل مصدرا للقوة المؤسسية، كما يتضح من مستويات التضخم المنخفضة والمستقرة نسبيا منذ تطبيق نظام سعر صرف الدينار الكويتي القائم على سلة موزونة من العملات.
جاء ذلك في تقرير أصدرته «موديز» بعنوان «الرأي الائتماني» بشأن المراجعة المنتظمة للتصنيف الائتماني السيادي للكويت، مشيرة من خلاله إلى قوة اللوائح التنظيمية التي يصدرها بنك الكويت المركزي وحصافتها، حيث انعكس ذلك في معدلات كفاية رأس المال المرتفعة في النظام المصرفي، والنهج الاستباقي لتنفيذ الإطار التنظيمي المصرفي الدولي، بما في ذلك التطبيق الكامل لإصلاحات بازل «3».
ولفتت الوكالة أيضا إلى محدودية مخاطر العدوى التي قد يشكلها النظام المصرفي في الكويت على الموازنة العامة للدولة، حيث تصنف الوكالة تلك المخاطر عند الدرجة «baa». وبالرغم من توقع الوكالة ضعف ربحية البنوك بسبب التداعيات السلبية لجائحة كورونا، إلا أنها أشادت بما تتمتع به البنوك من معدلات رسملة وسيولة ومخصصات مرتفعة مما يدعم أداء القطاع المصرفي.
وبشأن بالتصنيف الائتماني للكويت، فقد سبق لـ «موديز» تخفيض التصنيف الائتماني للكويت، بتاريخ 22 سبتمبر 2020، وذلك بواقع درجتين من «Aa2» إلى «A1» مع تغيير النظرة المستقبلية من تحت المراجعة إلى مستقرة.
وأوضحت الوكالة أن التصنيف السيادي للكويت، يرتكز على الثروة الاستثنائية التي تتمتع بها، حيث تقدر أصول صندوق الثروة السيادي التي تديرها الهيئة العامة للاستثمار بنحو 4 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب الاحتياطيات النفطية الضخمة، ومع ذلك، فإن التصنيف الائتماني مقيد بالتجاذبات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية التي تعوق رسم السياسات وتقوض قدرة الدولة على التكيف مع الصدمات.
وذكرت الوكالة أن مخاطر السيولة بشكل خاص تهدد التصنيف الائتماني للدولة على المدى القريب، مضيفة أن احتمالية استمرار السلطتين التنفيذية والتشريعية في طرح تدابير مؤقتة وجزئية من شأنها إطالة حالة عدم اليقين بشأن وضع التمويل على المدى المتوسط.
أضافت أن مخاطر السيولة الناتجة عن المأزق التشريعي المستمر ستظهر إذا استمر حتى استنفاد الموارد السائلة المتاحة قبل تواريخ استحقاق السندات الدولية، وفي هذا الشأن ترجح الوكالة أن تواجه التشريعات التي تتقدم بها الحكومة لحل مشكلة نقص مصادر التمويل مقاومة من مجلس الأمة.
وعلى الجانب الإيجابي، أشارت الوكالة إلى أن الكويت تملك رصيدا ضخما من الأصول السيادية في صندوق احتياطي الأجيال القادمة يقدر بنحو 420 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية عام 2020، كما أن الأصول وإيرادات الاستثمار الناتجة عن صندوق احتياطي الأجيال القادمة مستبعدة حاليا عن الموازنة العامة بموجب القانون، ويمكن تقليص تحديات التمويل التي تواجه الكويت من خلال تعديل القوانين للسماح بالسحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة لسد عجز الموازنة العامة، وهو ما اقترحته الحكومة مؤخرا في مشروع قانون تم تقديمه إلى مجلس الأمة.
وبالتالي، فإن العقبات التي تواجهها الكويت لحل تحدياتها التمويلية هي بالدرجة الأولى عقبات سياسية.
وعلى صعيد العوامل الأربعة التي بني عليها التصنيف الائتماني السيادي للكويت، فقد قامت الوكالة برفع تصنيف العامل الأول للتصنيف المتمثل بالقوة الاقتصادية للكويت من الدرجة الأولية «BAA2»، إلى الدرجة النهائية «A2» لتعكس مستويات الثروة العالية بشكل استثنائي، فضلا عن ثرواتها الهائلة من النفط، حيث تمتلك الكويت إلى حد بعيد أكبر نسبة من احتياطيات النفط المؤكدة إلى الإنتاج بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي يقدر أنها تدوم نحو 90 عاما بالمعدل الحالي للإنتاج
أضافت إلى أنه إلى جانب تكاليف الإنتاج المنخفضة نسبيا، فإن هذا يدعم مستويات مرتفعة من الثروة الوطنية، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من حيث القوة الشرائية نحو 46 ألف دولار أميركي في عام 2019
وبالنسبة للعامل الثاني للتصنيف والمتمثل بالقوة المؤسساتية ومعايير الحوكمة، فقد صنفتها الوكالة عند الدرجة «BA2»، حيث أشارت إلى ضعف بعض جوانب الإطار المؤسسي وفعالية الحوكمة كما يتضح من التدهور المستمر في مؤشرات الحوكمة الصادرة عن البنك الدولي خلال العقد الماضي ومؤخرا نتيجة عدم قدرة الدولة على تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية المخطط لها.
وذكرت «موديز» أنه ومع تعافي أسعار النفط جزئيا في عام 2018، واصلت الحكومة تأخير تنفيذ الإصلاحات الأقل شعبية، مثل إدخال ضريبة القيمة المضافة وضرائب الإنتاج ومراجعات أجور ومرتبات القطاع العام، مشيرة إلى أنه علاوة على ذلك، استمر الإنفاق الحكومي المدرج في الموازنة في السنة المالية السابقة في الارتفاع على أساس سنوي على الرغم من التوقعات بتخفيض الإيرادات الحكومية بأكثر من النصف بسبب انهيار أسعار النفط الناجمة عن تداعيات جائحة ڤيروس كورونا
وعلى صعيد العامل الثالث للتصنيف المتمثل بقوة المالية العامة للكويت، صنفت الوكالة قوة المالية العامة للكويت عند الدرجة النهائية «AAA» أعلى من الدرجة الأولية «AA2»، لافتة إلى أنه على الرغم من أن حصة الدين الحكومي بالعملة الأجنبية بالنسبة إلى إجمالي الدين مرتفعة للغاية، إلا أن عبء الدين الحكومي الإجمالي منخفض جدا.
وقالت إنه بالإضافة إلى ذلك، يتم تخفيف مخاطر المالية العامة إلى حد كبير من خلال سياسة سعر صرف الدينار الكويتي، مدعومة باحتياطيات قوية من العملات الأجنبية لدى بنك الكويت المركزي وكذلك الأصول السائلة بالعملة الأجنبية لصندوق الثروة السيادية.
وأوضح التقرير كذلك أن التصنيف يأخذ في الاعتبار الهوامش المالية الوقائية الكبيرة للغاية، في شكل أصول تديرها الهيئة العامة للاستثمار.
ويعكس تصنيف الوكالة لقوة المالية العامة في الكويت فوائض مالية عالية للغاية حافظت عليها في الماضي، مما ساعد على تكوين احتياطيات مالية كبيرة، وأبقى الدين الحكومي عند مستويات منخفضة.
وأشارت الوكالة إلى أن توقعاتها الأساسية تفترض أن تقوم الكويت بتمويل عجزها هذا العام جزئيا، من خلال المزيد من بيع بعض الأصول غير السائلة من صندوق الاحتياطي العام إلى صندوق احتياطي الأجيال القادمة، والتي نقدرها في المبلغ الإجمالي بنحو 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، حتى إذا كان من الممكن بيعها بالكامل إلى صندوق احتياطي الأجيال القادمة، فإن الحصة المتبقية من الأصول غير السائلة لاتزال غير كافية لتمويل متطلبات التمويل الإجمالية لكامل السنة المالية القادمة
وفيما يتعلق بالعامل الرابع للتصنيف والمتمثل بحساسية التصنيف للمخاطر الجيوسياسية، فقد أشارت الوكالة إلى أنه وعلى غرار معظم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن الموقع الجغرافي للكويت يجعلها عرضة لمخاطر الأحداث الجيوسياسية الإقليمية ويدعم تصنيف الوكالة لهذا العامل عند درجة «BA»
وعلى وجه الخصوص، تمثل التوترات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإيران وخطر إغلاق مضيق هرمز احتمالية منخفضة إلا أن ذلك الإغلاق في حال وقوعه سيكون حاد الأثر على الكويت حيث يمر كل النفط المصدر من الكويت عبر المضيق
ومع ذلك، تتمتع الكويت بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية التي أظهرت التزاما قويا بحماية سيادة الكويت، وهناك علاقات وثيقة مع مجموعة الدول السبع الأخرى ودول مجلس التعاون الخليجي
كما تحاول الحكومة الحفاظ على علاقات مستقرة مع الجارتين إيران والعراق.
وبشأن العوامل التي ترفع أو تخفض التصنيف الائتماني السيادي للكويت، فقد ذكرت الوكالة عدة عوامل قد تدفع باتجاه الرفع، من بينها التحسن المستدام في القوة المؤسساتية ومعايير الحوكمة في الكويت، والاتفاق بين الحكومة ومجلس الأمة، مما يؤدي إلى تشكيل سياسة أكثر سلاسة، فضلا عن تحسين فعالية السياسة المالية من خلال تحسين القدرة على الاستجابة للصدمات وتنفيذ الإصلاحات المالية التي تقلل بشكل جوهري من متطلبات التمويل للموازنة العامة
وحول العوامل التي قد تضغط باتجاه تخفيض التصنيف الائتماني السيادي الحالي بأكثر من درجة واحدة، فتتمثل - حسب الوكالة - بزيادة مخاطر السيولة الحكومية، لاسيما مع اقتراب استحقاق الشريحة الأولى من السندات الدولية، واقتراب الموارد السائلة لصندوق الاحتياطي العام من النفاد، ومن تلك العوامل أيضا تراجع القوة المالية للحكومة على المدى المتوسط بسبب الزيادة الحادة في الدين الحكومي الناجم عن عدم القدرة على تنفيذ إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة وسط انخفاض هيكلي لأسعار النفط
وعلى صعيد مخاطر نقاط الضعف الخارجية للكويت، فقد صنفتها الوكالة عند الدرجة «AA»، حيث أشارت الوكالة إلى أن الكويت تاريخيا سجلت فوائض مالية كبيرة في الحساب الجاري لميزان المدفوعات بلغ بالمتوسط نحو 40 في المئية من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات 2010-2014
وتحول الحساب الجاري لفترة وجيزة إلى عجز قدره 4.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016 بعد صدمة أسعار النفط، قبل العودة إلى متوسط فائض قدره 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2017-2019 مع ارتفاع أسعار النفط
وقالت إن انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى تقليص قيمة الصادرات النفطية على المدى القصير، إلا أن سعر برميل النفط التعادلي للحساب الجاري منخفضة عند نحو 38 دولارا للبرميل في عام 2020.
ووفقا لافتراضات الوكالة لأسعار النفط العالمية على المدى المتوسط، فإنها تتوقع الوكالة استمرار رصيد ميزان الحساب الجاري في تسجيل فوائض مالية.