
تونس – «وكالات» : في تصعيد للتوتر بين رئاسة الجمهورية في تونس والحكومة، أعفى رئيس الوزراء هشام المشيشي، 5 وزراء من مهامهم وعين آخرين بالنيابة، في انتظار استكمال إجراءات التعديل الوزاري الذي ما زال عالقا، بعد أن نال بمقتضاه الوزراء الجدد ثقة البرلمان يوم 26 يناير الماضي.
وأعفى المشيشي أمس الاثنين، الوزراء المحسوبين على الرئيس قيس سعيد، من مهامهم، وهم وزير العدل محمّد بوستّة، وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم سلوى الصغيّر، وزير الشباب والرياضة والإدماج المهني كمال دقيش، وزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية ليلى جفال، وزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عاقصة البحري.
وكان رئيس الوزراء أقال في وقت سابق أيضا وزير الداخلية توفيق شرف الدين، ووزير الثقافة وليد الزيدي، المحسوبين كذلك على سعيد.
إلى ذلك، أكدت رئاسة الحكومة في بيان أمس أنّها منفتحة على كلّ الحلول الكفيلة باستكمال إجراءات التعديل الوزاري ليتمكّن الوزراء من مباشرة مهامهم، في إطار الدستور.
يذكر أن تلك الخطوة جاءت تمهيدا لإعادة هيكلة الحكومة دون الرجوع إلى رئيس الدولة، حيث إن تشكيل حكومة مصغرة يدخل ضمن صلاحيات واختصاصات رئيس الحكومة ، ولا يشترط غير عقد مجلس وزاري لتنفيذ هذا الخيار السياسي أو استشارة الرئاسة.
وقبل 3 أسابيع نال 11 وزيرا جديدا ثقة البرلمان، لكن سعيد، يرفض دعوتهم لأداء اليمين الدستورية أمامه، بسبب الخروقات التي يقول إنها شابت عملية التعديل وشبهات الفساد وتضارب المصالح التي طالت عددا من الوزراء الجدد، وهوما تسبّب في حدوث قطيعة بينه وبين المشيشي والبرلمان راشد الغنوشي، الذي دعم موقف رئيس الحكومة.
ويوم الجمعة الماضي، أكد المشيشي، المدعوم من النهضة والغنوشي، أنه لن يستقيل من منصبه، في تحد واضح لسعيد الذي كان يدفع نحو استقالته أو سحب الوزراء، في تصعيد للأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد.
ويعترض سعيد على التعديل الحكومي عموماً واستبعاد وزراء قريبين منه، ولكنه يعترض في الظاهر على تعيين أربعة وزراء جدد بسبب ما وصفها بشبهات فساد، وهم وزراء الصناعة والطاقة والصحة والتشغيل، من دون أن يعلن عن ذلك صراحة.
وتمثل هذه الإقالات خطوة تصعيدية من طرف المشيشي، تؤكد موقفه القاضي باستبعاد الوزراء المذكورين والمحسوبين بغالبيتهم على الرئيس سعيد، وتحرج سعيد نسبياً أمام الرأي العام بتعطيله الوزارات المذكورة، التي تبقى محدودة الحركة والفاعلية بحكم أنها تدار من وزير مؤقت غير متفرغ لها تماماً.
ويوجه المشيشي رسالة جديدة لسعيد، مفادها أنه لا فائدة من تعطيل التعديل الحكومي، وأن الوزراء المعنيين تم استبعادهم في نهاية الأمر.
وكان المشيشي طلب، أخيراً، رسمياً من الرئيس سعيد إعلامه بأسماء الوزراء المتحفظ عليهم، والذين يرى أنه تحوم حولهم شبهات، وعطّل التعديل بسببهم، ولكن الردّ يبقى مستبعداً جداً لأن ذلك سيحمل اتهامات رسمية لهذه الشخصيات، ما يحمل تبعات قانونية على سعيد، بتوجيه اتهامات لا إثبات قانونياً لها.
وينتقد مراقبون في تونس موقف الرئيس سعيد، بسبب تأويله الخاص للدستور وامتناعه عن تنفيذ خطوة دستورية أقرها البرلمان بمنح الثقة للوزراء، بالإضافة إلى تنصيب نفسه سلطة قضائية وتوجيه اتهامات لشخصيات من دون إثبات قانوني.
ويلقى المشيشي دعماً متواصلاً من حلفائه في البرلمان، «النهضة» و»قلب تونس» و»ائتلاف الكرامة»، الذين جدّدوا في بيانات لهم دعمهم حكومته، بينما تتواصل الأزمة على مستويات عدة، برلمانياً وشعبياً، حيث أثيرت أخيراً تهديدات بالنزول إلى الشارع، في حين رفع معارضو الائتلاف الحاكم ورقة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي مجدداً.
وتعليقا على هذا القرار، اعتبر بيان لحزب «الأمل» الذي تقوده مديرة ديوان الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، سلمى اللومي، أن هذا القرار «خطوة أولية إيجابية لتجنب، ولو جزئياً، التعطيل والشلل الذي أصاب دواليب تسيير الدولة إثر حالة الانسداد الناتجة عن الاختلاف العميق، خصوصاً بين رئاستي الجمهورية والحكومة حول إجراء التحوير الوزاري».
ودعا الحزب إلى الإسراع فعلياً في استكمال المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية كأولوية مطلقة مع دعوة كل الأطراف المعنية بها إلى الابتعاد عن منطق المحاصصة وسياسة السعي إلى الهيمنة وبسط اليد عليها، كما دعا «كل الأطراف الوطنية إلى إطلاق حوار وطني سياسي واقتصادي واجتماعي في أقرب الآجال للخروج من وضع الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد منذ فترة طويلة».
واعتبر رئيس البرلمان ورئيس «حركة النهضة»، راشد الغنوشي، أنّ إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي 5 وزراء يُعتبر «خطوة مؤقتة وليس حلاً دائما” داعياً إلى استكمال «بناء المحكمة الدستورية لأنّها هي المخول لها الحسم في الخلاف». وأشار إلى أن «المشيشي يتّجه لحلّ جزئي يتمثل في التوفيق بين الجانب الدستوري ورعاية المصلحة… هو لا يتجه لفرض إرادته أو للمرور بقوّة وإنّما يتحرك في إطار الدستور».
وقال الغنوشي، في تصريح للصحافيين: «نحن عاملون على تسريح هذه العطالة وهناك مساعٍ لإرساء المحكمة الدستورية»، مضيفاً: «إلى أن يتم إرساء المحكمة الدستورية، يجب أن تتعامل الأطراف المعنية بمرونة حتى لا تتعطل مصالح الدولة والمجتمع».
في السياق، وصف رئيس كتلة «قلب تونس» بالبرلمان، أسامة الخليفي، قرار رئيس الحكومة بإعفاء عدد من الوزراء وتكليف وزراء آخرين الإشراف على وزاراتهم بالنيابة بـ «القرار في الاتجاه الصحيح، هدفه تحسين أداء الحكومة عقب تعطيل التحوير الوزاري الأخير بما يضمن استمرارية الدولة»، وفق تعبيره.
ودعا الخليفي، البرلمان، في تصريحات صحافية نقلتها إذاعة «موزاييك»، إلى جعل مسألة إرساء المحكمة الدستورية أولوية مطلقة لعمله في المرحلة المقبلة.
وفي المقابل، انتقد النائب عن «الكتلة الديمقراطية» المعارضة، زهير المغزاوي، خطوة المشيشي، واصفاً إياها بـ «الهروب إلى الأمام». واعتبر المغزاوي أنّ قرار المشيشي «لن يحلّ الأزمة، وذهب من خلاله إلى التصعيد ومزيد من تأزيم الوضع وتعفينه، واليوم نعيش أزمة كبيرة وأخلاقية».