
ليدشندام «هولندا» – «وكالات» : أدانت المحكمة الخاصة بلبنان والمدعومة من الأمم المتحدة أمس الثلاثاء ، عضوا بجماعة حزب الله اللبنانية بالتآمر على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري عام 2005 ، مما أعد الساحة لمواجهات بين القوى السياسية اللبنانية المتنافسة على مدى سنوات.
وقضت المحكمة بعدم كفاية الأدلة على ضلوع المتهمين الثلاثة الآخرين في التفجير وبرأتهم.
وقال القضاة إن «لديهم قناعة لا يخالطها شك» بأن الأدلة أظهرت أن المتهم الرئيسي سالم جميل عياش كان بحوزته «واحد من ستة هواتف محمولة استخدمت في الهجوم».
وقالت القاضية ميشلين بريدي في معرض قراءتها للحكم الواقع في 2600 صفحة «الأدلة أثبتت كذلك انتماء عياش لحزب الله».
ومن المعتقد بأن المدعى عليهم الثلاثة الآخرين أعضاء في حزب الله أيضا.
لكن القضاة قالوا إنهم لم يجدوا أدلة على تورط قيادة حزب الله أو الحكومة السورية في الهجوم الذي أسقط 21 قتيلا. ونفى حزب الله أي دور له في تفجير 14 فبراير 2005.
ويأتي الحكم في الوقت الذي لا يزال اللبنانيون يعانون فيه من تبعات الانفجار الهائل الذي أودى بحياة 178 شخصا هذا الشهر ومن انهيار اقتصادي مدمر.
وكان للحريري، الملياردير السني، علاقات وثيقة بالولايات المتحدة وحلفاء غربيين ودول الخليج العربية وكان يُنظر إليه على أنه يمثل تهديدا للنفوذ الإيراني والسوري في لبنان. وقاد الحريري مساعي إعادة بناء بيروت بعد الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى 1990.
وقال القاضي ديفيد ري : «ترى المحكمة أن سوريا وحزب الله ربما كانت لهما دوافع للقضاء على السيد الحريري وحلفائه السياسيين، لكن ليس هناك دليل على أن قيادة حزب الله كان لها أي دور في اغتيال السيد الحريري وليس هناك دليل مباشر على ضلوع سوريا في الأمر» .
واستغرقت عملية التحقيق والمحاكمة الغيابية لأعضاء حزب الله الأربعة 15 عاما ، وبلغت كلفتها نحو مليار دولار. وسيُنفذ الحكم لاحقا غير أن عياش قد يواجه حكما يصل إلى السجن مدى الحياة أو البراءة.
وتظهر أدلة الحمض النووي أن منفذ الهجوم انتحاري لم يتم التعرف عليه.
واستخدم ممثلو الادعاء تسجيلات للهواتف المحمولة لإثبات أن المتهمين، وهم سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وأسد حسن صبرا وحسين حسن عنيسي، راقبوا بدقة تحركات الحريري في الأشهر التي سبقت الهجوم لتحديد توقيته. لكنهم لم يربطوا بشكل كاف بين المتهمين وإعلان مسؤولية كاذب جاء بعد الهجوم مباشرة من أشخاص لا بد وأنهم كانوا يعرفون أن الحريري سيُقتل.
لكن محامين عينتهم المحكمة نفوا وجود دليل مادي يربط المتهمين بالجريمة وطالبوا بتبرئتهم.
ويقول بعض اللبنانيين الآن إنهم أكثر انشغالا بمعرفة الحقيقة وراء انفجار مرفأ بيروت.
وقال فرانسوا وهو متطوع يساعد الضحايا في إحدى الضواحي المدمرة «أريد حقا معرفة الحكم... لكن ما يهم الآن هو من فعل هذا الانفجار، بنا لأن هذا أثر على عدد أكبر من الناس».
وأشارت المحكمة إلى أنه لا يمكن تحديد عدد المتورطين في التفجير، وأن المتهمين يرتبطون بجهة منظمة، وأن الأدلة تشير إلى أن الاغتيال كان سياسياً، حيث إن «الهدف المنشود من اغتيال الحريري زعزعة استقرار لبنان». إلا أنها أوضحت أن «لا أدلة عن الجهة التي وجهت المتهمين لاغتيال الحريري».
وفي بداية الجلسة، ذكر القاضي دايفيد راي، رئيس هيئة المحكمة، أن اغتيال الحريري «نُفذ لأسباب سياسية».
ويُحاكم في القضية غيابيا 4 أشخاص ينتمون إلى ميليشيات حزب الله، ووُجهت لهم جميعا تهمة التآمر بارتكاب عمل إرهابي. وهم: سليم عياش وحسين عنيسي وأسد صبرا وحسان مرعي. أما مصطفى بدر الدين فهو من خطط لعملية الاغتيال، حسب المحكمة، إلا أنه قُتل لاحقا في سوريا.
وقال القاضي إن القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين نسق مع سليم عياش «العضو في حزب الله» في عملية اغتيال الحريري، مضيفاً: «المتهمون نسقوا ونفذوا عملية اغتيال الحريري». من جهتهما حسين عنيسي وأسعد صبرا نسقا لإعلان المسؤولية زورا عن اغتيال الحريري.
كما شرح القاضي الظروف السياسية التي رافقت اغتيال الحريري، مؤكداً أن «الأدلة أظهرت سيطرة سوريا على النواحي العسكرية والأمنية في لبنان»، وأن الحريري وأنصاره نادوا بإنهاء الهيمنة السورية على لبنان قبل الاغتيال.
أضاف أن «السوريين فرضوا على الحريري إرادتهم السياسية»، وأن الرئيس السوري بشار الأسد فرض على الحريري التمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية حينها إميل لحود.
كما رأى أن محاولة اغتيال النائب مروان حمادة كانت تحذيراً مسبقاً للحريري وللزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
وختم القاضي راي مؤكداً أن «غرفة الدرجة الأولى «في المحكمة الخاصة بلبنان» تشتبه بمصلحة حزب الله وسوريا بالاغتيال»، إلا أنه أوضح أن «لا دليل مباشرا على تورط قيادة حزب الله وسوريا بالاغتيال». وشددت المحكمة على أن «المتهمين باغتيال الحريري ينتمون لحزب الله».
من جهتها، قالت القاضية جانيت نوسوورثي، عضو هيئة المحكمة، إن معظم المتضررين من الانفجار لم يحصلوا على تعويضات، كما أكدت أنه لم تتم حماية مسرح الجريمة، وتم العبث بالموقع، وأن الأمن اللبناني أزال أدلة مهمة من موقع التفجير. وأضافت أن «التحقيق الذي تلا الانفجار مباشرة كان فوضويا».
وأوضحت القاضية أنه «تم استخدام مواد شديدة الانفجار في العملية»، وأن التحقيق أثبت أن أجهزة التشويش في موكب الحريري كانت تعمل. أضافت: «لا شك بأن انتحاريا هو من نفذ الاعتداء»، لكنها أضافت أن «أبو عدس ليس الانتحاري الذي نفذ العملية»، في إشارة إلى الشخص الذي ظهر في مقطع فيديو تبنى فيه العملية قبل حدوثها. كما تحدثت القاضية عن جثة مجهولة الهوية تم اكتشافها في موقع التفجير. وأكدت أنه «لا أدلة على أن أبو عدس هو من قاد شاحنة التفجير» ، وأنه لا دليل يربط أبو عدس بمسرح الجريمة، و»لا أدلة على أن أبو عدس هو من نفذ التفجير».
وأوضحت أن 8 أشخاص هم من نفذوا التفجير، وهم ينتمون إلى «الشبكة الحمراء» التي حددتها المحكمة بناءً على بيانات الاتصالات، موضحة أن «الشبكات الخضراء والحمراء والصفراء كانت مترابطة وسرية»، وأن «الهواتف استخدمت قبل ارتكاب الجريمة وتوقفت بعدها». لكنها أقرت بأن عملية نسب الهواتف للمتهمين ومصطفى بدر الدين معقدة، خاصةً أنه حينها كان يتم شراء شرائح الاتصالات بدون إبراز بطاقات هوية.
من جهتها، قالت القاضية ميشلين بريدي، عضو هيئة المحكمة، إن المحققين تمكنوا من تحديد نمط استخدام الهواتف في العملية، وإن الادعاء قدم أدلة على تورط المتهم سليم عياش عبر نشاطه الخلوي. وشرحت أن عياش لم يسافر لأداء فريضة الحج كما زعم بل بقي في لبنان، مضيفةً أن «أدلة الاتصالات الهاتفية أثبتت دور عياش في العملية». أضافت بريدي أن «غرفة الدرجة الأولى مقتنعة بأن عياش مرتبط بحزب الله».
وأكدت القاضية أن اتصالات هاتفين محمولين أثبتت دور المتهم حسان مرعي في العملية.
كما قالت إن مصطفى بدر الدين، الذي كان يستخدم أيضاً اسماً مستعاراً هو سامي عيسى، «شارك في مؤامرة مع المتهمين الـ 4 لاغتيال الحريري»، مضيفة أنه استخدم 5 خطوط هاتفية في التواصل مع المنفذين. وتابعت : «10 شهود تعرفوا على أرقام تعود لبدر الدين أي سامي عيسى».
وذكرت أن بدر الدين كان يسافر مع حراس مسلحين وسط احتياطات، وأن حزب الله أكد عند مقتل بدر الدين أنه كان قائداً عسكرياً رفيعاً.
من جهته قال القاضي راي إنه «لا توجد أدلة مقنعة على أن مصطفى بدر الدين مسؤول عن التفجير». واعتبر أن بدر الدين ومرعي وعنيسي وصبرا مسؤولون عن تلفيق التهمة باغتيال الحريري لأبو عدس. وشدد على أن إعلان المسؤولية عن التفجير في وسائل الإعلام كان مزيفاً، حيث إن المتهمين الأربعة المرتبطين بحزب الله لفقوا مسؤولية التفجير.
كما أكد أن «شبكات الاتصالات شهدت نشاطاً كبيراً خلال 39 يوماً حول قصر قريطم مقر الحريري»، مضيفاً أن «رفيق الحريري كان مراقباً بشكل مكثف»، بينما انخفض نشاط شبكات الاتصالات خلال زيارات الحريري خارج لبنان. وكشف أن «قرار اغتيال الحريري تم اتخاذه بشكل نهائي مطلع شهر فبراير 2005».
وأشارت المحكمة إلى أن بيروت كانت في حالة فوضى يوم الاغتيال، وكان هناك ضغط على شبكتي الاتصالات بعد وقوع الانفجار، فيما تعذر معرفة تاريخ بيع الشاحنة التي استخدمت في عملية الاغتيال.
ونوهت المحكمة لـ»عدم كفاية الأدلة» ضد 3 متهمين في قضية اغتيال الحريري، حيث إن «عدة أشخاص شاركوا بالتخطيط لعملية التفجير لكن لا أدلة على مشاركة صبرا وعنيس».
أما عن المتهم عياش فقالت المحكمة : «ليس لدينا شك بمشاركة عياش في المؤامرة»، مضيفةً أن «عياش مذنب ومتورط بالقتل العمد بجريمة قتل الحريري»، وقد كان «يعلم هدف المؤامرة ضد الحريري». وأضافت أن سليم عياش متهم بـ 5 قضايا قتل ومنها جريمة رفيق الحريري.
ويأتي الحكم في قضية اغتيال الحريري عام 2005، بعد أن تأجلت الجلسة بسبب انفجار مرفأ بيروت.
في سياق متصل أكد رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري أمس الثلاثاء، أن العدالة بحق قتلة رفيق الحريري سيتم تنفيذها، مضيفا: «نقبل حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان».
أضاف الحريري خلال مؤتمر صحفي ، عقب إصدار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها : «نريد القصاص العادل من قتلة الحريري»، مؤكداً أن «زمن ارتكاب الجرائم السياسية دون ثمن انتهى».
وقال رئيس الوزراء السابق: «لا نساوم على دم الحريري أو دماء الضحايا».
وقال الحريري إن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كانت مطلبا شعبيا، وقد «دانت اليوم سليم عياش»، مشيراً إلى أن مصداقية المحكمة جاءت من تبرئة 3 متهمين وإدانة الرابع.
وكرر الحريري القول: «نقبل بحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان»، مشدداً على أن حكم المحكمة الخاصة بقضية الحريري أثبت أنها غير مسيسة.
أضاف أن الاعتراف بالأخطاء أساس للعيش المشترك في لبنان. وعن تفجير مرفأ بيروت، قال الحريري إنه لا تنازل عن حق ضحايا تفجير مرفأ بيروت.
بدوره قال بهاء الحريري، نجل رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، إنه لا مكان لميليشيا حزب الله في مستقبل لبنان، داعيا المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب لبنان لإنهاء التدخلات الأجنبية في إشارة إلى إيران التي تدعم بشدة ميليشيا حزب الله.
وقال الحريري في تصريح لصحيفة «تليغراف» Telegraph البريطانية إن لبنان دفع ثمناً باهظاً ، بسبب أفعال حزب الله الذي لم يجلب للبنانيين سوى الحرب والعقوبات والمعاناة.
وطالب الحريري ميليشيا حزب الله بإنهاء مشاركتها في السياسة اللبنانية والسماح للبلاد بإعادة البناء، محملا إياها مسؤولية انفجار مرفأ بيروت. كما انتقد الحريري ما سماه تأييد الرئيس اللبناني ميشال عون لميليشيا حزب الله.
وقد يؤدي الحكم في لاهاي إلى تعقيد الوضع المضطرب بالفعل بعد انفجار 4 أغسطس واستقالة الحكومة المدعومة من حزب الله وحلفائه.