
بيروت – «وكالات» : أعلن رئيس مجلس الوزراء اللبناني حسان دياب أمس الإثنين ، استقالة حكومته على خلفية تداعيات انفجار مرفأ بيروت ، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من ستة آلاف آخرين ، مؤكدا أن «منظومة الفساد أكبر من الدولة» .
وقال دياب في كلمة متلفزة : «اليوم وصلنا إلى هنا، إلى هذا الزلزال الذي ضرب البلد ، اليوم نحتكم إلى الناس وإلى مطالبهم بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة المختبئة منذ سبع سنوات، إلى رغبتهم بالتغيير الحقيقي»، مضيفاً «أمام هذا الواقع نتراجع خطوة إلى الوراء بالوقوف مع الناس ، لذلك أعلن اليوم استقالة هذه الحكومة».
وقال دياب في خطاب ألقاه مباشرة : «انفجر احد نماذج الفساد في المرفأ لكن نماذج الفساد منتشرة في جغرافيا البلد السياسية والادارية». وتابع : «حجم المأساة اكبر من ان يوصف ، لكن البعض يعيش في زمن آخر ولا يهمه من كل ما حصل الا تسجيل النقاط السياسية والخطابات الشعبوية».
وقال دياب «كان يفترض ان يخجلوا من انفسهم لان فسادهم انتج المصيبة المخبّأة منذ سنوات، غيّروا وتبدلوا في السابق في كل مرة يلوح التخلص من فسادهم». وأضاف «استعملوا كل أسلحتهم وزوّروا الحقائق وكذبوا على الناس وكانوا يعرفون أننا نشكل تهديداً لهم».
وختم دياب بالقول «نسعى لتحقيق سريع يحدّد المسؤوليّات ونريد أن نفتح الباب أمام الإنقاذ الوطني الذي يشارك اللبنانيون في صناعته ، لذلك أعلن اليوم استقالة هذه الحكومة «الله يحمي لبنان» .
وبعد استقالتها، ستكون الحكومة مسؤولة عن تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وهو أمر قد يستغرق وقتا طويلا في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية والغضب الشعبي السائد.
وكان يفترض بالحكومة التي شكلها حسان دياب في يناير أن تكون تكنوقراطية ومستقلة تعمل على حل مشاكل اللبنانيين الذين يعانون من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخهم، في ظل نقص في السيولة، وقيود على الودائع المصرفية، وتدهور في سعر صرف الليرة. وقد حلّت محل حكومة برئاسة سعد الحريري كانت تضم ممثلين عن غالبية الأحزاب السياسية، وسقطت تحت ضغط احتجاجات شعبية.
لكن من الواضح أن القرار في حكومة دياب كان يخضع للقوى السياسية النافذة في البلاد، وعلى رأسها تيار رئيس الجمهورية ميشال عون وحليفه حزب الله.
ودعا دياب السبت الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة لإخراج البلاد من «أزمتها البنيوية».
ومنذ وقوع الانفجار، استقال تسعة نواب من البرلمان بناء على طلب الشعب الذي يحمل المسؤولين مسؤولية وقوع الانفجار بسبب فسادهم وانعدام مسؤوليتهم وتراخيهم.
ويستمر الغليان في الشارع. وشهدت بيروت خلال اليومين الماضيين تظاهرات غاضبة حملت شعارات «علّقوا المشانق» و»يوم الحساب».
وتجددت المواجهات عصر أمس الإثنين بين محتجين غاضبين نزلوا الى وسط العاصمة مجددا والقوى الأمنية التي بدات تطلق قنابل مسيلة للدموع.
ويطالب المتظاهرون الناقمون أساساً على أداء السلطة، بمحاسبة المسؤولين عن الانفجار ورحيل الطبقة السياسية بكاملها التي تتحكم بالبلاد من عقود.
ولا يظهر في الأفق أي حل للوضع الحالي المهترىء. إذ لن يكون من السهل تشكيل حكومة جديدة في حال استقالة الحكومة الحالية، كما أن إجراء انتخابات نيابية مبكرة في ظل قانون فُصّل على قياس القوى السياسية الممثلة في البرلمان حالياً، قد يعود بالقوى السياسية ذاتها الى البرلمان، ناهيك عن صعوبة تنظيمها في ظل الفوضى السائدة.
وكانت الحكومة اللبنانية قد واجهت ضغوطا متزايدة للاستقالة ، نتيجة لتداعيات الانفجار الهائل الذي أجج الاحتجاجات المناهضة للحكومة ، واستقالة عدد من الوزراء كانت وزيرة العدل أحدثهم ، فيما أعلن محافظ بيروت ، أن من المعتقد أن حصيلة القتلى جراء الانفجار الضخم الذي ضرب العاصمة اللبنانية يوم الثلاثاء الماضي، تفوق 200 شخص.
وأوضح المحافظ مروان عبود أن عشرات الأشخاص، منهم الكثير من العمال الأجانب، مازالوا مفقودين.
وكانت الحكومة تشكلت في يناير الماضي ، بدعم من جماعة حزب الله المدعومة من إيران وحلفائها.
وقال الرئيس ميشال عون إن مواد متفجرة كانت مخزنة بشكل غير آمن منذ سنوات في المرفأ. وفي وقت لاحق قال إن التحقيق سيتحرى ما إذا كان السبب في الانفجار تدخلا خارجيا وإهمالا أم أنه مجرد حادث عرضي.
كانت مظاهرات الاحتجاج على الحكومة التي خرجت في الأيام الثلاثة الماضية هي الأكبر من نوعها منذ أكتوبر الماضي ، عندما خرج المتظاهرون احتجاجا على أزمة اقتصادية سببها الفساد والهدر وسوء الإدارة. واتهم المحتجون النخبة السياسية باستغلال موارد الدولة لحسابهم الخاص.
ويتشكك بعض اللبنانيين في إمكانية التغيير في بلد هيمن نظام طائفي عليه منذ الحرب الأهلية «1975-1990».
واختتم مؤتمر طارئ للمانحين الدوليين أمس الأول الأحد ، بتعهدات بتقديم مساعدات عاجلة قيمتها نحو 253 مليون يورو «298 مليون دولار» .
غير أن الدول الأجنبية تطالب بالشفافية في توزيع المساعدات ، خشية كتابة شيكات على بياض لحكومة يرى شعبها ذاته أنها غارقة في الفساد.
ويشعر البعض بالقلق من نفوذ جماعة حزب الله الشيعية التي تعتبرها الولايات المتحدة تنظيما إرهابيا.
وقال عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في مؤتمر صحفي أذاعه التلفزيون أمس الاثنين ، إن على الدول أن تتجنب تسييس الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت.
ودعا الولايات المتحدة إلى رفع العقوبات المفروضة على لبنان.
ولا يزال اللبنانيون يحاولون استيعاب حجم الخسائر إذ أن أحياء بأكملها تعرضت للدمار.