
«وكالات» : مع توجه الأنظار إقليميا ودوليا نحو مدينة سرت التي شهدت عمليات استنفار أمني من الطرفين، عقب حشد قوات الوفاق لمقاتليها وآلياتها للتوجه نحو المدينة الاستراتيجية، أكدت مصادر محلية أن الآليات العسكرية التابعة لقوات الوفاق التي كانت تستعرض ليل أمس، انسحبت من منطقة الكراريم، وعادت إلى معسكر السكت داخل مصراته.
كما أفادت مصادر بمغادرة طائرة الشحن التركية الثالثة قاعدة الوطية جنوب العاصمة طرابلس.في المقابل، قلّل مسؤول عسكري بالجيش الليبي من أهمية تلك التحركات والتعزيزات العسكرية التي تقوم بها قوات الوفاق المدعومة من تركيا حول مدينتي سرت والجفرة، وقال إن اندلاع معركة عسكرية أمر مستبعد.
وأوضح خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقيادة العامة للجيش الليبي في تصريح لـ»العربية.نت»، أن تركيا لن تجازف وتغامر بالهجوم والتقدم نحو خط سرت والجفرة بعد دخول مصر على الخط، خوفا من التورّط في معركة طويل الأمد وغير محسوبة العواقب خاصة بعد الضربات والخسائر التي تلقتها في قاعدة الوطية، مشيرا إلى أن قوات الجيش تتابع كل التطورات على مدار الساعة ومستعدة للتعامل مع أي هجوم عسكري للميليشيات والمرتزقة وجاهزة للدفاع عن المدن الليبية وعلى ثروات الليبيين.
إلى ذلك، اعتبر أن التحشيد العسكري الذي تقوم به تركيا بإرسال دفعات جديدة من المرتزقة والسلاح لقوات الوفاق ، والخطب التصعيدية والتهديدات التي تطلقها على لسان مسؤوليها هي مناورات ، وأبعد ما تكون عن الواقع على الأرض، وتأتي بغرض التخويف وتقوية موقعها في المفاوضات الدولية حول الأزمة الليبية، مضيفا أن المعركة قد لا تتجاوز حدود مناطق الوشكة وأبو قرين غرب سرت.
وأمس الأحد وصلت قوات جديدة تابعة لقوات الوفاق إلى منطقة بوقرين والوشكة قرب سرت، وتحدثت وسائل إعلام موالية للوفاق عن تحريك رتل عسكري في اتجاه مدينة سرت وعن توزيع المقاتلين والأسلحة والذخائر على محاور القتال، استعدادا لتعليمات حكومة الوفاق.
وكان الجيش الليبي نفذ عمليات استطلاع بحري قبالة سواحل المدينة الاستراتيجية، التي وصفتها مصر بخطها الأحمر، ملوحة بالتدخل في حال نفذت قوات الوفاق المدعومة من أنقرة تهديداتها باقتحامها. وأعلنت شعبة الإعلام الحربي في الجيش الليبي، مساء السبت، انتشار دوريات استطلاعية مكثفة للقوات في سواحل مدن سرت، وراس لانوف، والبريقة.
وصباح الأحد، أفادت معلومات للعربية بوصول 75 سيارة عسكرية تابعة للوفاق من مصراتة إلى جبهة سرت، تقل 300 مقاتل بينهم مرتزقة سوريون وتونسيون.
وكانت حكومة الوفاق حرّكت مقاتليها، السبت، باتجاه سرت التي تعد البوابة إلى مرافئ النفط الرئيسية بالبلاد والتي تخطط الوفاق لانتزاعها من الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
وقال شهود وقادة عسكريون بقوات الوفاق، بحسب ما أفادت وكالة رويترز، الأحد، إن رتلا من نحو 200 مركبة تحرك شرقا من مصراتة على ساحل البحر المتوسط باتجاه مدينة تاورغاء وهو نحو ثلث الطريق إلى سرت.
وكانت تركيا والوفاق أعلنتا سابقا أنهما تشترطان السيطرة على سرت وقاعدة الجفرة من أجل وقف إطلاق النار الذي تدعو إليه كافة الوساطات الدولية والأممية على السواء، بغية استئناف المفاوضات بين الأطراف المتنازعة.
لكن مصر هددت مرارا بالدفع بقوات إلى ليبيا في حال سعت القوات التركية للسيطرة على سرت.
غير أن مجلس الدفاع الوطني بمصر الذي يرأسه رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أكد أمس الأحد «الالتزام بالحل السياسي كسبيل لإنهاء الأزمة الليبية»، وأن مصر «تسعى لتثبيت الموقف الميداني الراهن وعدم تجاوز الخطوط المعلنة، بهدف إحلال السلام بين جميع الفرقاء والأطراف الليبية» من دون ذكر التدخل العسكري ، الذي كان الموضوع الرئيسي للقاء السيسي ببعض القبائل الليبية، الخميس الماضي في القاهرة.
جاء ذلك في بيان صدر عن اجتماع المجلس أمس ، في قصر الاتحادية، بالتزامن مع إرجاء مناقشة مجلس النواب لطلب السماح بالتدخل المصري العسكري الميداني الرسمي في ليبيا إذا اقتضت الحاجة.
وجاء في البيان، الذي صدر عن الرئاسة المصرية، تأكيد مجلس الدفاع الوطني على «أواصر العلاقات القوية التي تربط بين البلدين، وأن مصر لن تدخر جهداً لدعم الشقيقة ليبيا ومساعدة شعبها على العبور ببلاده إلى بر الأمان وتجاوز الأزمة الحرجة الحالية، وذلك استناداً إلى أن الملف الليبي يعتبر أحد الأولويات القصوى للسياسة الخارجية المصرية، وأخذاً في الاعتبار أن الأمن الليبي يشكل جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري والعربي».
أضاف البيان أن «مصر تسعى للحفاظ على السيادة والوحدة الوطنية والإقليمية للدولة الليبية، واستعادة ركائز مؤسساتها الوطنية، والقضاء على الإرهاب ومنع فوضى انتشار الجماعات الإجرامية والمليشيات المسلحة المتطرفة، وكذلك وضع حد للتدخلات الخارجية غير المشروعة التي تساهم بدورها في تفاقم الأوضاع الأمنية وتهديد دول الجوار والسلم والأمن الدوليين، مع ضمان التوزيع العادل والشفاف لمقدرات الشعب الليبي ومنع سيطرة أي من الجماعات المتطرفة على هذه الموارد».
وكما اعتمد البيان التهدئة في خطابه عن ليبيا، اعتمدها أيضاً بشأن قضية سد النهضة ، حيث أكد مجلس الدفاع الوطني على «استمرار مصر في العمل على التوصل إلى اتفاق شامل بشأن المسائل العالقة في قضية سد النهضة، وأهمها القواعد الحاكمة لملء وتشغيل السد، وذلك على النحو الذي يؤمن للدول الثلاث مصالحها المائية والتنموية، ويحافظ على الأمن والاستقرار الإقليميين».
يذكر أن قمة أفريقية مصغرة ستعقد غدا الثلاثاء لاستئناف مفاوضات ملء وتشغيل سد النهضة، بعد فشل جولة المفاوضات الفنية والقانونية الأخيرة.
شارك في الاجتماع كل من رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والإنتاج الحربي، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، ورئيس المخابرات العامة، ووزراء الخارجية والمالية والداخلية، وقائد القوات البحرية، وقائد قوات الدفاع الجوي، وقائد القوات الجوية، ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع.
وكان الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للقوات المسلحة، أحمد المسماري، أكد قبل أيام قليلة أن تركيا ما زالت تدفع بمزيد من المرتزقة والمعدات العسكرية إلى ليبيا، وحولت مدينة مصراتة إلى قاعدة لإدارة عملياتها للانطلاق نحو الهلال النفطي، واتخذت منشآت حيوية في المدينة لتمركز الميليشيات المسلحة وقواتها.
كما شدد على أن الجيش قادر على مواجهة أي تحديات في كل المناطق الليبية، قائلا: «جاهزون للتعامل بحسم وقوة مع أي انتهاكات، وقادرون على التعامل بحسم مع أي خطر يهدد مدينة سرت». وأشار في حينه إلى أن الساعات المقبلة ستشهد معركة كبرى في محيط سرت والجفرة، مؤكدا أن هناك تحركات كبيرة لميليشيات الوفاق وتركيا في محيط المدينتين.
وتتمسك كل من أنقرة والوفاق بالسيطرة على مدينة سرت التي تعتبر مدينة استراتيجية يرفض الجيش التخلي عنها.
في حين أعطى البرلمان الليبي الأسبوع الماضي، الضوء الأخضر للجيش المصري بالتدخل عسكريا في حال ارتأت القاهرة أن هناك خطراً وشيكا يهدد أمن البلدين الجارين.
يذكر أن مدينة سرت الساحلية، مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي ولاحقاً معقل تنظيم «داعش» لفترة مؤقتة قبل تحريرها، تتمتع بموقع استراتيجي بين الشرق والغرب في ليبيا، وتقع على بعد 300 كلم من الساحل الأوروبي وفي منتصف الطريق بين العاصمة طرابلس في الغرب وبنغازي المدينة الرئيسية في إقليم برقة في الشرق.
وكان الجيش الوطني الليبي سيطر عليها في يناير 2020، وتمكن من دخولها من دون معركة تقريباً.