الخرطوم ــ وكالات : يعيش السودان الآن فترة من أحرج الفترات في تاريخه الحديث ، بعد أن أعلن الجيش السوداني أمس ، في بيان تلاه وزير الدفاع عوض بن عوف، "اقتلاع" نظام عمر البشير واعتقاله، مع تشكيل مجلس عسكري يتولى إدارة البلاد لمدة عامين ، حيث لم يقنع البيان مطالب المتظاهرين والقوى السياسية المختلفة ، التي رأت في ما جرى "انقلابا" والتفافا على المطالب الشعبية ، بما ينذر بوضع البلاد فوق بركان يغلي .
وزير الدفاع السوداني في البيان أكد أن "الشعب كان متسامحاً رغم كل الظروف الصعبة"، مشيرا إلى أن "اللجنة الأمنية العليا تعتذر عن كل الانتهاكات التي حصلت".
وقال: بن عوف "تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولّى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان، وتعطيل العمل بدستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005".
كما أعلن "حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وحظر التجوال لمدة شهر من الساعة العاشرة مساءً إلى الرابعة صباحاً، وغلق الأجواء لمدة أربع وعشرين ساعة، والمداخل والمعابر في كل أنحاء السودان لحين إشعار آخر".
كذلك تقرر، وفق البيان، حل مؤسسة الرئاسة من نواب ومساعدين، وحلّ مجلس الوزراء القومي على أن يكلف وكلاء الوزارات بتسيير العمل، وحلّ المجلس الوطني ومجلس الولايات وحكومات الولايات ومجالسها التشريعية، وتكليف الولاة ولجان الأمن في أداء مهامهم". وفي المقابل "يستمر العمل طبيعياً بالسلطة القضائية ومكوناتها، وكذلك المحكمة الدستورية والنيابة العامة"، بحسب بن عوف.
وفي حين تحدث عوض بن عوف في البيان نفسه عن "وقف إطلاق النار الشامل في كل أرجاء السودان، أعلن أيضاً إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين فوراً"، مع العمل على "تهيئة المناخ للانتقال السلمي للسلطة، وبناء الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات حرة نزيهة بنهاية الفترة الانتقالية ووضع دستور دائم للبلاد"، على حدّ قوله.
وكانت تقارير إعلامية تحدثت عن وضع البشير تحت الإقامة الجبرية، بينما قالت مواقع إلكترونية سودانية، إنّ عدداً من رموز حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم، جرى اعتقالهم بواسطة قوة من الجيش السوداني، وتم اقتيادهم من منازلهم إلى مكان مجهول.
وبحسب المواقع، فإنّ أبرز الموقوفين هم النائب السابق لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد، ومساعد الرئيس الأسبق نافع علي نافع، ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون الرئيس المفوض للحزب الحاكم، إضافة لوالي الخرطوم الحالي الفريق هاشم عثمان، فيما لم يعرف بعد مصير البشير.
من جهتها، عبّرت المعارضة السودانية عن رفضها للحكم العسكري، وطالبت بتسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية، مهددة في الوقت نفسه بمواصلة التظاهرات إلى حين تحقق مطالب الحراك الشعبي.
فقد أعلن المتحدث الرسمي باسم قوى الإجماع الوطني ساطع الحاج، أن القوى بدأت اجتماعاً لها أمس ، أكدت في مستهله رفضها أي عملية استبدال للسلطة العسكرية بسلطة عسكرية أخرى، فيما أكد "تجمع المهنيين"، المحرك الأساسي للحراك الشعبي، مواصلة التظاهرات حتى مجيء سلطة انتقالية مدنية.
وشدد الحاج على أن مطلب الثورة السودانية واضح جداً وهو إطاحة نظام عمر البشير، مع استبدال السلطة نهائياً بحكومة مدنية، منبهاً إلى أن أي التفاف على مطالب الثورة السودانية ومكتسباتها، سيدفع الجماهير للبقاء في اعتصامها إلى حين تسليم السلطة للقوى المدنية.
وفي السياق نفسه، أصدر "تجمع المهنيين السودانيين" أمس بياناً، نشر عبر صفحة التجمع على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وتوجه فيه إلى الشعب السوداني بالتأكيد أن "المسار الثوري لن يسمح بإعادة إنتاج الأزمة مجدداً"، معتبراً أن الشعب "لن تنطلي عليه لعبة اذهب إلى القصر رئيساً".
واستعاد التجمع تاريخ الأزمة التي يعاني منها السودان وأسبابها، بالعودة إلى عام 1989، الذي شهد الانقلاب العسكري للجبهة الإسلامية. واعتبر أن حلّ الأزمة لا ينبغي أن يتم بـ"شكل فوقي"، ولا "من خلال انقلاب عسكري آخر" يؤدي إلى "إعادة إنتاج الأزمة وتجديدها".
وأكد "التجمع" "استمرار الثورة" و"استمرار الاعتصام"، حتى "تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية".
وأعلن جهاز الأمن والمخابرات قبل قليل "إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في كل أنحاء البلاد".