
تبدو الأزمة السورية أكثر تعقيدا وتشابكا من كل الأزمات التي شهدتها دول الربيع العربي الأخرى ، ومن ثم فلا غرابة أن تثير كل هذا الجدل حول أنسب السبل لمعالجتها ، ووضع حد لإراقة الدماء المتواصلة للعام الثالث على التوالي .. ولا غرابة أيضا أن تتوجه الأنظار جميعها صوب الولايات المتحدة الأمريكية ، بانتظار أن تتخذ قرارا يأمل العالم كله أن يؤتي ثماره المرجوة ، وينهي عذابات شعب عانى الكثير ، وآن له أن يستريح ، وأن ينعم بأمن وسلام دائمين لائقين بتاريخه الطويل والعريق .
وعلى الرغم من التباطؤ الشديد الذي حدث في معالجة الأزمة السورية، والذي سبق أن انتقده سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد مرارا وتكرارا ، وفي مناسبات عربية وإقليمية عدة ، منبها إلى خطورة ترك هذا الملف من دون حل ، ليس فقط على سوريا وحدها ، وإنما أيضا على المنطقة بأسرها ، بل وعلى أمن واستقرار العالم كله .. ومن المؤكد أن هذا الملف سيكون هو الموضوع الأول في المباحثات التي سيجريها صاحب السمو مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، خلال اللقاء الذي يجمعهما غدا في البيت الأبيض .
والحقيقة أن موقف الرئيس أوباما في هذه القضية يستحق التقدير ، على عكس ما يذهب البعض ، فحينما يتوجه الرئيس الأمريكي إلى الكونغرس للحصول على تفويض منه باستخدام الخيار العسكري ضد النظام السوري ، في حال فشلت البدائل السلمية المطروحة حاليا ، فإن ذلك ينبغي لمصلحة الرئيس ، وليس ضده ، وعلينا أن نتذكر أن الإدارة الأمريكية الحالية قد استفادت من دروسها السابقة ، ومن تجاربها في التدخل في العراق وأفغانستان ، ولا تريد أن تكرر الأخطاء التي أخذت على سابقتها بالتفرد باتخاذ القرار .. وهل يستطيع أحد أن يلوم رئيسا لدولة تعد نفسها ويعدها العالم أيضا زعيمة للديمقراطية والعمل المؤسسي ، لأنه يرفض تجاهل برلمان بلاده في خطوة بمثل هذه الخطورة ؟ وهل سيغفر له الكونغرس ذلك التجاهل إن حدث ؟
إننا أمام زعيم يحترم إرادة شعبه ، وهذا أدعى إلى احترام موقفه ، كما أنه حريص على استنفاد كل الطرق الدبلوماسية الممكنة ، من أجل حل الأزمة السورية ، قبل اللجوء «الاضطراري» إلى الخيار العسكري ، ونعتقد أن ذلك يحسب للرجل أيضا ، وقد كان أوباما واضحا جدا ودقيقا ، عندما خاطب شعبه مؤكدا أنه يعطي السلام فرصة ، ويتيح للمبادرة الروسية إمكانية النجاح ، وهو ما يحقق الهدف ، دون تضحيات أو سفك دماء الأبرياء .. وحتى في حال اللجوء للحل العسكري ، فإن رؤيته في ذلك كانت كذلك واضحة ومحددة ، وهو ما كشف عنه بقوله : «إنني لن أضع أي قوات برية في سوريا ولن أدخل في حرب واسعة، والضربة المحدودة ستدفع الأسد وأي ديكتاتور آخر إلى التفكير قبل استعمال السلاح الكيماوي» ، ولفت أيضا إلى أنه «بعد حربين في العراق وأفغانستان ، فإن فكرة العمل العسكري لن تلقى قبولاً لدى الأمريكيين» .
إن عالمنا العربي ينبغي ألا يلوم إلا نفسه ، لأنه بات عاجزا تماما عن إيجاد آلية لحل نزاعاته البينية ، أو وضع حد للصراعات السياسية داخل البلد الواحد ، وعندما تصل الأمور داخل بلد ما إلى حد التهديد بوقوع حرب أهلية تفني شعب ذلك البلد ، فإن العالم الحر يجد نفسه مطالبا بالتدخل ، حتى لو كان مكرها عليه ، ولأن الولايات المتحدة هي زعيمة ذلك العالم الحر ، فإنها لا تستطيع أن تتخذ موقفا سلبيا أو لا مباليا تجاه ما يجري في العالم ، وبدوره فإن رئيسها لا بد أن يقود العالم نحو تكريس الأمن والاستقرار ودعم السلام في كل أركانه ، وهذا بالضبط هو ما يفعله الرئيس باراك أوباما .