
اختبار إنساني شديد القسوة يضعنا أمام حقيقة الحياة، وطبيعة النفس البشرية، وظروف العمل التي قد لا ترحم أحداً، في الفيلم القصير «إن شالله الدنيا تتهد» بطولة سلمى أبوضيف، عماد رشاد، أمير صلاح الدين وعمادالطيب، وتأليف وائل حمدي، وإخراج كريم شعبان، الذي طُرح عبر «يوتيوب» قبل ساعات، بعد عرضه في عددٍ من المهرجانات حول العالم، منها مهرجان كليفلاند السينمائي الدولي 2024.
كيف ستواجه نفسك عندما تقف أمام المرآة بعد قرارٍ مصيري تستدعي فيه مشاعر إنسانية كاذبة وخادعة لمجرد الحفاظ على سير العمل في ظروف لا تحتمل الخديعة؟، كيف تسمح لنفسك أن تقفز على مشاعر وأحزان الآخرين زوراً وبهتاناً لمجرد ألا تُعرّض نفسك لخسارة مالية وتضمن إنجاز عملك في الوقت المستهدف؟ كيف تنظر لنفسك عندما تغلّب مصالحك الشخصية على مصلحة الآخرين دون أي مراعاة لظروفهم؟ هل حقاً اختل معيار الإنسانية؟
ربما تلك هي الأسئلة التي يُشير إليها فيلم «إن شالله الدنيا تتهد» الذي تبدأ أحداثه مع ممثل يُدعى «فاروق» الذي يُجسد شخصيته الفنان عماد رشاد، وهو يروي لمخرج إعلانه الجديد خلال «البريك» معاناته مع الحياة، والوحدة التي يعيشها، وانعدام شغفه وطاقته، والدور المحوري الذي يلعبه زوج شقيقته «عامر» في محاولة انتشاله من تلك «القوقعة المميتة» وتشجيعه على العودة للتمثيل مُجدداً. ومع بدء التصوير، يستقبل مكالمة من شقيقته في لحظة صمت تُزعج الموجودين داخل «البلاتوه»، تخبره بأن «عامر» فارق الحياة!.. ليُصاب بصدمة شديدة، إثر رحيل «رفيق العمر»، ليتحول المشهد إلى حزن وكآبة، وكأن غمامة قد سقطت أمامه، وينهمر في دموعه دون توقف.
رد الفعل الطبيعي في ذلك الموقف، هو الاعتذار عن عدم استكمال العمل، والعودة فوراً إلى المنزل لتوديع «شريك الرحلة» إلى مثواه الأخير، لكن هل يحترم صُنّاع الإعلان مشاعر الرجل وحزنه، وإعطاء تعليمات بـ»الفركش» من منطلق الإنسانية واحتراماً لهذا الحدث الجلل؟
قصة هذا الفيلم، مستوحاة من أحداث حقيقية، عاشها مخرج العمل كريم شعبان، والذي قرر تقديم تلك الحالة برمتها في مشروع فيلم قصير، وربما الإيجاز في بلورة الفكرة، وتقديمها في هذا القالب، أبرز ما يميز العمل، حيث نجح وبشكلٍ رشيق في تسليط الضوء على الجانب الآخر من حياة الممثل، وأنه «بشر من لحم ودم» وأنه قد يُعاني خلف الكاميرا، وقد يكون في أعلى مستويات جهاد النفس، للتغلب على الظروف مهما بلغت شدتها، والتأقلم مع الأجواء.
ثنائية الكاتب وائل حمدي، والمخرج كريم شعبان، من «6 أيام» إلى «إن شالله الدنيا تتهد»، مليئة بالتجارب الإنسانية التي نختبر فيها ذاتنا، ونضع فيها أنفسنا أماكن الأبطال، في رحلة زاخرة بالرؤى والتطلعات التي قد تُجبرنا على مراجعة النفس، وتعديل سلوك ما.
ظهور عماد رشاد في الفيلم بشخصية ممثل، واسمه «فاروق»، أعاد إلى ذهنه مباشرةً صداقته الوطيدة بالفنان فاروق الفيشاوي،- بحسب حوارٍ تلفزيوني لعماد رشاد يتكلم عن علاقته بفاروق الفيشاوي- وذكر أيضاً كيف تغيرت حياته بعد رحيله منذ 6 أعوام، وإخلاصه الشديد لتلك العلاقة حتى بعد مماته، ودخوله في نوبات بكاء في كل مرة يتحدث فيها عنه عبر وسائل الإعلام دون حرج، حيث قال: «لما تكون جميع ذكرياتك مرتبطة بصديق، فعندما يرحل هذا الصديق، تصبح كمن فقد الذاكرة.. أنا حصلي ده، كل ذكرياتي معاه، فلما رحل، مش لاقي ذكريات، الذكريات لما تحكيها مع صاحبك بتتنفس وتعيش، لما رحل الذاكرة دي اتخنقت، أنا فقدت الذاكرة»، ربما تكون هذه الصداقة هي أقرب لصداقة «فاروق» و»عامر» داخل الفيلم.
نضوج فكري ينعكس على اختيارات سلمى أبوضيف في السنوات الأخيرة، سيضعها في مقدمة الصفوف مقارنة بأبناء جيلها، حيث تختار أعمالها بعناية، وتُقدم تجارب فنية من واقع المجتمع، وقضايا ذات احتكاك مباشر بالجمهور، سواء على المستوى النفسي أو المادي، فضلاً عن وعيها وإدراكها بأهمية قيمة ما تقدمه، سواء كان فيلماً روائياً طويلاً أو قصيراً، فالمعيار الأول لها هو «النص».
جرعة من المشاعر والأحاسيس تُقدمها «سلمى»، والتي تُجسد شخصية بروديوسر تُدعى «لبنى»، لا سيما في المشهد الذي يجمعها بالفنان عماد رشاد، حيث أجادت «التلوّن» أمام الكاميرا بمرونة شديدة، دون أن يلاحظها أحد، بتعايشها مع مأساة غيرها، وتضع نفسها في اختبار «دنيوي» لم تتعرض له بعد، لمجرد أن تحقق مصالحها فقط.
نهاية سريعة وصادمة، حيث سيضعك المخرج في حالة هزة نفسية شديدة، لتعاود طرح الأسئلة التي سبق وأشرت لها في المقدمة، كيف ستواجه نفسك عندما تقف أمام المرآة بعد قرارٍ مصيري تستدعي فيه مشاعر إنسانية كاذبة؟، ربما لن تصل إلى إجابة واضحة، وقد ينتهي بك الحال أن تجد نفسك أمام سؤال جديد، وهو ماذا ستفعل إذا كنت مكان سلمى أبوضيف؟، هل ستوافقها الرأي أم سيردد لسان حالك جملة «إن شالله الدنيا تتهد»؟.