
بعد أن عُرف في الوسط الثقافي الخليجي، والعربي عموماً، كقاص وشاعر وإعلامي، يرتحل الكاتب علي المسعودي ليطل على الوسط الثقافي الإيراني، بعد ترجمة كتابه (مذكرات طالب حلم) إلى اللغة الفارسية. وليس هذا الكتاب إلا فاتحة لترجمات مقبلة لسلسلة مؤلفات المسعودي، التي تجاوزت العشرة، وتنوعت بين السرد والشعر والبحث والنقد.اضطلع بترجمة (مذكرات طالب حلم) المترجم الإيراني القدير، الأكاديمي والكاتب د. عاطي عبيات، الذي صدر له أكثر من 10 مؤلفات، وأكثر من 25 ترجمة وتعريباً من اللغة العربية إلى الفارسية والعكس، كما نشر أكثر من 80 بحثا في المجلات العلمية المحكمة والمؤتمرات الدولية والوطنية، وأشرف على رسائل وأطروحات عدة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، إضافة إلى تحكيم العشرات من أطروحات الدكتوراه في الداخل والخارج وغير ذلك.
يمزج المسعودي في (مذكرات طالب حلم) بين النثر والشعر، ويسبح في فضاء الأجناس الأدبية، فيطل علينا بنص تماهى مع الرواية والشعر والقصة القصيرة والسيرة الذاتية. ويبدو النص في ظاهره محاولة لتدوين الذكريات التي تداهم العمر، لكنها في عمقها محاولة لاستعادة طفولة تقلبت على جمر كثير من الأحلام والانكسارات. ولا يبدو أن الكاتب يستعيد هذه الذكريات شغفاً بها، بل للتخفف من وطأتها.
يرجع المسعودي إلى ذكريات مراحل حياته الدراسية، الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية. والطريف في الأمر أنه يتحدث عن مناهج الدراسة في تلك الأيام بحب وشغف، لكنه ما يلبث أن ينتفض حين يطلع على المناهج الحالية، فيقول: «كنت أقلب مناهج الابتدائية، والمتوسطة، فهالني المستوى الرديء في تلك المقررات، فأطفالنا يعيشون في العالم الافتراضي، والرقمي، مُدججين في عالمٍ أسمنتي، خائف، ومخيف». وهذا ما يحيلنا إلى الفقرة التي صدّر الكاتب بها كتابه: «كانت المدارس كالبئر، ضيقة الفوهة ولكنها عميقة القرار.. فصارت كالبركة الضحلة واسعة الرقعة، لكنها قليلة العمق».
عن (مذكرات طالب حلم) كتب الناقد عذاب الركابي: «مذكرات طالب حلم» ميثاق مرجعي.. نوع من الكتابة التأمّلية الحالمة، وهي رأس مال بالغ الأهمية للكاتب والكتابة معاً.. الكتابة – الحياة.. الكتابة – الحلم، وهي شكلٌ من أشكال التعبير الإنسانيّ الأخرى مثل أحلام اليقظة تماما.. كتابة شجاعة لاتعبأ بأي قانون أو دستور مجتمعي، بمثابة الخروج على بيت الطاعة.. محاولة جادة ومضنية في الآن لإصلاح أعطابِ الواقع و الوجودِ.. ومعالجة مفارقات الحياة عبر الحلم – الحدس – اليقظة، وسفائنهُ تبحرُ متحدية أمواج الواقع المعيش المباشر القاسي.
ومن أجواء الكتاب نقتطف المقطع التالي:
«يرتدي ملابس المدرسة في صحراء بعيدة..
يخرج قبل الخامسة فجراً كي يدرك طابور الصباح..
يؤوب وقد شارفت الشمس على المغيب..
رجوع إلى الرمل بشروط المدينة..
لا ذنب، لا بيت شعر، ولا حنين ناقة ..
غرف صفيح ثابتة .. وعزلة طويلة ..
ونصف سفر إلى…