
استحضر أكاديميون ومفكرون مشاركون في الندوة الفكرية «الثقافة في الكويت قبل النفط» ملامح من الثقافة الكويتية في تلك الحقبة مؤكدين أن الإرث الثقافي يشكل مسؤولية تجاه الحاضر والمستقبل و»أن الوعي بجذورنا الثقافية هو أحد أهم عناصر التنمية الثقافية المستدامة».
جاء ذلك في الجلسة الأولى من الندوة التي انطلقت أمس الأول الأحد تحت رعاية وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري في إطار احتفالية (الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي 2025) لتسلط الضوء على الجذور التاريخية للكويت في مرحلة ما قبل اكتشاف النفط.
واستعرضت استاذة النقد الأدبي الحديث والمعاصر الدكتورة نورية الرومي في الجلسة الأولى التي أدارها الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور محمد الجسار (الجذور الثقافية في الكويت) معتبرة أن الثقافة منظومة تشمل الفنون والآداب والعادات والتقاليد والمعتقدات والقيم.
وأكدت الدكتورة الرومي أن لكل شعب ثقافتين شعبية وعلمية مبينة أن الثقافة الشعبية تمثل الجذور الأساسية للهوية والتاريخ «فالثقافة الشعبية في الكويت قبل النفط جسدت ذاكرة الإنسان والمكان والزمان من خلال الفنون الشفوية مثل الغناء والرقص والشعر الشعبي والحكايات إلى جانب العادات والطقوس الاجتماعية والأزياء والأساطير».
وأشارت إلى أن البيئة الكويتية القديمة كانت مقسمة إلى ثلاث ثقافات رئيسية هي ثقافة الصحراء وثقافة المدينة وثقافة البحر ولكل منها خصائصها وطابعها الخاص.
كما استعرضت تطور التعليم في الكويت بدءا من الكتاتيب (المطوع والمطوعة) وافتتاح أول مدرسة للبنات عام 1937 إلى ظهور المدارس النظامية وابتعاث الكويتيين للخارج موضحة أن الكويت مع بداية الخمسينيات وقبيل تدفق النفط دخلت مرحلة ثقافية جديدة بتأسيس مجلس المعارف وتوسيع التعليم والثقافة ليصبحا عملا حكوميا مؤسسيا.
وتحدثت عن مرحلة الاستقلال وتوحيد المجتمع الكويتي تحت دولة واحدة إذ أدت المؤسسات الثقافية دورا محوريا في ترسيخ الثقافة العلمية وتعزيز الهوية الوطنية.
من جهته تحدث أستاذ اللغة العربية الدكتور سليمان الشطي خلال الجلسة حول المشهد الثقافي في كويت ما قبل النفط وتحديدا النصف الأول من القرن العشرين واستعرض مسارين رئيسيين في المشهد الثقافي الكويتي هما معركة الانتماء وثقافة التنمية
وبين الدكتور الشطي أنه في معركة الانتماء واجهت الطلائع العربية سلطة عثمانية متداعية وهجمة استعمارية فتوزعت التوجهات بين تيار إقليمي وآخر قومي عربي وثالث إسلامي وقد تبنت الطليعة الكويتية هذه الأرضيات الفكرية فدعمتها عبر جسور التواصل واستقبال الناشطين العرب فكريا وسياسيا.
وأضاف أن ثقافة التنمية تمثلت في إنشاء المدارس الحديثة والجمعيات الخيرية والمكتبات الأهلية والنادي الأدبي وإصدار المجلات إلى جانب تأسيس المجالس البلدية والاستشارية والمعارف.
واستعرض المشهد الثقافي في الربع الثاني من القرن العشرين حيث بدأت الكويت بالتحول من الإدارة الفردية إلى الجماعية عبر إنشاء المجالس المنتخبة وظهور مجلس الشورى عام 1921 وكانت الحركة الثقافية آنذاك تعبر عن رياح التغيير عبر المحاضرات العامة والأندية الأدبية والمكتبات والفنون بأنواعها.
وأشار إلى (جيل البعثة) الذي برز في الأربعينات ومثل بؤرة النشاط الثقافي من خلال (بيت الكويت) و(مجلة البعثة) مع طرح أسئلة حول مستقبل الكويت والنظام السياسي المناسب وصولا إلى تبني النظام الديموقراطي.
بدوره تناول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور عبدالله النجدي خلال الجلسة أثر الاقتصاد القديم في ثقافة وهوية المجتمع الكويتي في عهد ما قبل اكتشاف النفط في عام 1936.
وقال الدكتور النجدي إن (الاقتصاد البحري) الذي اعتمد بشكل أساسي على الغوص للبحث عن اللؤلؤ والتجارة والصيد ترك أثرا عميقا في ثقافة أفراد المجتمع الكويتي وهويته وغرس قيما جوهرية في ثقافة المجتمع مرتبطة به وبطبيعته الشاقة والمتعبة مثل الشجاعة والصبر والتعاون والتكاتف بالإضافة إلى اسهامه في تعزيز قيم الأمانة والصدق والذكاء والفطنة والانفتاح على الثقافات والمجتمعات الأخرى.
وأضاف أن من أهم تأثيراته أنه قد ترك بنية اجتماعية كويتية متماسكة زادت بها الروابط الأسرية القوية بين الأفراد والاحترام فيها لكبار السن والتدين في أخلاقها وبروز دور المرأة فيها كما ترك هذا الاقتصاد أثره الواضح على الفنون والآداب الشعبية في البلاد فقد ظهرت الكثير من آثاره على الأهازيج والأغاني والشعر النبطي والحكايات والأساطير الشعبية.
الجلسة الثانية
أما في الجلسة الثانية من الندوة التي أدارتها الدكتورة موضي الحمود فقد استعرض أستاذ الفلسفة الدكتور عبدالله الجسمي العوامل التي ساهمت بتشكل العقل الكويتي في مرحلة ما قبل النفط التي كانت واحدة من أصعب فترات تكوين المجتمع الكويتي وبنائه الاجتماعي والثقافي.
وأوضح الجسمي أن الكويتيين تميزوا عن أقرانهم في منطقة الخليج العربي واستطاعوا أن يؤسسوا مجتمعا في بيئة صعبة جدا لا تتوافر فيها معظم مقومات الحياة الأساسية كالزراعة والماء لكنهم تغلبوا على جميع الصعاب والتحديات واستطاعوا أن يكسبوا احترام الجميع.
وأضاف أن العقل الكويتي تميز منذ نشأة البلاد بأنه عقل مدني تجاوز الفئوية واستوعب مكونات عرقية ومذهبية واستطاع أن يذيب اختلافاتها ومهد الطريق للهوية الكويتية كما عكس واقع المجتمع الكويتي القديم الذي تميز بالطابع العملي.
من ناحيته تطرق أستاذ الأنثروبولوجيا والاجتماع الدكتور يعقوب الكندري في الجلسة إلى الدور الثقافي للديوانية الكويتية باعتبارها مؤسسة غير رسمية فاعلة وموروثا ثقافيا أصيلا في المجتمع الكويتي.
وقال الدكتور الكندري أن الديوانية تتميز بخصائص فريدة تميزها عن غيرها من التجمعات الاجتماعية في الخليج والإقليم بما تؤديه من وظائف اجتماعية وتربوية وسياسية وإعلامية واقتصادية منذ نشأة الدولة وحتى العصر الحديث بما في ذلك دورها الحيوي خلال الاحتلال العراقي.
من جانبه أكد أستاذ العلوم الاجتماعية الدكتور علي الطراح أن مفهومي الثقافة والحضارة يتداخلان بشكل وثيق مبينا أن الثقافة تشكل الحاضنة الأساسية لإنتاج الإنسان القادر على التعايش في مجتمعه بينما تمثل الحضارة الأدوات والمنتجات المادية والعلمية والمعرفية التي ينتجها الإنسان من خلال تلك الثقافة.
وأفاد الدكتور الطراح بأنه لا يمكن قيام حضارة دون وجود حاضنة ثقافية لافتا إلى أن الحضارة هي نتاج للعقلانية وللمعرفة المتراكمة المبنية على الملاحظة وتفسير النتائج مما يبرز دور العلم الإنساني في نشأة الحضارات.
وذكر أن العلاقة بين الثقافة والمجتمع وثيقة فالثقافة تمثل نمط الحياة السائد داخل المجتمع وتشكل النواة التي تنظم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات مستعرضا ملامح من التكوين الثقافي للمجتمع الكويتي والعوامل المؤثرة في هذا التكوين من جوانب عدة.
بدورها تناولت أستاذة الخدمة الاجتماعية الدكتورة ملك الرشيد في الجلسة دور المرأة الاجتماعي وانعكاساته الثقافية مستعرضة محطات تاريخية في تطور أدوار المرأة الكويتية وأثرها وتأثرها في الثقافة
وبينت الرشيد أن اكتشاف النفط في أواخر الأربعينيات أدى إلى إحداث تحول جذري في المجتمع الكويت إيذانا ببدء عصر من الازدهار الاقتصادي مما أدى إلى توسيع نطاق حصول المرأة على التعليم بشكل كبير.
وأوضحت أن الحركة التعليمية للمرأة بدأت بشكل متواضع مع إنشاء أول مدرسة قرآنية في عام 1916 والتي كانت خطوة حاسمة نحو فرص تعليمية أوسع وبدأت المرأة الكويتية تدخل التعليم النظامي حينما افتتحت أول مدرسة للبنات (القبلة) عام 1937.
ويتضمن برنامج الندوة ست جلسات فكرية صباحية ومسائية على مدى يومين بمشاركة نخبة من الأكاديميين والمفكرين من الكويت والوطن العربي يتناولون خلالها محاور متكاملة تشمل التاريخ الثقافي والدور الاجتماعي والاقتصاد والتعليم والهوية وغيرها من العوامل التي شكلت ثقافة الكويت قبل التحول الاقتصادي الكبير.
كما يصاحب الندوة الفكرية معرض مصغر للحرف اليدوية التقليدية لفترة ما قبل النفط مثل حرفة السدو وحرفة القلاف (صناعة السفن) وركن لمطبوعات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدورية ومجلة العربي