صباح الأسطورة والشحرورة والصبوحة أيقونة الغناء العربي التي عاشت حياة حافلة من الفن تمثيلاً وغناءً وصاخبة أسريا في المآسي والزواج وفي مواقف حياتية ووطنية تضحك وتبكي وتفرح وتحب ظلت صباح طيلة حياتها الفنية التي تقترب من التسعين كالشمس المشرقة تشع بنورها في أي مكان تتواجد فيه وحينما نستعرض سيرة حياة صباح نعيش معها حكايات صادمة أب قاسية وأم خائنة وأخ قاتل وأخت قتيلة وابنة عاقة وأزواج غرقوا في لعب القمار والخيانة واستغلالها ماديا فحولوها إلى مدام بنك إننا نتحدث عن صباح الإنسانة التي لا يعرفها أحد ممن عشقوا فنها أكثر مما نتوقف عند محطاتها الفنية التي يعرفها الجميع إنه مشوار الشهرة والنجومية المفروش بالماسي والحب والدموع .
البدايات
ولدت جانيت فغالي الشهيرة باسم صباح في العاشر من أكتوبر 1927 في بلدة بدادون قرب منطقة وادي الشحرور القريبة من بيروت وهي المولودة الثالثة في أسرة جرجس فغالي بعد جولييت ولمياء يحكى أن الأم لم تستطع أن تقاوم دموعها عندما علمت أنها ولدت بنتاً لأن الأسرة كانت تريد صبياً وقيل إنها امتنعت طوال يومين عن إرضاع المولودة الجديدة ثم حلّت مشكلة الأسرة بولادة شقيق صباح أنطون لكن فجأة قتلت جولييت الشقيقة الكبرى لصباح بعد إصابتها بعيار ناري وهي في العاشرة من عمرها في إشكال وقع في بدادون وكان سبباً لمغادرة صباح البلدة مع أسرتها إلى بيروت والالتحاق بالمدرسة الرسمية أولا ثم بمدرسة اليسوعية .
وكانت تمثل وتغني في الحفلات المدرسية وهي لم تبلغ الثانية عشرة ثم قررت المدرسة تقديم مسرحية «الأميرة هند» ورشحت الراهبة المسئولة صباح لأداء دور البطولة فيها وكانت في الرابعة عشرة من عمرها فغنت وتألقت وتوقع الجميع لها مستقبلا باهرا في الغناء والتمثيل وتصادف أن حضر المسرحية قيصر يونس صهر الممثلة اللبنانية الأصل آسيا داغر الذائعة الصيت في مصر كمنتجة سينمائية وكانت تبحث عن وجه جديد للسينما المصرية لتنافس به يوسف وهبي الذي قدم المطربة نور الهدى في السينما واحتكرها ولم يسمح لشركات الإنتاج بالتعامل معها فرشحها قيصر يونس لأسيا فكان أول أفلامها مع أنور وجدي «القلب له واحد» لكنه لم يحقق النجاح المأمول فبدت فيه صباح كفتاه قروية تقدم مونولوجات لكن اقتنع بها الموسيقار كمال الطويل فلحن لها وتوالت الحان كبار الموسيقيين فانطلقت صباح بقوة وأصبحت فتاة أحلام الشباب وارتفعت أسهمها في مصر ولبنان وتوالت بطولاتها السينمائية مع كبار النجوم من بينهم رشدي أباظة ، أحمد مظهر، محمد فوزي وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وصلاح ذوالفقار وعماد حمدي وغيرهم ليصل رصيدها السينمائي حوالي 85 فيلماً.
مقتل أمها وقساوة أبيها
عندما سافرت صباح وهو الاسم الفني الذي اختاره لها الشاعر صالح جودت إلى القاهرة لأداء دور البطولة في فيلم «القلب له واحد» رافقها والدها جرجس وكان قاسيا شديد السيطرة عليها ويتصرف بأموالها ويوقّع العقود السينمائية عنها وأثناء وجود صباح ووالدها في مصر شاهد شقيقها أمه مع عشيقها فقتلها وهرب إلى البرازيل وعاش هناك باسم مستعار ولم تعرف صباح أين دفنت أمها حتى وفاتها فحدثت لها عقدة نفسية بسبب مقتل أمها وقساوة أبيها وعندما بلغت السن القانونية 18 عام تخلصت من أبيها بالزواج من نجيب شماس وكان في عمر والدها لتبدأ رحلتها مع كثرة الأزواج.
أزواج صباح التسعة
اشتهرت الفنانة صباح بكثرة زيجاتها إذ وصل عدد أزواجها إلى تسعة أزواج تقريبا وكانت البداية مع نجيب شماس (والد ابنها الدكتور صباح شماس) وذلك في عام 1944 وكان عمرها آنذاك 18 عاما وقضت معه 5 سنوات ذاقت فيهم ألوان من العذاب بسبب قساوته وغيرته ومنعها من تصوير أفلامها وبعد الطلاق حرمانها من رؤية ابنها ثم تزوجت أنور منسي وهو من أشهر عازفي الكمان في مصر ووالد ابنتها هويدا في عام 1952لتكتشف أنه مدمن للعب القمار فكان يضربها ويأخذ أموالها ليقامر بها وقضت معه 4 سنوات لم تكن سعيدة فيهما .
وتعرفت على أحمد فراج المذيع ومقدم البرنامج الشهير «نور على نور» ورأت فيه رجلا صالحا يعوضها عن فشلها في الزيجات السابقة وتزوجا في عام 1960 بعد أن اشترط عليها عدم تقديم الأدوار الساخنة أو القبلات في أفلامها إلا أنه لم يتحمل غيرة الشهرة وأضواء السينما فطلقها بعد خلافات استمرت ثلاثة أعوام .
ثم تزوجت الفنان رشدي أباظة في عام 1967 لفترة قصيرة وطلقها بعد اكتشاف سامية جمال زوجته الأولى هذه الزيجة فاضطر لطلاق صباح وانضم لقائمة الأزواج الفنان يوسف شعبان واستمر الزواج شهرا واحد في 1968 كما تزوجت أمير عربي في عام 1969 وطلقت منه بعد شهور ثم تزوجت النائب اللبناني المعروف يوسف حمود في 1971 واستمرت الزيجة سنتين ثم تزوجت الفنان اللبناني وسيم طبارة لمدة أربع سنوات ليقع الطلاق وتتزوج فادي لبنان الراقص بالفرقة اللبنانية للفنون الشعبية عام 1986 واستمر زواجهما الذي يعتبر أطول زواج للصبوحة 17 عاما وبررت صباح كثرة أزواجها بأنها لا تحب الخيانة والدخول في علاقات محرمة وأن بعض أزواجها كانوا يستغلونها ماديا ويسعون وراء الشهرة والأضواء وكانت بالنسبة لهم مدام «بنك» .
صباح مطربة عالمية
قدمت صباح ألوان غنائية متعددة فهي مصرية كما في «الحلو ليه تقلان قوي» وريفية لبنانية كما في «جيب المجوز يا عبود» وشعبية كما في «ع البساطة البساطة» كما عرفت بإجادتها غناء التراث اللبناني والمواويل من «أبو الزلف والميجانا والعتابا ويا هويدا هويدا لك بخلاف عشرات الأغاني الرومانسية التي قدمتها في أفلامها حتى وصل رصيدها حوالي 3500 أغنية من بينها أغاني المهرجانات والأفلام والمسرحيات وغنت لعمالقة العالم العربي من بينهم محمد عبد الوهاب «عالضيعة» وبليغ حمدي «يانا يانا» التي أعادت غناءها على طريقة الدويتو مع المطربة اللبنانية رلى سعد وفريد الاطرش «يا دلع دلع» وغيرهم أمثال زكي ناصيف والأخوين رحباني وجمال سلامة وملحم بركات وعصام رجي وتوفيق الباشا ورياض السنباطي وقدمت صباح عشرات المهرجانات والمسرحيات ضمن مهرجانات بعلبك وبيت الدين وجبيل وغيرها وتعتبر أول فنانة عربية غنّت على مسرح الأولمبيا في باريس بعد أم كلثوم مع فرقة روميو لحود الاستعراضية منتصف السبعينيات كذلك وقفت على مسارح عالمية معروفة من بينها كارناغري هول في نيويورك ودار الأوبرا في سيدني بأستراليا وقصر الفنون في بلجيكا وألبرت هول في لندن ومسارح لاس فيغاس وغيرها.
خلافها مع ابنتها هويدا
بالرغم من فشل صباح في تكوين بيت وعائلة كان حزنها الأكبر بسبب إدمان ابنتها هويدا للمخدرات وفشل علاجها أكثر من مرة بعد فشلها في التمثيل وهجرتها إلى الولايات المتحدة وكانت هويدا تتهم أمها بإهمالها وعدم رعايتها لتفرغها الكامل للفن لدرجة أنها لم تحضر جنازتها وبرروا ذلك بصدمتها والبعض قال أنها لم تكن تملك أموالا كافية للحضور من أمريكا والعودة إليها رغم ما قيل عن بيع صباح لمنزلها لمعالجة ابنتها من الإدمان لتقيم صباح أيامها الأخيرة وحيدة في غرفة داخل فندق وقيل إن الرئيس القذافي عرض عليها قصرا في ليبيا للإقامة فيها لكنها اعتذرت .
مشهد الرحيل
قبل وفاتها بثلاثة أعوام قدمت رولا سعد مسلسلا عن حياتها باسم «الشحرورة» عرض عام 2011 لا تظهر فيه ابنتها هويدا والتي حذرتها أن تأتي سيرتها أو مشاهد لها في هذا المسلسل وأوصت صباح وصية غريبة وهى أن يكون يوم وفاتها يوم فرح ورقص وليس حزنا فكان جمهورها يودعها من شرفات المنازل بالدموع والورود وتحولت جنازتها إلى زفة عروس كما أرادت صباح ليسدل الستار عن مشوار الصبوحة في 26 نوفمبر 2014
