قدمت فرقة مسرح الخليج العربي أول عروض مهرجان الكويت المسرحي الرابع والعشرين وهي مسرحية «تحت الظلال» والعمل مستوحى من نص «ذاكرة في الظل» للكاتبة مريم نصير، العرض المسرحي عكس قدرة المسرح على طرح القضايا الإنسانية المعقدة بطرق جديدة ومبتكرة، فكانت بمثابة تجربة جمالية وفكرية أثارت العديد من التساؤلات حول الأبعاد النفسية والاجتماعية التي يواجهها الإنسان في عالم تتشابك فيه الظلال مع حالته الداخلية وحمل عمقا فلسفيا وذلك من خلال قصة تدور حول رجل بحار يتذكر أحداث حياته منذ الطفولة والشباب وصولا للحياة الزوجية، والآلام التي عاشها، ويظهر معه ظله الذي يمثل له الشخصيات الموجودة في عقله، مما يتسبب له في صراع نفسي لانه لا يريد ان يعيش وهو حامل لكل تلك الذكريات المؤلمة والمأساوية ويتمنى لو انه لا يشعر ولا يتألم كي يستطيع ان يتعايش مع كل ما واجهه في حياته، وفي النهايه يبدأ الظل بالتحرر من الرجل ويتحول الرجل الى ظل.
رحلة داخل الذات
لم يكن النص مجرد سرد لمواقف وحوارات، بل كان رحلة داخل الذات البشرية، تنتقل بين الوعي واللاوعي، مع الاشارة الى أن الإنسان يظل طوال حياته تحت تأثير قوى غير مرئية، قد تكون هي شبح الماضي.
حمل الإخراج توقيع محمد الأنصاري، والذي أظهر قدرة كبيرة على تحويل النص إلى تجربة بصرية وسلوكية عميقة، واستخدم الإضاءة بشكل مبدع من خلال الفوانيس التي حملها الممثلون ليعكس تدرج الصراع بين النور والظلال، محاكيا بذلك الصراع الداخلي لدى بطل القصة، بمصاحبة موسيقى متميزة أعطت المسرحية طابعا دراميا مشحونا.
وكان الديكور المتحرك الذي أخذ شكل سفينة مؤثرا للغاية في إبراز الشخصيات والتوترات التي تمر بها، كما استخدم الأنصاري الفضاء المسرحي بذكاء وجعل من العرض مكانا ضيقا يلاحق فيه الظل البطل ويمنعه من التحرر.
الأداء التمثيلي
فيما يتعلق بالأداء التمثيلي فقد أظهر الفنانون عبدالله البصيري وخالد بدر الديحاني وعبدالعزيز بهبهاني وعبدالله البلوشي ونورة وليد ومصعب السالم مستوى عال من الاداء، وتمكنوا من تجسيد أدوارهم بكل صدق وواقعية، وكان لكل حركة جسدية قدموها معنى، ما سمح للمتلقي بالتفاعل معهم بشكل مباشر، حيث كانت الحركات والنظرات والأنفاس جزءا لا يتجزأ من تطور الشخصيات وتفاعلها مع أزماتها الداخلية فكانت الانفعالات منضبطة بعيدة عن التكلف والتصنع والمبالغة التي قد تؤدي الى نتائج عكسية
وتبقى الأسئلة الرئيسية التي طرحها العرض: هل يمكن للإنسان أن يتحرر من الظلال التي تحاصره؟، وهل يمكنه تجاوز القيود الاجتماعية والنفسية التي تشده إلى الوراء؟ هذه الأسئلة تظل مفتوحة، مما يدعو إلى التأمل في رحلة الفهم والتفسير تجاه قضايا الإنسان والمجتمع، والهوية، والحرية وبذلك تكون فرقة مسرح الخليج العربي قدمت واحدة من أفضل مسرحياتها التي تنافس بها على الجوائز في هذه الدورة