
غيب الموت الفنانة شويكار أمس الأول بأحد المستشفيات عن عمر يناهز الـ 85 عاما،بعد صراع قصير مع المرض تاركة إرثا فنيا كبيرا خلد اسمها في تاريخ عظماء الفن العربي.
ونعت المؤسسات الفنية والثقافية في مصر الفنانة الراحلة وفي مقدمتها نقابة المهن التمثيلية والبيت الفني للمسرح وكذلك العديد من الفنانين العرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم في بيان إن الموت غيب ”سيدتي الجميلة التي مثلت إحدى النجمات الذهبيات في ساحة الإبداع المصري وشكلت جزءا من ملامح تاريخ السينما والمسرح في مصر“ في إشارة إلى مسرحيتها الشهيرة "سيدتي الجميلة" عام 1969.
ولدت شويكار إبراهيم شفيق طوب صقال لأب من أصل تركي كان من كبار ملاك الأراضي ومن أعيان محافظة الشرقية.
واكتشفت في نادي سبورتنج بالإسكندرية حيث قدمت العديد من الأدوار التراجيدية.
قبل أن يكتشفها المخرج فطين عبد الوهاب في أدوار الكوميديا، وقدمت مع الراحل فؤاد المهندس العديد من الأعمال حيث كوّن الثنائي نموذجا خاصا في السينما المصرية.
ونجحت شويكار في العبور إلى قلوب الجماهير العربية بخفة ظلها وموهبتها الاستثنائية في التمثيل.
ويضم الأرشيف الفني لشويكار أعمالاً شديدة التنوع والثراء، إذ قدّمت دور الفتاة الارستقراطية وبنت البلد والأم والجدة والطيبة والشريرة بمهارة فائقة.
تمتلك شويكار مسيرة فنية رائعة قدمت خلالها 37 فيلماً أبرزها مطاردة غرامية، وغرام الأسياد، والكرنك، وربع دستة أشرار".
وتألقت على المسرح في نحو 10 عروض مسرحية أهمها "أنا وهو وهي، وسيدتي الجميلة، وإنها حقا عائلة محترمة".
وفي الدراما التلفزيونية استطاعت أن تثبت قدرتها الفنية من خلال العديد من الأعمال الدرامية الجادة مثل "هوانم جاردن سيتي، وترويض الشرسة".
وقدمت الراحلة ما يزيد عن 170 عملا فنيا، جاء آخرها في عام 2012 حينما شاركت بمسلسل "سر علني"، إلا أنها اختارت بعد ذلك الاختفاء وعدم الظهور مرة أخرى.
بدأت مشوارها الفني في مطلع الستينات في السينما بأدوار قصيرة لكن مميزة أمام نجوم كبار في أفلام "حبي الوحيد" في 1960 أمام كمال الشناوي و"غرام الأسياد" في 1961 أمام عمر الشريف و"الزوجة 13" في 1962 أمام رشدي أباظة.
التقت لأول مرة بالفنان فؤاد المهندس -والذي تزوجت منه لاحقا- في مسرحية "السكرتير الفني" التي أخرجها عبد المنعم مدبولي.
شكلت بعد ذلك مع المهندس ثنائيا مسرحيا مميزا في ستينات القرن الماضي فقدما معا "أنا وهو وهي" و"أنا فين وإنتي فين" و"أنا وهي وسموه" و"حواء الساعة 12" و"السكرتير الفني" و"سيدتي الجميلة".
وانتقل هذا النجاح من المسرح إلى شاشة السينما فقدما معا أفلام "أخطر رجل في العالم" و"شنبو في المصيدة" و"مطاردة غرامية" و"العتبة جزاز" و"أنت اللي قتلت بابايا" و"ربع دستة أشرار" و"عريس بنت الوزير".
ومع حلول منتصف السبعينات انتقلت إلى مرحلة جديدة برزت فيها موهبتها بشكل أكبر من خلال أدوار مركبة ومختلفة عن الصورة المأخوذة عنها فشاركت في أفلام "الكرنك" عام 1975 و"دائرة الانتقام" عام 1976 و"طائر الليل الحزين" في 1977 و"درب الهوى" في 1983 و"سعد اليتيم" في 1985 و"أمريكا شيكا بيكا" في 1993 وفيلم "كشف المستور" في 1994.
وفي حقبة التسعينات جذبتها الدراما التلفزيونية فقدمت نحو 20 مسلسلا من بينها "كلام رجالة" في 1995 و"ترويض الشرسة" في 1996 و"هوانم جاردن سيتي" و"امرأة من زمن الحب" في 1998 و"أحزان مريم" في 2006 و"سر علني" في 2012 الذي يعد آخر مسلسلاتها.
نالت العديد من التكريمات والجوائز من مهرجانات ومؤسسات فنية كان آخرها تكريم المهرجان القومي للمسرح المصري لها في دورته العشرين في أكتوبر 2016.
البعض ظن أن الراحلة قد اعتزلت الفن، لكنها، ورغم غيابها بشكل فعلي عن التمثيل، أكدت في عدة تصريحات أنها لم تعتزل الفن بعد.
وقبل أربع سنوات تعرضت شويكار لحادث في منزلها بعدما سقطت، وهو ما تسبب في كسر بعظامها، ما جعلها تشعر برغبة كبيرة في ألا ترى أحدا.
وكانت قد اعترفت بأنها لا تريد أن يراها أحد في هذه الحال، على الرغم من كونها ارتضت بما حدث لها وتتعايش معه بشكل طبيعي. وكان لها تصريح شهير قبل سنوات حينما قالت: "الناس مش ناقصة عشان تشوفني في الحالة دي".
وكانت توافق على إجراء المداخلات الهاتفية واللقاءات عبر الهاتف دون الظهور، حتى لا يراها الجمهور بطريقة لم يعتادوا عليها، كما تسبب مرضها في مكوثها بالمنزل حتى رحيلها.
تزوجت 3 مرات
نشأت الفنانة المصرية شويكار وسط أسرة ثرية فنالت حظاً وافراً من التدليل، وجعلت هذه الحياة الناعمة الابتسامة جزءاً من ملامح الفتاة الجميلة، التي كان حضورها أي مناسبة بمثابة إعلان لقدوم البهجة والسعادة.
لم تدم سعادة وهناء شويكار كثيراً فعندما بلغت 18 عاماً أقنعها والدها إبراهيم طوب صقال بالزواج من المهندس حسن نافع، وهو شاب ثري وناجح في عمله.
وبعد عامين من الزواج، أصيب نافع بمرض خطير فارق على أثره الحياة، لتجد شويكار نفسها أرملة وأما لطفلة جميلة اسمها "منة الله".
لم تسقط الفتاة الجميلة فريسة سهلة للحزن وقررت أن تنهض وتواصل حياتها، لذا استكملت دراستها في كلية الآداب بقسم اللغة الفرنسية، والتحقت بالعمل في فرقة "أنصار التمثيل" بناء على نصيحة المخرج حسن رضا، الذي كانت تربطه علاقة قوية بأسرتها.
شيئاً فشيئاً بدأت تشعر شويكار برغبة قوية في الوقوف أمام الكاميرا والمشاركة في عروض مسرحية، وساعدها على ذلك الفنان الكبير عبدالوارث عسر، وفي عام 1960 رُشِّحت للمشاركة فيلم "حبي الوحيد" أمام عمر الشريف ونادية لطفي.
تعرّفت شويكار إلى الفنان فؤاد المهندس بالصدفة، إذ تمَّ ترشيحها للوقوف أمام الفنان سيد بدير في مسرحية بعنوان "السكرتير الفني" عام 1963، وشاءت الظروف أن يسافر السيد بدير ويعتذر عن عدم تقديم العرض.
وجاء فؤاد المهندس بديلاً له ونشأت بينه وبين شويكار علاقة حب، وتوالت الأعمال الناجحة التي تجمعهما، وطلب المهندس يدها للزواج على خشبة المسرح أثناء العمل في مسرحية "أنا وهو وهي" أمام الجمهور، إذ قال لها "تتجوزيني يا بسكوتة"، وردت شويكار دون تردد "طبعاً وماله".
وبعد 20 عاماً من الزواج حدث الانفصال بسبب غيرة فؤاد المهندس، ورغم الطلاق استمرت روابط الود والصداقة تجمع بينهما.
تألّمت شويكار بسبب الانفصال عن فؤاد المهندس الذي وصفته كثيراً بـ"حب عمرها"، وللخروج من هذه الحالة خاضت تجربة الزواج للمرة الثالثة من السيناريست مدحت يوسف.
هاجم الحزن شويكار مرات عدة وكأنه كان يتربص بها، بدءاً بوفاة زوجها الأول والانفصال عن فؤاد المهندس، ورحيل عدد كبير من أسرتها في حرب 1967.
كانت تؤمن السيدة الجميلة بأن على الفنان أن يقوم بدور اجتماعي ويساند قضايا مجتمعه، وكانت تحكي دائماً عن الرئيس جمال عبدالناصر الذي طلب منها الاستمرار في عرض مسرحية "سيدتي الجميلة" بعد حرب الاستنزاف لأنه على حد تعبيرها كان يرى أن الناس محبطة ومكسورة الخاطر ومهمة الفن هو إسعاد الناس والمساهمة في تخفيف العبء والضغط النفسي عنهم.
وقالت عن هذه التجربة: "كنت والراحل فؤاد المهندس نقدم المسرحية يومياً وبداخلنا ألم وانكسار ومهمتنا رسم الابتسامة على وجوه مهزومة".