هي نهاد وديع حداد. قدم والدها وديع الكاثوليكي السرياني من مدينة حلب السورية، وقيل: من المنطقة الحدودية الفاصلة بين سوريا وتركيا، وقيل: من قرية فلسطينية، الى لبنان، فحل في الدبية، وهي قرية من قرى جبل لبنان المشرفة على سهل الدامور الساحلي «20 كلم جنوب بيروت»، وتزوج امرأةً من احدى عائلاتها المارونية، وهي ليزا البستاني.
ولدت نهاد في سنة 1935 م في الدبية، وفي غرفة شديدة التواضع في محلة زقاق البلاط في بيروت، عاشت نهاد طفولتها وصباها في كنف أمها وأبيها الذي كان عاملاً متواضعاً في مطبعة.
برزت موهبة نهاد الغنائية منذ صغرها، وكانت المدرسة الابتدائية الرسمية التي التحقت بها منذ صغرها، المنطلق الأول في بداية رحلتها مع الغناء، حيث برعت في أداء الأناشيد المدرسية، وحازت لقب أجمل صوت في المدرسة.
وفي احدى الحفلات المدرسية سمعها الأستاذ الموسيقي محمد فليفل تنشد بعض الأناشيد، فأعجبه صوتها أشد الاعجاب، وأشار عليها أن تلتحق بالمعهد الموسيقي اللبناني حيث كان مدرساً فيه. وفي هذا المعهد علمها الغناء والنوتة الموسيقية، وفيه تجلت موهبتها الغنائية، وتميزت بسرعة التقاطها للألحان الموسيقية وجودة تأديتها.
بعد ذلك دخلت في فرقة الأخوين فليفل التي كانت تقدم الأناشيد المدرسية والوطنية في الاذاعة اللبنانية. وقدم الأخوان فليفل نهاد الى لجنة الاستماع التي كانت تتألف من حليم الرومي «والد المطربة ماجدة الرومي» وميشال خياط ونقولا المني وخالد أبو النصر، وكان ذلك في أوائل شهر شباط من سنة 1950م.
العمل بالإذاعة
وأعجب الأستاذ حليم الرومي، رئيس القسم الموسيقي في الاذاعة آنذاك، بصوتها، وطلب اليها مقابلته في المكتب، وسألها ان كانت تجيد غناء غير الأناشيد، فردت بالايجاب، وغنت له موال «يا ديرتي مالك علينا لوم» الذي تغنيه اسمهان، والمقطع الأول من أغنية «يا زهرةً في خيالي» لفريد الأطرش، فازداد اعجابه وتقديره لصوتها، وعرض عليها أن تشتغل في الاذاعة فكانت تلك أمنيتها، التي تحققت بعد موافقة والديها أولاً وموافقة مدير الاذاعة يومئذ الأستاذ فائز مكارم، فابتدأت مرددة في كورس الاذاعة. ثم تعهدها الأستاذ حليم الرومي، فأولى عنايته بمخارج الحروف والكلمات حيث اتضح له أن هذه الناحية بحاجة ماسة الى الصقل، فأعد لها أغنية «تركت قلبي»، وهي الأغنية الأولى التي حفظتها كمطربة خارج نطاق الأناشيد المدرسية. ولما عين لها موعد الحفلة كي تذاع على الهواء، اقترح عليها أن يكون اسمها الفني فيروز، فابتسمت لذلك ظانة أن في الأمر دعابة، الا أنها وافقت على ذلك بعد أن اقتنعت بصوابيته.
وفي أوائل شهر إبريل 1950 كانت الأغنية الأولى التي غنتها في حياتها تحت اسم فيروز هي «تركت قلبي وطاوعت حبك»، وأتبعت بأغنية «في جو سحر وجمال»، ثم بمحاورة «عاش الورد» التي غنتها مع حليم الرومي، ثم تلتها أغنيتان: الأولى «يا حمام»، والثانية «أحبك مهما أشوف منك» اللتان سجلتا على أسطوانات تجارية لشركة أسطوانات بيضا الأصلية في سنة 1952، وتلا ذلك الكثير من الأغنيات الشعبية والخفيفة والراقصة والقصائد والطرب قام بتلحينها حليم الرومي الذي كلف عدداً من ملحني الاذاعة وغيرهم بالتلحين لفيروز، قاصداً بذلك تنويع الأذواق في أغنياتها، بغية عدم تقييدها في مدار الذوق الواحد.
وكان عاصي الرحباني، عازف الكمان بفرقة الاذاعة اللبنانية والملحن المبتدىء في ذلك الوقت، من بين الذين كلفهم حليم الرومي بتلحين بعض الأغنيات الحديثة لفيروز، فأجاب قائلاً: «ان صوت فيروز لا يصلح للأغاني الحديثة ولكنه يصلح فقط للأغاني الشعبية»، فرد على ذلك حليم الرومي بقوله: «ان فيروز صوت غير محدد بمقدرته الفائقة على الأداء لكل الألوان الغنائية، وأنه سيتميز في المستقبل القريب بأنه أقدر صوت على غناء الألحان الحديثة في العالم»، فكان ذلك نبوءة تحققت.
زواج فيروز وعاصي
وبدأت العلاقة تنمو بين فيروز وعاصي الرحباني فنياً وقلبياً الى أن تم زواجهما في السادس عشر من شهر كانون الثاني سنة 1955 م، فكان هذا الزواج ولادة جديدة للغناء والموسيقى، وعيداً للأوتار انطلق من لبنان.
وأول لحن لحنه عاصي لفيروز كان لحن «غروب»، ثم ثناه ب «ماروشكا»، وثلثه بأغنية «عتاب»، وربعه بأغنية «راجعة»، وخمسه بشقيقه منصور. ثم تألف الثنائي الرحباني مع فيروز فأبدع أغاني وألحاناً واسكتشات رائعة أطربت العرب، وغيرهم وما زالت، فناً رائعاً، وصوتاً ملائكياً، وموسيقى خلابة.
عائلتها وأولادها
لفيروز أختان هما هدى، وهي مطربة معروفة، وآمال التي تملك موهبة صوتية ولكنها لا تغني، بل تميل لفن الرسم وتحبه، وأخ واحد هو جوزيف.
وأنجبت فيروز أربعة أولاد: بنتين وابنين، من بينهم زياد الملحن والكاتب المسرحي والممثل المشهور.
فيروز والسينما
اشتركت فيروز بثلاثة أفلام سينمائية هي: «سفر برلك»، و»بياع الخواتم»، و»بنت الحارس». والأفلام السينمائية الثلاثة التي أنتجتها المؤسسة الرحبانية - الفيروزية كان دورها تكريس نجومية فيروز في السينما. هذا في وقت بدأت بتقديم أعمال مسرحية موسمية سنوية في مسرح مقفل في قلب العاصمة بيروت وفي السينما كما هي في الأغنية وعلى خشبة المسرح.
وكانت القرية في طبيعتها واجتماعها مصدر المخيلة الرحبانية التي غالباً ما تستحضر العالم في شخصياته وعلاقاته وأدواره كما لو أنه حلم يقظة، أو كما لو أنه عالم في حكايات الأطفال. وفيروز التي هي بطلة هذه الحكايات تشبه شخصية ساندريون المعروفة. فهي دائماً «منذورة» أو مرصودة للحب المنقضي أو المؤجل أو المستحيل أو المنتظر. وهو الحب الذي لا تكف عن النطق باسمه غناءً في المواسم والأعياد واحتفالات الحياة اليومية.
فيروز والمسرح
اشتركت فيروز في أكثر من عشرين عملاً مسرحياً غنائياً عرضت ما بين سنة 1957 م وسنة 1977 في اطار مهرجانات بعلبك الدولية، ومعرض دمشق الدولي، ونشاطات مسرح البيكاديلي في بيروت.
ومن مسرحياتها: البعلبكية، وجسر القمر، والليل والقنديل، وهالة والملك، والشخص، ويعيش يعيش، وأيام فخر الدين، وعودة العسكر، ورحيل الآلهة، وجسر العودة، وحكاية الاسوارة، وجبال الصوان، وناس من ورق، وناطورة المفاتيح، وصح النوم، والمحطة، وقصيدة حب، ولولو.
وكانت أول أغنية سجلتها فيروز على أسطوانة لعاصي الرحباني هي «بلمح الحب بعيونو»، لكنها لم تظهر للسوق لأن الشركة كانت قد أقفلت قسم التسجيلات العربية وانطلق صوتها عندما استمع العالم العربي من اذاعة دمشق أغنية «عتاب» من تأليف وتلحين الأخوين رحباني، وقد سافرت معهما الى القاهرة بدعوة من محطتي القاهرة وصوت العرب حيث قدموا العديد من الأغنيات الناجحة.
وفي لبنان كانت فيروز بطلة أول مهرجان شعبي لبناني للغناء والرقص أقيم في بعلبك سنة 1957. واستمرت في احياء هذه المهرجانات الدولية في السنوات التالية من سنة 1959 حتى سنة 1962. وكذلك كانت أول من دشن مهرجانات معرض دمشق الدولي فأبدعت في ذلك، وعمت شهرتها أرجاء العالم كصاحبة صوت انساني مبدع.
الانطلاقة خارج الحدود
الا أن الطموح الفني لفيروز دفعها للانطلاق خارج حدود اللغة العربية والعالم العربي، فكانت لها تجارب غنائية في الفرنسية والانكليزية، عدا بعض التراتيل الدينية باللغة اليونانية. وفي عام 1961 سافرت الى البرازيل والأرجنتين فأسر صوتها قلب العالم الآخر.
وتتالت بعد ذلك رحلاتها الفنية الى لندن وأميركا وباريس، حيث نقلت بصوتها الى أنحاء الأرض وجهاً مشرقاً من وجوه لبنان الحضارية. وتجلى ذلك في أقوال النقاد الذين درسوا صوتها ووجدوا فيه ظاهرة فريدة.
توقف المؤسسة
وبعد ثلاثة أفلام سينمائية، وآلاف الأغاني وعشرات الاسكتشات الاذاعية، وأكثر من 20 عملاً مسرحياً غنائياً عرضت ما بين 1957 و1977 في اطار مهرجانات بعلبك الدولية و»معرض دمشق الدولي» وعلى خشبة مسرح «البيكاديللي» في بيروت، وبعد عشرات الحفلات الفنية في العواصم العربية والعالمية، دمرت المؤسسة الرحبانية - الفيروزية في مطالع الحرب في لبنان، فتفرق أقطابها ونجومها: «عقل المؤسسة» عاصي الرحباني أصيب بانفجار دماغي عشية الحرب «1973»، فتوقف عن العطاء والنشاط الا في ما ندر حتى وفاته عام 1986. فيروز انفصلت عن العائلة الرحبانية بعد سنوات قليلة من المرض الطويل الذي ألم بزوجها.ومنصور الرحباني أنتج أربع مسرحيات يصعب ادراجها في اطار المسرح الرحباني في مسيرته الطويلة السابقة.و نصري شمس الدين توفي بسكتة قلبية فيما هو يغني في الأردن، فيما توفي فيلمون وهبي في بيروت. أما صبري الشريف المدير الفني للمسرح الرحباني، فتوفي بعدما أقعده مرض مزمن لا شفاء منه.
وقد أحيت فيروز حفلة غنائية واحدة في «ساحة الشهداء» في بيروت صيف العام 1995، بعد سنوات كثيرة من الاحتجاب عن احياء حفلات غنائية في لبنان منذ العام 1977. رعى حفلتها الغنائية ذلك الصيف رئيس الحكومة رفيق الحريري، لاطلاق مشروعه الاعماري الضخم في قلب العاصمة.
وصيف العام 1998 أحيت فيروز «الليالي اللبنانية» في مهرجانات بعلبك الدولية التي كانت قد استأنفت على نحو خجول نشاطها الموسمي الصيفي في العام 1997. وفي «لياليها اللبنانية» استعادت فيروز ومنصور الرحباني مشاهد من مسرحيات قديمة. ورغم نجاح هذه الليالي، فقد شابها «حنين جنائزي» الى «ليالي» الأمس البعلبكية، بعد أكثر من 20 عاماً انقضت على صمت «المؤسسة الرحبانية – الفيروزية».
أوسمتها
نالت فيروز العديد من الأوسمة، كما قدمت لها مفاتيح بعض المدن عرفان محبة وتقدير واحتراما لفنها، ومن بين الأوسمة التي نالتها وسامان لبنانيان: وسام الاستحقاق الذي تسلمته في عهد الرئيس كميل شمعون، ووسام الأرز من رتبة ضابط أكبر تسلمته في عهد الرئيس شارل حلو.