كتب :أ. د. بركات عوض الهديبان
سيظل تاريخ الأمم المتحدة يذكر للكويت، مشاهد سجل فيها حكامها أو من يمثلهم، على منابرها، وقفات مجيدة ومشرفة، لا يمكن أن تُنسى أو تُمحى صفحاتها، على مر الأيام، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ذلك الخطاب التاريخي الذي ألقاه المغفور له أمير البلاد الراحل، الشيخ جابر الأحمد أمام المنظمة الدولية، في العام 1990، عقب الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، والذي أحدث دويا هائلا وقتها، واجتذب العالم كله، لدعم ومناصرة الحق الكويتي، حتى تم التحرير، بفضل الله تعالى وتوفيقه.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى مشاركة ممثل صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد، في فعاليات الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتبارها واحدة من أهم المشاركات الكويتية، في تاريخ المنظمة الأممية. فقد وضع سموه في هذه المشاركة جانبا من خبراته الدبلوماسية الزاخرة، وتاريخه الطويل في العمل السياسي، بالقرب من حكام الكويت، وتأثره بهم وبسياساتهم وتوجهاتهم، وإخلاصهم الشديد لهذا الوطن، المستحق لكل جهد، ولأعظم درجات الإخلاص.
وقد جاءت الكلمات التي ألقاها سمو ولي العهد، أمام الجمعية العامة، وقمة المستقبل، خير تعبير عن توجهات الكويت، قيادة وشعبا، وترجمة حية لثوابتها التي باتت معروفة بها إقليميا وعالميا، ورؤيتها الواضحة والمستقيمة، تجاه الكثير من القضايا الدولية، ودعوتها الدائمة، إلى ضرورة أن يتوقف العالم – عبر منظماته الأممية والدولية – عن الكيل بمكيالين، في معالجته لتلك القضايا، خصوصا لدى التعاطي مع القضية الفلسطينية، وإطلاق يد الكيان الصهيوني، ليرتكب جرائمه التي لا تتوقف في غزة والضفة الغربية، وفي لبنان أيضا، دون رادع يوقفه عند حده، او يحاسبه على جرائمه وانتهاكاته.
وفي اعتقادنا أن سمو ولي العهد، قد أوفى بكل العهود، في كلماته. يكفي تحذيره من أن «المخاطر تحدق بنا جميعا، ولا يوجد من هو بمنأى عن تبعات هذه المخاطر، فلا طريق أمامنا إلا من خلال التعاون والتعاضد نحو الأهداف المشتركة». ويكفي أيضا طرحه بأمانة وشفافية، رؤية الكويت لتجديد التضامن الدولي عبر توافر إرادة سياسية دولية جادة للإصلاح، وتحديث آليات العمل الدولي وإيجاد مناخ تسوده الثقة والمشاركة الفاعلة، وقيام العمل في مجلس الأمن على أساس الديمقراطية في اتخاذ القرار، والتمثيل العادل للدول الأعضاء، والتجاوب بشكل أكبر مع عالم اختلف كليا، عما كان عليه في السنوات الأولى لتأسيس المنظمة الأممية، قبل ثمانية عقود من الزمان.
ولم تكن الكلمات التي ألقاها سموه، هي الأمر الوحيد الذي استوقف المراقبين والمحللين، وإنما أيضا هذا العدد الكبير جدا من اللقاءات التي عقدها سموه في نيويورك، مع زعماء وقادة العالم وممثليهم، والتي بلغت أربعة وأربعين لقاء.. وهو رقم قياسي جعل المواطنين يتساءلون: متى كان سموه يأخذ قسطا من الراحة والاستجمام، في ضوء هذا الجهد الكبير جدا، الذي بذله خلال أيام قليلة جدا.
لقد قدم ممثل صاحب السمو الأمير، سمو ولي العهد، صورة رائعة للكويت، أمام أهم محفل دولي، وهو أمر ليس غريبا عليه، فقد تشرفنا بمعرفة سموه، ولقائه في مناسبات عديدة، ولمسنا - كما لمس غيرنا – مدى ما يتمتع به سموه من خبرة ومعرفة واسعتين، وقدرة على تقديم رؤية استشرافية دقيقة وواضحة للمستقبل.
ولذلك كان الاستبشار كبيرا ومستحقا، بمجيئه أمينا على عهد سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد. ولذلك أيضا تواصل سفينة الكويت الإبحار بأمان، لأنها بين أيدٍ أمينة، تحافظ على هذا الوطن الجميل، أرضا وشعبا، وتنشر الخير والمحبة والسلام، في ربوع الكويت، وفي كل ربوع المنطقة والعالم.